لم تحدد الإدارة الأميركية، التي أوكلت مهمة «تحرير» مدينة الرقة من تنظيم داعش لـ«قوات سوريا الديمقراطية»، حتى الساعة الموعد النهائي لانطلاق المعركة، علما بأن الحشود الكبيرة التي أصبحت على تخوم المدينة توحي باقتراب ساعة الصفر. ويبدو أن التنسيق الأميركي - الكردي لمحاربة التنظيم في الشمال السوري بلغ مستويات غير مسبوقة في ظل الزيارات المكثفة لجنرالات أميركيين إلى المنطقة، بالتزامن مع اجتماعات يعقدها مسؤولون أكراد في واشنطن وبالتحديد في البيت الأبيض، في مشهد غير مألوف، بات يستفز قوات المعارضة السورية التي لم تعد تتردد بالحديث عن مثلث النظام - «داعش» - حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يتفق، برأيها، على أولوية محاربة الجيش الحر. وإن كان النظام السوري يرى بالمخطط الأميركي الجديد والقاضي بـ«تحرير الرقة»، تلويحا بالخطة «ب» التي ستكون بديلا عن الحل السياسي المتعثر وتمهيدا لإنشاء قواعد أميركية ثابتة في الشمال السوري، فالقوات الكردية من جهتها، لا تبدو متحمسة على الإطلاق بالتوجه للمعركة المذكورة، من منطلق تمسكها بأولوية «تحرير» منبج وجرابلس وربط عفرين بكوباني، لكنها تجد نفسها مضطرة إلى الرضوخ للقرار والأولويات الأميركية، وهي كثفت في الساعات القليلة الماضية استعداداتها حاشدة آلاف المقاتلين الأكراد والعرب المنضوين تحت لواء «قوات سوريا الديمقراطية» والتابعين لـ«جيش الثوار» و«الصناديد». وفيما نقلت وكالة «آكي» الإيطالية عن ناشط ميداني في مدينة الرقة قوله إن أكراد سوريا حشدوا نحو 12 ألف مقاتل حول المدينة استعدادا لدخولها بتنسيق وتغطية من قوات التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة، قال إدريس نعسان، المسؤول الكردي السوري، لـ«الشرق الأوسط»: «إن المقاتلين المحتشدين حول الرقة بـ(الآلاف)، وقد يكون عددهم أكثر أو أقل بقليل من 12 ألف مقاتل»، لافتا إلى أنه «حتى الساعة لم يتم تحديد ساعة الصفر لاقتحام المدينة، إلا أن الموعد لن يكون بعيدا». وإذ أكَّد نعسان أن «أولوية الأكراد وكثيرا من القوات العربية المقاتلة بإطار (قوات سوريا الديمقراطية)، لا تزال تحرير منبج وجرابلس وإقفال الممر مع الحدود التركية الذي يؤمن استقدام التنظيم للتعزيزات، كما يشكل طريقا مفتوحا لعشرات المقاتلين الأجانب»، أوضح أن الرقة «تبقى عاصمة التنظيم ومركز ثقله، وبالتالي تحريرها سيوجه له ضربة قاضية تطيح بمعنويات عناصره». وبحسب أبو محمد الرقاوي، الناشط في مجموعة «الرقة تذبح بصمت»، فالحشود موجودة حقيقة في عين عيسى، لكنها قد لا تصل إلى حدود الـ12 ألف مقاتل، لافتا إلى «معطيات تفيد بخطة تقضي بشن هجمات متزامنة على 3 جبهات، الأولى باتجاه أطراف دير الزور، الثانية من عين عيسى نحو الرقة، والثالثة من كوباني باتجاه ريف حلب الشرقي». وقال الرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: «لا يمكن تأكيد هذا المخطط لكن ما نؤكده أن معركة الرقة التي يعملون على أن تشارك قوات عربية في الصفوف الأمامية فيها، لن تكون سهلة، باعتبار أن المدينة محصنة تماما منذ عامين، وهي ذات أهمية كبيرة لـ(داعش)». ولا يتوقع الأكراد أي مشاركة عملية لقوات أميركية برية بالمعارك