لم أستطع أن ألملم أحزاني، أو أخفي أدمعاً غصت بها عيناي عمن حولي، وأنا أتلقى بعيد صلاة عشاء مساء 4 8 1437هـ خبر وفاة المذيع اللامع، وأحد أهرامات الإعلام في بلادنا ماجد الشبل «رحمة الله عليه»، حتى أني شعرت بأن حزني لفقده «لن تسعه الأرض الليلة»، وكما قيل «وكل مصيبات الزمان وجدتها * سوى فرقة الأحباب هينة الخطب». فلم يكن ماجد مذيعاً فحسب؛ بل كان أديباً مثقفاً وشاعراً عذباً، لطالما أمتعنا ببرامجه الشعرية كبرنامج «همس النسيم» الذي لا تزال قنواتٌ تحتفي باسترجاع بثه، فتعيدنا لتذكر الزمن الجميل لعمالقة العمل الإعلامي، وبرنامج «شاعر وقصيدة» الذي كان يقدم فيه ماجد اختيارات من أجمل عيون الشعر العربي الفصيح في بدايات عام 1403هـ إن لم تخن الذاكرة، لقد كان ماجد أحد الأسماء الرائدة في ميدان الإعلام مع نخبة من أمثال بدر كريم وغالب كامل، وسليمان العيسى ومحمد الشعلان، ومحمد الرشيد، وزامَلَه فيما بعد حامد الغامدي، وسبأ باهبري وغيرهم، حتى عام 1420هـ حين أوقف المرض مسيرة ذهبية لإعلامي مميز، ولن ننسى لماجد تلك المقاطع الصوتية «لبرامج الأدعية والفواصل» أو إطلالته عبر برنامج المسابقات الثقافية «حروف» الذي كان يجذبنا للجلوس أمام التلفزيون أيام كنا صغاراً أثناء عرضه في شهر رمضان، كم كان يمتعنا بسلامة اللغة، وحلاوة الصوت وقوته، وهو يقرأ نشرات الأخبار، سواء عبر التلفزيون السعودي، أو عبر أثير إذاعة الرياض، ماجد الشبل مذيع ينتمي لجيل خالد من زمن المذيعين الذهبيين الذين يصعب تكرارهم، ولهذا فقد ارتبطنا به ونحن لم نلتقِ به، ولا نعرفه إلا من خلال الإذاعة أو التلفزيون كمتلقين؛ إلا أن عطاءاته وإبداعاته وبراعة حضوره الإعلامي، وما كان يقدمه عبر إذاعة الرياض، أو التلفزيون السعودي من برامج ثقافية، رغم تواضع الإمكانات التقنية، وصعوبة البدايات في الميدان الإعلامي «منحتنا محبته، وزادتنا شغفاً لمتابعته»، فحينما ألمّت به أوجاع المرض -علم الله- لكنت أحسب أني أنا الموجوع بالتعب، فلم يغب عن ذاكرتي، وكنت أعتاد زيارة «اليوتيوب» لشغفي باستعادة البرامج الصوتية له، والاستمتاع بتلك الفخامة في اللغة، والفصاحة في الإلقاء، والعذوبة في الصوت، فهو «مدرسة» تعلمنا فيها كمستمعين ومشاهدين كثيراً، حتى من خلال تفاعله مع الأحداث والأخبار وهو يقرأها، كنا نحس في نبرة صوته صورة الخبر، ونقرأ تفاصيل الحدث في ملامح وجهه، لاشك في أن الموت حق على البشر، مهما طالت بهم الأعمار، وأُعطُوا فسحات من العمر والسنوات، لكن يظل الموت أليماً على النفوس حينما تفارق من تحب، فرحم الله أبا راكان المذيع الذي عشقته، وتتلمذت على صوته وبرامجه، سأذكره كلما رددت «العين بعد فراقها الوطنا.. لا ساكناً ألفَتْ ولا سكنا»، وكلما أنشدت «أضحى التنائي بديلاً عن تدانينا»، ما يجعلني الليلة أبكيه في ساعات وداعه، وسأظل أذكره كلما تجددت بي الأيام والسنوات ما دمت على أديم الأرض «فكلنا على سفر» فالرجال الذين لهم بصمات إيجابية في حياتي، ستبقيهم أحياء في الذاكرة، وإن غادروا الحياة.
مشاركة :