بهاء طاهر: التاريخ زاد الروائي

  • 5/23/2016
  • 00:00
  • 29
  • 0
  • 0
news-picture

يناير/كانون الثاني الماضي، أتم الكاتب بهاء طاهر عامه ال81، والآن تجده في منزله بحي الزمالك وسط العاصمة المصرية القاهرة، يحيا وزوجه عيشة هادئة بين القراءة والترجمات، وزيارة متقطعة من أصدقائه يفرح ويستأنس بها لدرجة تجعله يؤكد عليهم تكرار الزيارة في وقت لاحق، على أن يكون قريباً، فالرجل تجده كريماً في بيته، يعرف عادات أهل الجنوب، وهو واحد منهم، ويفخر بأصله، لكون جذوره تمتد لمحافظة الأقصر بصعيد مصر، وتحديداً بقرية الكرنك، التي ولد ونشأ فيها والداه. ولد بهاء طاهر، 13 يناير/كانون الثاني 1935 بمحافظة الجيزة لعائلة من الصعيد ترجع أصولها إلى الأقصر، وكان والده أزهرياً متعلماً والأم ربة منزل، ودرس مراحل التعليم الابتدائي والإعدادي في مدينة الجيزة، وبعدها حصل على الثانوية العامة 1952، والتحق بكلية الآداب ليحصل على شهادة البكالوريوس في تخصص التاريخ عام 1956، وفي نفس العام نال دبلومي الدراسات العليا في الإعلام والتاريخ الحديث. شهد بهاء طاهر التعليم في ظل الملكية، وكان دخوله الجامعة مصاحباً لأولى سنوات ثورة 1952 التي سمحت له نتيجة لتفوقه أن ينتظم فيها مجاناً، ويروي طاهر في شهادته عن ولعه بالتاريخ منذ طفولته، والتحاقه حين كان تلميذاً بالجمعية التاريخية بمدرسة السعيدية، التي على حد تعبيره لم تعد موجودة بالمدارس، رغم أهميتها وتصميمه منذ سن صغيرة على دراسة التاريخ بجامعة القاهرة، في الوقت الذي كان أصدقاؤه يتكالبون على دراسة الآداب الأجنبية: كنت أومِنُ بأن دراسة التاريخ هي الزاد الأساسي لمن يريد أن يدرس الآداب ويكتب الرواية. يتذكر طاهر: كانت كلية الآداب في ذلك الوقت، ليست مجرد كلية لتخريج المدرسين، لكن بؤرة التجمع الثقافي والأدبي للشباب الذين كانوا يطمحون في أن يكون لهم دور في الحياة الثقافية. وعن أهم تكريم حصل عليه، يحكي بهاء طاهر: يعود لسنوات الطفولة، ذلك اليوم البعيد في مدرسة الجيزة الابتدائية، حين وقف ناظر المدرسة يلقي في الإذاعة المدرسية المهم من البيانات، ويحيط به ضابطا المدرسة المكلفان بالحرص على الضبط والربط وإنزال العقاب بالتلميذ المخطئ، ونادى اسم التلميذ بهاء طاهر، فارتعد قلبي، وتوقعت أن يكون هناك عقاب ما، ولم أستجب مباشرة حتى رضخت وذهبت لملاقاة الناظر، فإذا به يستقبلني بوجه بشوش وابتسامة عريضة، ويعلن قائلاً للتلاميذ: زميلكم حصل على الدرجة النهائية في امتحان الفترة الأولى عن القصة التي كتبها. ويحكي أن أول مظاهرة خرج فيها كانت عام 1948 من أجل فلسطين، وضد الصهيونية، وقتها كان عمره 13 عاماً، وكان في السنة الثانية الثانوية في مدرسة السعيدية ويتذكر: كان التلاميذ يخرجون في المظاهرات من سنة أولى، وكانت المظاهرة تبدأ بهتاف: يسقط الطلبة الجبناء، ثم يتجمعون في حوش المدرسة، ويبدأ الداعي للمظاهرة يخطب فيهم، وكثيراً ما كانت تحدث مشاجرات بينه وبين الإخوان، وقتها ما كانش فيه غير الإخوان والوفد واليسار شوية والطوائف الأخرى قليلة، وكانت بلوكات النظام عساكر غلابة جداً يمسكون عصياناً ومعهم درع صاج، لو زقيتوا يطبق، تحاصر السعيدية والجامعة حين تخرج مظاهرة، وكنا نُضرب، لكن الضرب كان مثل أكل الزبيب. كان طاهر في البداية مترجماً في الهيئة العامة للاستعلامات، ثم انتقل للعمل مخرجاً للدراما ومذيعاً في البرنامج الثاني الثقافي في الإذاعة المصرية، الذي كان أحد مؤسسيه عام 1968، واستمر بالعمل هناك 18 عاماً، وكان مخرجاً للدراما ومذيعاً، وامتدت فترة العمل من 1957 حتى عام 1975، ويرى أن هذه التجربة أفادته كثيراً في حياته، حتى صدر قرار بمنعه من الكتابة، ووقتها ترك مصر، وانتقل للعمل مترجماً في عدد من الدول الإفريقية والآسيوية، ورحل إلى جنيف بسويسرا عام 1981، وعمل في مجال الترجمة كموظف في الأمم المتحدة، حتى عاد إلى مصر في نهاية التسعينات، بعد إحالته إلى التقاعد. ظهرت أولى المجموعات القصصية التي تحمل اسم بهاء طاهر عام 1972 بعنوان الخطوبة، وقدّم