المقبلة في الرقة على الرغم من تكثيف الوجود العسكري الأميركي في منطقة شمال سوريا، وتخطي عدد الخبراء الأميركيين في المنطقة الـ200. بحسب مسؤول كردي، قال لـ«الشرق الأوسط»: «إن مهمة هؤلاء تنحصر بتدريب القوات المحلية ومساعدتها في وضع الاستراتيجيات اللازمة»، لافتا إلى أن «هؤلاء يتوزعون على كامل مناطق سيطرة (قوات سوريا الديمقراطية)، وبالتحديد على التخوم الشرقية للفرات حتى حدود الرقة، أي على مقاطعتي الجزيرة وكوباني»، على حد تعبيره. وبحسب مجموعة «الرقة تذبح بصمت» فإن ما يقارب 25 عنصرا من الجيش الأميركي موجودون في مدينة عين عيسى شمال الرقة يشرفون على تدريب المقاتلين الأكراد من وحدات حماية الشعب، بالإضافة إلى إدارة حركة الطيران الحربي في المنطقة والعمليات العسكرية التي تجري هناك. وتنقل المجموعة عن أحد الناشطين الموجودين في المنطقة المذكورة قوله: «لأول مرة نشاهد جنودا أميركيين في مدينة عين عيسى وبالريف القريب منها مدججين بالأسلحة يرافقهم مقاتلو YPG، ويقومون بالإشراف على المعسكرات التي أنشئت لتدريب المقاتلين فيها، وكذلك إدارة غرفة العمليات». وأوضحت «الرقة تُذبح بصمت» أن «القوات الأميركية عززت وجودها داخل معمل (لافارج للإسمنت) الواقع بالقرب من قرية خراب عشق، الذي بدأ يتحول إلى قاعدة عسكرية، حيث يحوي على مركز لتدريب المقاتلين، وكذلك تقوم مروحيات بدوريات في المنطقة الشمالية ليلا وبشكل يومي وتحط داخله». ولم تقتصر الحركة الأميركية أخيرا على الزيارة التي قام بها قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط الجنرال جوي فوتيل لسوريا السبت، إذ كشف نواف خليل، رئيس المركز الكردي للدراسات، لـ«الشرق الأوسط» عن زيارة أخرى سبقت زيارة فوتيل بيومين، قام بها بريت ماكغورك، المبعوث الخاص للرئيس الأميركي لدى التحالف ضد «داعش»، إلى مناطق سيطرة الأكراد شمال سوريا، لافتا إلى أن هذه الزيارات تزامنت مع اجتماعات رفيعة المستوى عقدتها الرئيسة مشتركة لمجلس «سوريا الديمقراطية» إلهام أحمد وممثلة «الإدارة الذاتية» في أوروبا سينم في واشنطن وبالتحديد في البيت الأبيض. ويرد خليل على اتهامات المعارضة بسعي الأكراد لـ«احتلال» الرقة وفرض إدارتهم الذاتية، مؤكدا أن «قوات سوريا الديمقراطية لن تفرض شيئا على أهالي الرقة وستساعدهم على تشكيل هيئات وإدارات خاصة بهم لإدارة شؤونهم، على أن تبقى هي تشكل الحزام الاستراتيجي لحماية المدينة». بالمقابل، يبدو القيادي في الجيش العقيد عيد الجبار العكيدي متشائما من التحرك الأميركي - الكردي المستجد باتجاه الرقة، مشددا على أن «قوات سوريا الديمقراطية جزء لا يتجزأ من حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي نعده إرهابيا، وبالتالي فالرقة تستعد لاستبدال إرهاب (داعش)، الذراع اليمنى للأميركي، بإرهاب الـYPG، الذراع اليسرى لواشنطن». وقال العكيدي لـ«الشرق الأوسط»: «معركتنا في ريف حلب الشمالي مستمرة منذ العام 2014 لكننا وللأسف نواجه ومن دون أي دعم أو مساندة تُذكر المثلث القوي المتمثل بالنظام السوري و(داعش) والـYPG الذي لا يتردد بمقاتلتنا، فيما ينسحب أعضاؤه لبعضهم البعض في مناطق سيطرتهم تنفيذا لأجندة محددة».
مشاركة :