مع اشتداد درجة الحرارة في فصل الصيف، كانت رحلات المقيظ هي وسيلة سكان المدن الداخلية والبادية في الإمارات لمواجهة حر الصيف، الذي كان يسمى فصل القيظ قديماً لشدة حرارته، ليتجهوا إلى مناطق الواحات، خصوصاً العين وليوا، حيث الزراعة والمياه العذبة والزراعات والنخيل، حتى باتت رحلات المقيظ من الطقوس المهمة في الحياة الإماراتية قديماً، ولكنها تراجعت في أواخر الستينات تقريباً مع تطور الحياة ودخول الكهرباء والمرافق المختلفة إلى المنازل، ثم ظهور المكيفات التي خففت كثيراً من قسوة الطقس في الإمارات. التاريخ هو الهوية الحقيقية للأمم والشعوب، وهناك علامات فارقة في تاريخ الشعوب والدول لا يتشابه ما قبلها مع ما بعدها، كما في تاريخ الثاني من ديسمبر 1971، الذي يمثل في حقيقته جوهر تاريخ دولة الإمارات، واللبنة الأساسية التي بُنيت عليها أسس قيام الدولة وتطورها ونموها، واستناداً إلى أهمية هذا التاريخ، وإلى حقيقة أن تاريخ الإمارات المشرق لا يقل أهمية عن حاضرها الزاهي، جاءت مبادرة 1971، التي أطلقها سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، بهدف الإسهام في توثيق تاريخ الدولة في جميع المجالات. واستلهاماً لهذه المبادرة المهمة، تأتي هذه الصفحة الأسبوعية التي تقدمها الإمارات اليوم، بالتعاون مع الأرشيف الوطني، التابع لوزارة شؤون الرئاسة، للتعريف بشكل الحياة في الإمارات قبل الاتحاد، وخلال بداياته الأولى، والجهد الكبير الذي بذله الآباء المؤسسون للدولة من أجل قيامها. لمشاهدة صور تاريخية عن الموضوع، يرجى الضغط على هذا الرابط. واحات ومقايظ تعتبر واحات مدينة العين الخضراء من أشهر مقايظ الإمارات قديماً، والمناطق المشهورة فيها مثل القطارة والهيلي والمعترض والداوودي والجيمي، كما توجد على مقربة من العين منطقة البريمي التابعة لعمان، التي يفضلها الكثير من العائلات في أبوظبي ودبي والشارقة، وترحل إليها في قوافل جماعية، كما تشتهر محاضر ليوا، وجزيرة دلما والجزر القريبة منها. وفي الساحل الشرقي تنتشر مناطق السهول الزراعية الممتدة من كلباء جنوباً وحتى دبا شمالاً، التي تكثر فيها أشجار النخيل والفواكه والخضراوات، ومن أهم المقايظ سهول كلباء التي تحتوي على بساتين لأنواع من أشجار الفاكهة، وتضم مختلف أنواع النخيل والآبار العذبة، وتقصدها العائلات من أبوظبي والشارقة ودبي، أما مقيظ دبا فيعد من المقايظ المفضلة لأهالي الساحل. الكريان خبراء الصحراء كانت مهنة الكرى أو صاحب الجمال، تجد رواجاً كبيراً في موسم المقيظ، وكان الكريان، وهم غالباً من البدو المعروفين بأمانتهم، ويتمتعون بخبرة كبيرة بالدروب والطرق الصحراوية، ينتظرون هذا الموسم بحماس شديد، لينطلقوا في مجموعات إلى مدن الساحل لنقل الحضار (أهالي الساحل) إلى مناطق المقيظ، وغالباً ما تتكون كل مجموعة من ثلاثة إلى أربعة كريان. وتساعدهم في ذلك معرفتهم بالدروب الصحراوية التي يسلكها الحضار، التي تتوافر فيها آبار المياه وأماكن للراحة، سواء الطرق المؤدية إلى المناطق الجبلية والصحراوية في الدولة أو الدول المجاورة مثل سلطنة