يقول فريدون حنفي إنه ربما قتل جنودا أميركيين حينما كان أحد قادة حركة طالبان في شرق أفغانستان في الفترة من عام 2009 وحتى عام 2014. وإنه بالتأكيد قتل بعض الجنود الأفغان كذلك. ولكن منذ ذلك الحين، انضم حنفي إلى تركيبة سكانية غريبة بعض الشيء وهم المسلحون المعتدلون غير المتطرفين. وبعدما سلم البنادق والأسلحة وقاذفات الصواريخ الخاصة به إلى عملاء الاستخبارات، استقر حنفي في أحد المنازل الآمنة وبدأ في تلقّي مائتي دولار في الشهر. وفي مقابل هذا المبلغ الذي يصله عبر التمويلات الأجنبية، عمل حنفي مع المسؤولين المحليين في إقليم ننغرهار في محاولات لاستمالة غيره من المسلحين بعيدا عن القتال. والآن، بدأت الأموال في الانخفاض، والهدف الرئيسي من الجهود الأميركية لإعادة إعمار أفغانستان، ومحاولات إعادة تأهيل المسلحين المتشددين أو دفع الأموال إليهم لإعادة إدماجهم في المجتمع الذي يحترم القانون، باتت عند مفترق الطرق مع دخول الحرب هناك عامها الخامس عشر. وقال حنفي في مقابلة أجريت معه: «إذا ما توقفت الحكومة عن الدفع، سوف يجد هؤلاء الناس وسيلة أخرى للحصول على المال، وسوف تفشل المفاوضات حينئذ». وبعد استثمار الولايات المتحدة ودول أخرى ما يقارب مائتي مليون دولار في برنامج السلام وإعادة الاندماج في أفغانستان، تعطلت الجهود المستمرة منذ 6 سنوات في الوقت الذي يعكف فيه المسؤولون على مراجعة الأهداف والنتائج. ويأتي تعليق البرنامج وسط تدقيق على نطاق واسع في كابول وواشنطن على حد سواء لجهود نزع التطرف، مع تهرب قيادات حركة طالبان من محادثات السلام ووقوع أجزاء من أفغانستان في قبضة التطرف العميقة. وأفاد علي محمد، وهو محلل وباحث أمني أفغاني أن «المجتمع والأمراض الملازمة له كبيرة للغاية، والأدوية المتوفرة قليلة للغاية». والبرنامج، الذي يشرف على تنفيذه المجلس الأفغاني الذي تأسس في المقام الأول لدفع عملية السلام، يشمل مدفوعات للمسلحين السابقين، وتوظيف المئات من الوسطاء المحليين، وعشرات الملايين من الدولارات للخدمات العامة في معاقل المتشددين. ولكن لم يلتحق بالبرنامج إلا 11.077 مسلح متشدد فقط، وبات المسؤولون فيما يسمى بالمجلس الأعلى للسلام غير متأكدين ممن ظل على ولائهم للحكومة ومن انشق عنها. وفي بلد «غارق» في السلاح، لم تتسلم الحكومة من المتشددين السابقين حتى الآن إلا 9800 قطعة سلاح فقط. ويكافح مراجعو الحسابات كثيرا في الآونة الأخيرة لتعقب كيفية إنفاق أموال الخدمات العامة، بما في ذلك مبلغ 50 مليون دولار منحة من الولايات المتحدة الأميركية. من جانبه، قال دوغلاس كيه، مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في البلاد والذي يشرف على البرنامج: «من أهم الفرضيات التي ترتكز عليها الاستراتيجية الشاملة هنا، هي أن السلام قد أصبح وشيكا. وفي ذلك الوقت، يصبح لدى المجتمع الدولي ما يكفيه من الأسباب لأن يسترشد بالفرضيات المطروحة، ولكن ما كنا نأمل في تحقيقه لم يحدث بعد». وفي الوقت الذي يحاول فيه المسؤولون إعادة تقييم البرنامج خلال هذا الصيف، توقفوا عن الدفع للوسطاء الذين يشكلون العمود الفقري للعمليات برمتها. ولا يزال المجلس الأعلى للسلام قيد العمل من الناحية الفنية، حيث ضخت الولايات المتحدة مبلغ 5 ملايين دولار لسداد رواتب المسؤولين، ولكن المدفوعات الموجهة لمقاتلي طالبان السابقين قد توقفت، كما يقول فرض الله فرهاد، نائب الرئيس التنفيذي للمجلس الأعلى للسلام. وأضاف فرهاد قائلا: «نحن بصدد تقييم ماضينا بهدف التخطيط لمستقبلنا». ومع ذلك يقول حنفي إن البرنامج يحمل بعض إشارات النجاح. وقال إنه انضم لحركة طالبان عندما كان مراهقا قرابة عام 2008، بعدما سمع عن الضحايا من المدنيين بسبب الضربات الجوية الأميركية. ولقد التقى أحد رجال الدين الذي قال له: «القتال فريضة عليك»، بسبب «أهلك من القرويين الذين يعانون». وفي غضون أسابيع قليلة، كان حنفي يقود مجموعة من مقاتلي طالبان في إقليم وارداك، حيث كان ينصب الكمائن ضد القوات الأميركية الذين كانوا يعملون على تحصين قواعدهم العسكرية في المنطقة. وفي إقليم لوغار المجاور، يتذكر حنفي الاختباء في الغابات أثناء توجيه مسلح آخر والذي كان قد زرع 5 عبوات ناسفة على جانبي الطريق. ثم جاءت سيارة تابعة للاستخبارات الأفغانية وتوقفت بجوار العبوة الناسفة، ثم سأله المسلح ماذا يصنع. فقال له حنفي: دعه يمر. ثم جاءت سيارة تابعة للجيش الأفغاني، ثم سأله المسلح ماذا يصنع. فقال له حنفي مرة أخرى: دعه يمضي، ثم جاءت سيارة أميركية كبيرة، فقال حنفي للمسلح: لقد حان الوقت، فجرها. ولقد أسفر الانفجار عن تدمير العربة، كما يقول حنفي، ومن ثم ازدادت حدة العمليات العسكرية في المنطقة. ثم انتقل حنفي إلى إقليم ننغرهار الشرقي، ولكن مع مرور الوقت، كما يقول، أصابه التوتر والوهن من العمليات العسكرية العنيفة. ولقد اهتز قلبه عندما شاهد المتشددين يسحبون جثة أحد جنود الجيش الأفغاني خلف إحدى السيارات. ثم بدأ يفكر مرة ثانية ما إذا كان يريد فعلا الموت في ميدان القتال أو في هجوم انتحاري حتى يكون «مسلما تقيا» كما قال له رجل الدين. ثم ثارت ثائرته عندما علم أن أغلب الأوامر التي كانت موجهة إليه آتية من باكستان. وفي أواخر عام 2014، ألقى حنفي سلاحه وانطلق للعمل مع الوسطاء المحليين في إقليم ننغرهار. وقال إن «الطلبة [طالبان] منهكون، وسوف ينضمون للبرنامج إذا ما دفعت الحكومة لهم، وإذا ما وفرت الحكومة لهم الوظائف أيضا». ولكن جهود المحافظة على برامج إعادة التأهيل ونزع التطرف في أفغانستان تقف في مواجهة ما يقوله الدبلوماسيون الغربيون وعمال الإغاثة من تشديد الخناق المالي هناك. *خدمة «واشنطن بوست» خاص لـ«الشرق الأوسط»
مشاركة :