«أيها الإنسان، اعرف نفسك». كما قالها سقراط، وأكد عليها عديد من الفلاسفة القدماء في كتب تحليل الفلسفة الذاتية، التي تعتبر الذريعة الأولى للانطلاق في سبر أغوار الحياة بشكل تدريجي، أو عشوائي، حيث يُفرض على الإنسان أن يتعرف على قيمته الذاتية قبل الحياتية عن طريق ربط الجسد بالعقل، والموازنة بينهما من أجل الوصول إلى الغاية الأساسية من خلق الإنسان، ولكن ما هي الفلسفة الذاتية، وهل انتهت كما يقولون؟ إن الفلسفة الوجودية تعرضت إلى كثير من التفسيرات والمغالطات والإدراكات المتأرجحة بين الصواب والخطأ، إذ إنها تمثل النقطة المركزية نحو مفهوم الغاية من خلق البشر على اختلاف أيديولوجياتهم الفكرية والمنطقية في الحياة المجتمعية الخاصة بهم. نشوب المعارك الفكرية آنذاك أدى إلى تفاوت المفهوم العميق إلى الذات. كما أنها تؤكد على أن الإنسان لا يولد إنساناً ناضجاً منذ الخلق، وإنما يصبح كذلك من خلال وعيه وإدراكه للأمور من حوله، وتحليل المشكلات والظروف الموجودة أمامه، التي قد يفشل في تخطي فهم معنى جوهرها الحقيقي، وهذا ما يؤدي إلى أن يفقد الإنسان ذاته بسبب عدم تجاوزه، أو فهمه الأمور المهمة التي تشكِّل المقومات الأساسية لبناء ذاته الشخصية. وتحدث الفيلسوف الشهير سورن كيركجارد، في هذا الجانب حينما قال: إن الفرد بصفته مركزاً للوجود، ومنهجَ حياةِ الذاتِ باتجاهها نحو المطلق، نحو الله، ولا يتم هذا إلا عندما يمتلك الفرد الوعي الذاتي، وهذا يعني امتلاك الوجود الذاتي، لأن الوجود هو الوعي والاختيار الحر. وقد بذل كيركجارد، جهداً شاقاً في دراسة العوامل التي تكوِّن الذات البشرية، حتى يتوصل إلى الإجابة على السؤال الذي يشغله: كيف يمكن للإنسان أن يكون إنساناً؟ ويجيب على هذه التساؤلات العميقة من خلال ما كتب، حيث يرى أن على الإنسان أن يكون مؤمناً، وأن يعتمد اعتماداً كلياً على الله، بهذا فقط تكون له القدرة على امتلاك ذاته واستردادها من جديد. لكن كيف تمتلك الذات وعيها؟ وهل لها القدرة على حرية الاختيار؟ يشير كيركجارد، إلى مراحل تطور الذات البشرية، حيث يؤكد أن هناك ثلاث مراحل لتطور الذات الفردية في علاقتها بنفسها وبالعالم ويسميها «مراحل الوجود الثلاث الكبرى». وتعرف هذه المراحل كالتالي: المرحلة الحسية الجمالية المباشرة والحسية التأملية، والمرحلة الأخلاقية، بالإضافة إلى المرحلة الدينية، ولكن كيركجارد، يضعنا دائماً أمام خيار واحد، إما أن تختار ذاتك بوعي، أو أن تضيع. وبلاشك فإن الذات تمر بمرحلة نضج فكري، خصوصاً إذا تعرضت إلى مشكلات متتالية في الواقع المعاش، حيث إن المهمة الأساسية لها هي المحافظة على توازن العوامل الأساسية لتكوين الذات التي تتجاوز المرحلة الحسية حتى لا تقع في دائرة اللاوعي، عندها تنتقل إلى المرحلة الأخلاقية التي تعني الالتزام الداخلي للذات تجاه مسؤولية الفرد نفسه. إذاً، في هذه المرحلة يقوم الإنسان باختيار ذاته، ومن ثم امتلاك القدرة على اتخاذ القرار، أي الوعي المتعمد، ويشترط في الاختيار الذاتي أن تكون الذات موجودة أولاً، وتمتلك إمكاناتها المعطاة لها من الطبيعة، ولكن معرفة الإنسان لذاته أولاً ليست هي النهاية، إنما تؤدي إلى اختيار الإنسان ذاته، يعني قبول المسؤولية تجاه الذات، وهذا ما يتبين لنا من خلال اتخاذ قراراتنا تجاه الأمور المصيرية، أو المؤقتة في الحياة التي تؤكد أن الفلسفة الذاتية لم تنتهِ بعد.
مشاركة :