ترجمات شكسبير في النصف الأول من القرن العشرين

  • 5/23/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

كانت المسرحيات المؤلفة شعراً في العقود الثلاثة الأولى من القرن العشرين نادرة ومتناثرة، أما المسرحيات الشكسبيرية المعربة شعراً فقد كانت شبه معدومة، باستثناء ترجمة محمد عفت الشعرية لمسرحية مكبث، التي ظهرت عام 1911، وهنا يقول د. رمسيس عوض في كتابه شكسبير في مصر: بعد أن توافرت على دراسة هذه الترجمة أستطيع أن أقرر أن المثالب التي تشوبها شيء يكاد لا يذكر، إلى جانب ما تتحلى به من محاسن. استطاع محمد عفت أن ينقل هذه التراجيديا الشكسبيرية في قالب رصين من الشعر العربي المقفى والموزون، وبذلك يكون المترجم قد فرض على نفسه قيوداً كان النص الأصلي يسمح له بالتخفف منها، فشكسبير يستخدم الشعر المرسل في أجواء كثيرة من مسرحياته نظراً لما يوفره مثل هذا الشعر للكاتب المسرحي من حرية الحركة، ومن ثم فقد كان بوسع محمد عفت أن يفعل نفس الشيء، ولكن الشعر المرسل لم يكن معروفاً آنذاك، ولهذا اختار المعرب لنفسه طريقاً أكثر وعورة فاحتفظ في تعريبه ببحور الخليل بن أحمد، كما يؤسفني أن محمد عفت لم يترك لنا سوى ترجمتين، هما مكبث، وترجمة أخرى للعاصفة بعنوان زوبعة البحر. ليس أدل على اهتمام المصريين البالغ بأدب شكسبير المسرحي من أنهم اختلفوا فيما بينهم منذ مطلع القرن العشرين على أحسن أسلوب لترجمته، فمنهم من تحمس لأسلوب أحمد زكي أبو شادي في ترجمة العاصفة مثل إسماعيل مظهر وأحمد الشايب ومحمد عبدالغني حسن، وهو أسلوب ينهض على محافظة المترجم ما وسعته المحافظة على لغة المؤلف، بما تشتمل عليه من صور واستعارات وتراكيب أجنبية قد تبدو غريبة على القارئ العربي دون أن يبدل أو يغير فيها، وإذا غمضت عبارة المؤلف تولى المترجم شرحها، وبطبيعة الحال فإن مثل هذه الترجمة أقرب إلى القراءة منها إلى خشبة المسرح، وبطبيعة الحال كذلك عارض البعض اتباع هذه الطريقة في الترجمة على أساس أن ترجمة المعنى أهم من ترجمة اللفظ، وأن استخدام المترجم للأساليب والتراكيب العربية الأصلية من شأنه أن يقرب العمل الفني من أذهان قراء العربية وأذواقهم. من أهم ما كتب في هذا الشأن ذلك المقال الذي نشره إبراهيم عبدالقادر المازني بعنوان ترجمة شكسبير في جريدة السياسة بتاريخ 13 أغسطس/آب 1928 وفيه يتناول بالنقد والتحليل ترجمة محمد حمدي لمسرحية يوليوس قصير، ثم هناك مقال آخر للمازني منشور في جريدة الأخبار بتاريخ 14 إبريل/نيسان 1922 ويدور حول ترجمة خليل مطران لمسرحية تاجر البندقية يبدأ المازني مقاله الثاني بقوله إن أعظم شعراء العالم مدين لمن سبقوا، والطبيعة تأبى إلا أن تجعل أعظم الشعراء أكبرهم دينا، وهي لا تسمح بالعظمة للفرد إلا مستخلصة من قوى الجماعة، لا يستثنى من ذلك شكسبير نفسه. يعيب المازني على ترجمة مطران لتاجر البندقيةإخفاقها في الاقتراب من لغة شكسبير الشعرية واكتفاء صاحبها بترجمتها نثراً، ويرى أنه من الضروري أن تكون هناك ترجمتان إحداهما نثرية تتوافر فيها الدقة والأمانة، والأخرى شعرية تقترب من روح شكسبير الشعرية، يقول:لكن هنا معضلة يجدر بكل ذي رأي أن يفكر في حلها خدمة للغة العربية نفسها، ذلك أن روايات شكسبير كلها شعر، وليس فيها من النثر إلا صفحات معدودات يجريها على ألسنة أشخاص من حين إلى حين، لغرض مفهوم وعلة واضحة، لكن مطران أسبغ على رواية تاجر البندقية حلة من النثر كستها من فاتحتها إلى ختامها، ما عدا بضعة عشر بيتاً، وحل بهذه الطريقة مشكلة نراها نحن أعوص وأشد تعقيداً من أن تحل على هذا الوجه. ويناقش المازني في السياسة بتاريخ 13 أغسطس 1928 ترجمة محمد حمدي، ناظر مدرسة التجارة العليا وأستاذ الترجمة بمدرسة المعلمين العليا سابقاً لمسرحية يوليوس قيصر، ورغم اعتراف المازني بإتقان محمد حمدي اللغتين الإنجليزية والعربية، إلا