عمان. القيظ والرطب اكتسبت فصول السنة أسماء من وحي البيئة والطقس في كل فصل منها؛ فكان الربيع يسمى الصيف، والخريف الأصفري لاصفرار أوراق الأشجار، في حين سمي الصيف بالقيظ، لشدة الحر. وارتبط موسم الصيف (القيظ) في الإمارات بموسم الرطب، حيث تنضج التمور في تلك الفترة بفضل حرارة الجو. وكان جمع التمور حدثاً مهماً يشارك فيه السكان من مختلف الأعمار. وعقب جمعها يتم تجفيفها حتى يمكن الاحتفاظ بها لأطول فترة ممكنة، عبر نشرها على أسطح خاصة مصنوعة من سعف النخيل ومرتفعة عن مستوى سطح الأرض للحفاظ عليها بعيداً عن التلوث. بشارة القيظ ارتبط القيظ بعادات وتقاليد مختلفة حتى أصبح يحمل أبعاداً ثقافية وتراثية، ولذلك خصص معهد الشارقة للتراث احتفالية بشارة القيظ، التي تقام سنوياً لتعريف الأطفال بهذه المناسبة وأسبابها وطقوس الآباء والأجداد فيها، وتوعيتهم بالتراث الإماراتي، وربطهم به للحفاظ عليه. وأقام المعهد الدورة التاسعة التي أطلقها منذ أيام، تحت شعار: الرطب - التمور، للتعريف بأهمية شجرة النخيل وصفاتها ومميزاتها، ووقت جني الرطب والتمور، وفوائدها الغذائية، وأنواعها، ووقت حصادها. عن ذكرياته في المقيظ؛ يتحدث رجل الأعمال المعروف، محمد عبدالجليل الفهيم، في كتابه من المحل إلى الغنى.. قصة أبوظبي، مشيراً إلى أن الأحوال المناخية القاسية على الساحل كانت تنفر الناس من السكن في جزيرة أبوظبي، خصوصاً في فصل الصيف، حيث الحرارة والرطوبة الشديدتان، وكانت النساء والأطفال ينتقلون إما إلى العين أو إلى ليوا، في الوقت الذي كان الرجال يركبون البحر ويصيدون اللؤلؤ من مايو وحتى سبتمبر، مشيراً إلى أنه بالكاد كان هناك من يبقى في أبوظبي، ولم تكن نسبة من يبقى في أبوظبي طوال العام تزيد على 5% فقط من إجمالي تعداد السكان على الأكثر، وذلك بسبب نقص المياه العذبة وسوء الظروف المعيشية، موضحاً أن الناس بدأوا يقيمون في أبوظبي طوال السنة اعتباراً من أواخر الستينات وما بعد ذلك، حين أنشئت الأعمال والمكاتب فيها بصفة دائمة. وعن كيفية الانتقال من أبوظبي إلى العين أو ليوا؛ يشير الفهيم في كتابه إلى أن الرحلات طويلة المسافة كانت تتم على ظهور الجمال، ولم يكن هناك إلا عدد قليل جداً من السيارات، ولم تكن هناك طرق للسيارات، فكانت الجمال تستخدم بكثافة للتنقل بين قرى المنطقة. وكان السفر إلى المشيخات الشمالية مثل دبي والشارقة ورأس الخيمة يتم أساساً بالقارب، لافتاً إلى أن السفر بين أبوظبي والعين أو ليوا كان يستغرق سبعة أيام، وثلاثة أو أربعة أيام للسفر إلى دبي. ولم يكن السفر فردياً في تلك الأيام؛ وفق ما يشير، فغالباً ما كان الناس يسافرون في قوافل من 20 إلى 30 جملاً، توخياً للسلامة وطلبا للصحبة. وحتى نهاية الخمسينات لم يكن أي من سكان أبوظبي المحليين يمتلك سيارة باستثناء بضعة أفراد، والبعض القليل جداً كان يمتلك سيارة يستخدمها كسيارة أجرة أو لخدمات النقل. وكانت الأغلبية لاتزال تعتمد على الجمال. ويذكر الفهيم أنه لم يكن غريباً أن يموت الناس، خصوصاً المسنين وهم يسافرون في الصحراء، وهو ما حدث لجده وجدته