اتّهم مكتب التحقيقات الفيدرالي أمس امرأة بلجيكية قُتل ابنها في سوريا، بالتورط في تمويل الإرهاب ومحاولة تجنيد عناصر متطرفة، رافضا إعطاء أي معلومات أو تفاصيل إضافية. وقالت البلجيكية جيرالدين هينغاين، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أمس، إنها تدرس الآن مع محاميها ما يجب أن تفعله للتعامل مع هذا الموضوع. وكانت هينغاين قد أبلغت الإعلام البلجيكي مساء الأربعاء بأنه منذ إصابة ابنها في سوريا عام 2014. اتصلت بها فتاة فرنسية، وأخبرتها أنها على اتصال مع ابنها أنيس، وأنها ذاهبة إلى سوريا لمساعدته. وقالت هينغاين إنها حاولت نصح الفتاة بعدم السفر، ولكن الأخيرة أخبرتها أنها مصممة على الوقوف إلى جانب أنيس. وأضافت هينغاين أن ابنها طلب منها مساعدة مالية للإنفاق على نفسه، ما دفعها إلى إرسال ألف يورو لابنها مع الشابة الفرنسية. وقالت: «لهذا اتهمتني النيابة العامة بتمويل الإرهاب. ولكن ماذا يمكن أن أفعل لمساعدة ابني الموجود في منطقة صراع وهو مصاب، ولا يملك مالا؟» وأضافت أن الفتاة الفرنسية عادت إلى أوروبا بعد مقتل أنيس، وطلبت منها مساعدة مالية لها. لكن قاضي التحقيقات طلب منها وقف تقديم أي مساعدات من هذا النوع. وتابعت: «لكنني سأستمر في مواجهتي للتشدد وزيادة الوعي في المدارس أكثر من أي وقت مضى». وكانت «الشرق الأوسط» قد التقت هينغاين في نهاية مارس (آذار) الماضي، بعد أيام قليلة من تفجيرات بروكسل الإرهابية، ودار حوار حول نشاط الجمعية التي تشرف عليها هينغاين، والتي تضمّ عددا من أمّهات شباب وفتيات سافروا من بلجيكا إلى سوريا للمشاركة في القتال هناك، ضمن صفوف تنظيم داعش، وغيره من التنظيمات الإرهابية. وجرى اللقاء في حي «مولنبيك» ببروكسل، داخل مقر جمعية «دار النساء» الذي يجمع عددا من الجمعيات والمنظمات المعنية بدعم أهالي بلجيكيين انخرطوا في صفوف الجماعات المتشددة في سوريا، ومن أبرزها جمعية «الأهالي المعنيون»، التي تقدم خدمات لما يقرب من 50 عائلة. ومعظم الأهالي يخشون التحدث إلى الإعلام ويفضلون عدم نشر صورهم أو أبنائهم، فيما لا يمانع آخرون نشر قصصهم. وبعد محاولات مضنية، وافق المسؤولون في المنظمة على إجراء لقاءات صحافية بحضور 3 سيدات داخل إحدى الغرف المخصصة للاجتماعات التي تعقد داخل الجمعية. وبدأت «الشرق الأوسط» اللقاءات مع مسؤولة الجمعية فيرونيك لوت، التي قالت إن «الجمعية أنشئت في 2013 والغرض منها هو جمع أولياء الأمور الذين يعانون من مشكلة سفر الأبناء إلى سوريا للقتال هناك. ويجتمع الأهالي ويتحدثون عن قصصهم ومعاناتهم في طريق البحث عن أبنائهم». وأوضحت لوت أن مشاركة قصصهم يساعد الأهالي على التأقلم مع الوضع ويدلّهم على جهات أخرى قد تمدّهم بيد العون. بدورها، قالت هينغاين، وهي عضو مؤسس في الجمعية، ووالدة أحد البلجيكيين الذين قتلوا في سوريا، إن ابنها سافر إلى سوريا للقتال هناك، متسائلة عما ترتب عن ذلك، وتجيب: «لم تتغير الأمور»، وتقول الناشطة البلجيكية: «فالوضع لا يزال على ما هو عليه، وبعد موته جاءت فكرة تأسيس هذه الجمعية لتفادي نفس المصير لأعداد كبيرة من الشباب». وتضيف هينغاين أن أولياء الأمور، وخاصة الأمهات، يأتون إلينا لأننا لا نصدر أحكاما مسبقة عليهم، بل نساعدهم. وتقول: «المشكلة لا تتعلق بالوالدين فقط، بل بالعائلة كلها. كما أن أولياء الأمور في مثل هذه الظروف يحتاجون إلى الدعم والمساعدة من أجل الاستمرار في تربية أبنائهم الآخرين؛ لأن سفر واحد منهم ربما يتسبب في حالة من الاضطراب والقلق، ما قد يؤثر على الاهتمام بالآخرين». إلى ذلك، أوضحت هينغاين أن نحو 50 عائلة تأتي إلى جلسات الجمعية من مناطق مختلفة في بلجيكا؛ لأن مشكلة سفر الأبناء إلى مناطق الصراعات لا تقتصر على بروكسل بعينها، أو أنتويرب، بل هي منتشرة في معظم إرجاء البلاد. وعن دوافع إقبال الأمهات على هذه الجمعية، أفادت هينغاين بأنهن «يأتين إلينا بعد فقدانهن الأمل في الحصول على مساعدة من جهات أخرى.. وعندما يأتين إلينا، يجدن راحة نفسية من خلال التحدث والاستماع إلى تجارب الآخرين والاستفادة منها». أما عن أهداف الجمعية، فتؤكد أن الهدف الأساسي هو الحوار، قائلة: «إلى جانب الاستماع إلى الأمهات، نهتم بالتحدث مع الشباب ونقول لهم إن هذه الحرب ليست حربكم، ولا ينبغي أن تسافروا إلى هناك». وتتضمن خطط العمل في الجمعية كذلك التحدث مع صغار السن في المدارس، وإقناعهم بأن المستقبل هنا في بلجيكا وليس في مناطق الصراع، تقول هينغاين: «كما نسلط الضوء على أهمية المشاركة في بناء المستقبل، ونشير إلى أن أولياء أمورهم ساهموا في بناء هذا البلد، وبالتالي يجب أن يواصلوا البناء وخلق مستقبل أفضل». واختتمت بالقول: «نعلم أن هناك مشكلة في سوق العمل وصعوبة إيجاد فرص الشغل، ولكن لا يجب أن يتحول ذلك إلى دافع للسفر إلى مناطق الصراع».
مشاركة :