السرد مُعبِّر قوي عن هشاشة الحياة الشعر يفتح آفاقاً جديدة للتأويل في إطار تعزيز الحوار الثقافي والفكري، وضمن مباردة الشريك الأدبي التي تهدف إلى تحويل المقاهي إلى منصات ثقافية نابضة بالنقاش والإبداع، استضاف مقهى قافية بمحافظة عرعر أمسية فكرية بعنوان "الجمال بين الفلسفة والأدب" قدمها الزميل عبدالله الحسني مدير تحرير الشؤون الثقافية، وأدارها باقتدار الأستاذ صالح الحماد رئيس مجلس إدارة جمعية النشر في المملكة، وقد استهلّ المحاضر ورقته برؤية نقدية للفيلسوف وعالم السيميائيات أمبرتو إيكو، الذي يُعد من أبرز الأسماء المعاصرة التي جمعت بين الفلسفة والأدب، حيث لفت الحسني إلى أن إيكو تناول في كتاباته الفرق الجوهري بين الكتابة العلمية والإبداع الأدبي، مشيراً إلى أن الأدب يمتلك القدرة على التعبير عن هشاشة الحياة وتعقيداتها بطرق تتجاوز أطروحات الفلاسفة، واستشهد بمقولته التي يؤكد فيها أنّ " الأدب يستطيع أن يقول ما تعجز الفلسفة عن وصفه، فهو - برأيه - يمثّل الحياة بكل تناقضاتها، ويكشف عن عُمق التجربة الإنسانية". هذه الرؤية كانت مدخلاً عميقاً لطرح تساؤلات حول العلاقة بين الفلسفة والأدب، ودورهما المشترك في صياغة مفهوم الجمال وتجسيده. عقب ذلك استعرض المُحاضر محاور عدة؛ أبرزت التكامل بين الفكر الفلسفي، والخيال الأدبي، وكيف يمكن للجمال أن يصبحَ أداةً للتأمّل والابتكار. وركّز الزميل الحسني على تطوُّر مفهوم الجمال في الفلسفة من أفلاطون إلى هيغل، مشيراً إلى أفلاطون قد اعتبر الجمال انعكاساً لعالم المثل، حيث يمثل الجمال الحقيقي قيمة أسمى تتجاوز المحسوس؛ فيقول: "الجمال المثالي هو ما يدفع الروح نحو الحقيقة والخير." أما الفيلسوف الألماني إيمانويل كانت؛ فيُعدُّ من أهمّ الفلاسفة؛ إذ إنّه منح الشعر مكانة استثنائية في كتبه المهم "نقد ملكة الحكم"، مؤكداً أن الجمال هو تجربة تأمُّلية تُحرّر المخيّلة، فيقول: "الشعر يطلق العنان للروح ويمنحها الحرية لتبتكر أفكاراً جمالية تتجاوز المفاهيم العقلية." فيما اعتبر الفيلسوف هيغل أن الفن هو أرقى أشكال التعبير عن الروح المطلقة، والجمال هو الوحدة بين الشكل والمضمون. وفي محور يتعلّق بالجمال في الأدب؛ انتقل المحاضر إلى الجمال في الأدب، موضّحاً كيف يتحول الأدب إلى مساحة رحبة لصياغة الواقع وإعادة إنتاجه بشكل إبداعي؛ وقد لفت إلى أنّ الشعر بوصفه أرقى أشكال الجمال الأدبي، حيث وصف كانط الشعر بأنه "فن إدارة المخيلة الحرة". كما أشار المحاضر إلى أعمال محمود درويش كمثال، حيث يمزج الشاعر بين الحزن والجمال ليحول الألم إلى طاقة إبداعية. وحول السرد الأدبي تناول الحسني الرواية كوسيلة لتمثيل تناقضات الحياة، مستشهداً بأعمال دوستويفسكي التي تعكس الصراعات النفسية والوجودية للإنسان. وفي محور يتعلق بلقاء الفلسفة بالأدب أوضح المحاضر أن الجمال في الفلسفة والأدب يتجاوز الحدود الفردية ليصبح تجربة إنسانية مشتركة. وذكر أن هايدغر، أحد أبرز فلاسفة القرن العشرين، اعتبر الشعر وسيلة لفهم العالم وتأمله، مشيراً إلى أن اللقاء بين الفلسفة والشعر يفتح آفاقاً جديدة لتأويل الجمال. وقد شهدت الأمسية تفاعلاً كبيراً من الحضور، حيث طرحت أسئلة عميقة حول مفهوم الجمال كقيمة إنسانية، ودور الأدب والفلسفة في تعزيز الوعي الثقافي. كما ناقش المشاركون كيف يمكن للجمال أن يصبح وسيلة لمواجهة تحديات الحياة المعاصرة. واختتم الزميل الحسني الأمسية بتأكيده على أن الجمال ليس مجرد إحساس بصري أو تجربة فردية، بل هو دعوة للتأمل وإعادة صياغة علاقتنا بالعالم. فالجمال "هو لغة تلتقي فيها الفلسفة بالأدب، حيث يصبح وسيلة لتحرير الروح وإعادة اكتشاف الذات". د. عبدالعزيز سحل ومداخلة خلال اللقاء جانب من الحضور
مشاركة :