خلال إحدى هذه الرحلات بين العين وأبوظبي، في قصة مؤثرة رواها في كتابه، لافتاً إلى أن أسباب هذه الوفيات إما ضربات شمس أو إعياء السفر نتيجة أشعة الشمس اللاهبة والحرارة الجهنمية، وحركة الجمال المستمرة التي كان المسافرون يركبونها أياماً، وهو مجهود أكثر مما يتحمله المسنون الذين يفتقدون قوة وطاقة الشباب. ذكريات أخرى عن المقيظ ترويها الشيخة صبحة محمد جابر الخييلي، في كتابها وين الطروش، مشيرة إلى اعتياد أهل أبوظبي قضاء شهور الصيف في العين، وكانت تلك الفترة تعرف بوقت الحضارة؛ إذ كانت الأسر تستعين برجل من البدو (المكري) لإحضار الإبل (الركاب) وتحميلها بتموينهم من الطعام الذي يكفيهم مدى الإقامة هنا، وكانت رحلة الحليل لأهل أبوظبي القادمين للعين تستغرق ثمانية أيام، وطيلة شهور الصيف الثلاثة يستمتعون بالمناخ، والأفلاج، والماء العذب، والفواكه الطازجة من كل نوع، كالرطب والهمبا (المانجو)، والموز والليمون وغيرها. وبعد انتهاء الصيف يعود المكري بهم إلى أبوظبي وهم محملون بخيرات العين من اللومي (الليمون) المخلل، والخل والسمن وغيرها، وكان المكري يرددون حدوة وهم يشدون الركاب متجهين إلى أبوظبي. وارتبط القيظ بموسم نضج وجني التمر والثمار عموماً، فيقال النخل قاظ أو يقيظ أي استوى رطبه، وقاظت الهمبا أي (المانجو) بالمعنى نفسه، وتشير الكلمة إلى أن موسم الحر شديد هذه السنة، لذلك كانت الناس تهرب من القيظ إلى المناطق الجافة التي تشتهر بمياه العيون أو الأفلاج. وتصاحب الاستعدادات لرحلة المقيظ أجواء سعادة وفرح من الجميع، خصوصاً الأطفال، ويتم الاتفاق مع الكري (صاحب ومؤجر الإبل)، على موعد ومسار الرحلة قبل الموعد بفترة كافية، غالباً أسبوع. وفي المقيظ كانت ليالي القيظ وأمسياته الساهرة يقضيها الناس بين المزارع وأشجار النخيل، حيث النسمات الباردة والسماء الصافية، وكانت من أفضل الأوقات التي كان يستمتع بها الناس. وكان معظمهم يفضل القيام بعمله من سقي الزرع أو عمل الأفلاج في الصباح الباكر أو في المساء لاعتدال الجو، بينما كانت تخصص فترة الظهيرة ووقت اشتداد حرارة الشمس للراحة. ومن الناحية الاجتماعية، كان المقيظ فرصة مهمة للتعارف بين الناس، حيث تلتقي العائلات من مناطق مختلفة من الحضر والمناطق الساحلية والمناطق الجبلية والصحراوية، وتتجمع لتنشأ بينها علاقات جديدة، وتبادل الأخبار. أما الاستعداد للعودة من المقيظ فكان يلقي بطابع من الحزن على هذه العائلات لأنها ستتفرق من جديد. أرقام وأحداث 8 كانت رحلة الحليل لأهل أبوظبي القادمين للعين تستغرق ثمانية أيام، يقطعونها فوق ظهور الإبل. 3 كانت فترة المقيظ تمتد لثلاثة أشهر تقضيها النساء والاطفال في الواحات والمناطق التي تضم مزارع، ويقضيها الرجال في البحر لصيد اللؤلؤ. 30 لم تكن الكريان تتحرك بصورة فردية، ولكن في قوافل تجمع ما بين 20 إلى 30 جملاً، توخياً للسلامة وطلباً للصحبة. %5 لم تكن نسبة من يبقى في أبوظبي من سكانها طوال العام تزيد عن 5% فقط من إجمالي تعداد السكان على الأكثر، وذلك بسبب نقص المياه العذبة وسوء الظروف المعيشية.
مشاركة :