أنه يعيب على الترجمة بوجه عام، عجزها عن نقل روح المؤلف، وهو عيب يرجع إلى الترجمة ولا يرجع إلى القائم بها، ومن ثم فإن قراءة العمل الفني في أصله متعة لا تستطيع الترجمة مهما بلغ إتقانها أن تحققها، يقول المازني في هذا الشأن: إني أقرأ شكسبير كما كتب ولا أخطئ شيئاً من مزاياه وخصائصه التي رفعته هذا المكان وأفردته فيه، أما العربية فليس فيها إلا القصة والحبكة وأسلوب التناول لموضوعه.. أما شكسبير الشاعر فليس هنا ولا أثر له. وقد عبر إسماعيل مظهر وأحمد الشايب عن آرائهما في كيفية ترجمة شكسبير، وذلك في معرض حديثهما عن ترجمة الدكتور أحمد زكي أبو شادي لمسرحية العاصفة، وسوف يتضح لنا في هذا العرض أن مفهوم كل منهما عن الترجمة يختلف عن مفهوم الآخر، نشر إسماعيل مظهر مقالاً بعنوان العاصفة: كيف نترجم شكسبير؟ في جريدة المقطم بتاريخ 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1929 أعادت مجلة المقتطف نشره بتاريخ 1 ديسمبر/كانون الأول 1929، يقول إسماعيل مظهر: إن ترجمة شكسبير إلى اللغة العربية مجازفة أقدم عليها البعض من الكتاب فأوسعوا في شكسبير مسخاً حتى كتبوا في خيالهم روايات نسبوها إلى شكسبير، وأظهروا على المسارح شخصيات بينها وبين شخصيات شكسبير من البعد بقدر ما بين الأرض السفلى والسماء العليا. ويتناول إسماعيل مظهر الطرق المختلفة لترجمة شكسبير فيقول: وقد اختلف الأدباء وإن شئت قل المتأدبين أو طالبي الأدب على الطريقة التي يجب أن يترجم بها شكسبير فقال البعض بضرورة التصرف في المعنى مع التصرف في اللفظ، ويتبع هذا بالضرورة التصرف في الأمثال المضروبة والتعبيرات التي لم يضعها شكسبير في مواضعها تلك إلا عن ضرورة إما معنوية وإما لغوية، وقال البعض بضرورة النقل الأمين للمعاني التي رمى إليها شكسبير مع الوصف في الألفاظ، وقال أبو شادي بضرورة النقل الأمين مع المحافظة بقدر المستطاع على الألفاظ بما يقابلها في العربية. ويرى إسماعيل مظهر أن كلتا الطريقتين في الترجمة خطأ: ولا ضرورة لأن نبين وجه الخطأ في الطريقتين الأوليين، فقد جرى بعض المترجمين على انتحال أمثال عربية فقالوا مثلاً (لا ناقة لي فيها ولا جمل)، و(الصيف ضيعت اللبن)، مع أن شكسبير وغيره من الكتاب لم يعرفوا الناقة ولا الجمل، ولا كيف تضيع في الصيف اللبن، لأن هذه الأمثال منحوتة من تجارب محلية اختصت بها طبيعة البلاد التي قيلت فيها. يمتدح إسماعيل مظهر طريقة أحمد زكي أبو شادي في ترجمة العاصفة لأمانتها، ويرى فيها أمثل الطرق، لأنها تعتمد على غوص المترجم في باطن الحقيقة دون الاكتفاء بنقل الظاهر أو العرض، فضلاً عن أن التوفيق حالف أحمد زكي أبو شادي، لأنه لم ينظر إلى أدب شكسبير على أنه أجزاء متفرقة، ولكن باعتباره وحدة لا تتجزأ، يقول إسماعيل مظهر في ثنائه على ترجمة أبي شادي للعاصفة: لقد قام أبو شادي بأكبر خدمة للآداب العربية بأن أظهر شكسبير، كما هو بمعانيه وتعبيراته، وهي تعبيرات قد نراها لأول مرة غير متسقة مع السياق والسليقة العربية القحة، ولكنها على أية حال تعبيرات شكسبير في العربية كما هي في الإنجليزية، وهكذا يجب أن ينقل شكسبير. ونشرت مجلة المقتطف بتاريخ 1 ديسمبر/كانون الأول 1929 رأي أحمد الشايب في ترجمة الدكتور أحمد زكي أبو شادي لمسرحية العاصفة، ورغم الثناء الذي يكيله لأسلوب أبي شادي في الترجمة فإن ثناءه يحمل في طياته إيماءات بالنقد والتقريع، فالشايب يعلي من شأن هذه الترجمة، ليس باعتبارها عملاً أدبياً يحتذى، لكن باعتبارها نموذجاً لما ينبغي أن تكون عليه الترجمة المدرسية، يقول الشايب: يظهر لي أن المترجم تحرى صالح الطلبة كثيراً حتى جعل الترجمة صورة مطابقة للأصل الإنجليزي من حيث المفردات والأساليب إلى درجة أوشكت أن تصير بها ترجمة حرفية لهذه الرواية ومن قرأها، فكأنه يقرأ الأصل الذي كتبه شكسبير نفسه.

مشاركة :