بعدها أعمالاً روائية وقصصية في شكل دراما إذاعية، وكتب السيناريو، وهي التجربة التي استثمرها في قصصه ورواياته، وخاصة تقنية الحوار الذي أجاده، وأصبح عنصراً أساسياً في أعماله، ممّا سمح للقارئ بالاقتراب من شخصيات أعماله، وكأنه يُشاهدهم، لكن بسبب المنع والتضييق لم تظهر مجموعته الثانية بالأمس حلمت بك إلا عام 1984، ثم كتب أولى رواياته شرق النخيل، ثم قالت ضحى عام 1985، وتوالت أعماله القصصية والروائية بعد ذلك، وظهرت أغلب أعماله الروائية والأدبية في سن متأخرة نوعًا ما، واعتبره بعض النقاد مؤسس تيار الوعي في الرواية المصرية، ورأى آخرون أنه روائي بنكهة سويسرية، باعتبار أن أهم مراحل الإبداع لديه كان في سويسرا، وعاب عليه نقاد قلة إنتاجه الأدبي. وفي النقد والدراسات له مؤلفات عدة منها كتاب 10 مسرحيات مصرية.. عرض ونقد، وأبناء رفاعة؛ وترجم أعمالاً أدبية منها عمل يوجين أونيل فاصل غريب، الذي ظهر عام 1970، ورواية الخيميائي لباولو كويلو تحت عنوان ساحر الصحراء عام 1996، وتُرجمت بعض أعماله إلى العديد من اللغات، وخاصة روايته خالتي صفية والدير، التي نالت شهرة عالمية، وترجمت إلى معظم اللغات المعروفة، والحب في المنفى للإنجليزية ومعها قالت ضحى، أما واحة الغروب فتمت ترجمتها للإنجليزية والنرويجية واليونانية. تفاعل طاهر بشكل إيجابي مع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 على غرار عدد من الأدباء والكتاب، حتى إنه مع اندلاع ثورة يناير/كانون الثاني رد جائزة مبارك للآداب، التي كان حصل عليها عام 2009، قائلاً: إنه لا يستطيع أن يحملها وقد أراق نظام مبارك دماء المصريين الشرفاء، كما نال جوائز عديدة منها جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1998، وجائزة جوزيبي أكيربي الإيطالية عن خالتي صفية والدير عام 2000، وجائزة آلزياتور الإيطالية عن الحب في المنفى عام 2008، والجائزة العالمية للرواية العربية عن واحة الغروب. وعبر عن مخاوفه من التيار الإسلامي الذي ظهر بقوة في الحراك الثوري، وبدأ في الإعراب عن مخاوفه بشكل علني، ثم عارض حكم الرئيس الأسبق، محمد مرسي، وشارك في الاعتصام الذي دعا إليه الروائي صنع الله إبراهيم في مكتب وزير الثقافة الأسبق، علاء عبد العزيز، في حكومة هشام قنديل خلال رئاسة مرسي؛ احتجاجاً على محاولات أخونة الدولة، والتغلغل في القطاع الثقافي، وذلك قبل تظاهرة 30 يونيو/حزيران 2013 وما تلاها من قرارات في بيان 3 يوليو/تموز. لم ينسَ الأديب الكبير زوجته، سنتفيكا أنا ستا سوفا، فالأخيرة دائماً يقول عنها، إنها الحب والغرام، ورئيس جمهورية منزله، ولو سألتها عن كل أموره الحياتية تجيبك، المواعيد، الزيارات، الندوات، حتى عصاه الصغيرة التي يتوكّأ عليها. ومن زوجته إلى شبح الموت الذي لا يطيقه: أخاف الموت طبعاً، كلنا يخاف من شبح الموت، لكن يرافقني دائماً إيماني بأنه لن يصيبني إلا ما كتبه الله، وفي النهاية لا حيلة لي أمام هذه الحقيقة. وبخصوص علاقته بكرة القدم قال مبتسماً: لا أحب الكرة، لكن أنا أشجع النادي الأهلي!!، ربما بالفطرة أو لأني عضو بالنادي نفسه منذ 30 عاماً، ومن أولى القصص في حياتي، قصة اسمها المظاهرة نشرت في سبعينات القرن الماضي، وكانت عن كرة القدم، وقلت رأيي في هذه النقطة بكل صراحة، أنا لا أحب الكرة ولا أتابع الدوري المحلي أو الدوريات الأجنبية. أما الموسيقى فقال عنها: أعشق الكلاسيكية منها، وأستمع لها بشكل دائم وأساسي، وأتذكر أني كنت أذهب في شبابي إلى مكتبة الفن في شارع قصر النيل، وأكتب للمسؤول عن المكتبة في ورقة صغيرة اسم المقطوعة التي أريد أن أسمعها أولاً، وبعدها أجلس أقرأ كتباً فنية وأنا أستمع للمقطوعة وسط تماثيل محمود مختار، كما أجلس بجوار الراديو مساء كل يوم؛ للاستماع لحفلة الست أم كلثوم، على إذاعة الأغاني الساعة 11 مساء، فأنا من عشاقها ولا يمضي يومي دونها أبداً، فضلاً عن الاستماع إلى مقطوعات فرقة الموسيقى العربية، وملوك التواشيح والتلاوة، وأحب الشيخ محمد رفعت والمنشد ياسين التهامي.

مشاركة :