ضرورة «الرقص مع الذئاب»

  • 5/25/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يحمل فيلم «الرقص مع الذئاب»، للممثل والمخرج كيفين كوستنر، الحائز على سبع جوائز «أوسكار»، ثيمةً خاصة في السينما الأميركية، فهذا الفيلم الشجاع الجريء يمثل ثورة في طبيعة التفكير الأميركي تجاه النظرة للآخر، خصوصا بالنسبة للأعداء والخصوم، وهم هنا السكان الأصليون (الهنود الحمر) الذين استهدفهم المستوطن الأبيض في أرضهم وتراثهم الحضاري، وحتى في وجودهم الإنساني. كذلك فإن هذا الفيلم يقدم طريقة جديدة في حل الصراعات المستحكمة بطرق غير تقليدية، تبدأ بالخروج من أسر المفاهيم المعلبة والأحكام المسبقة عن الآخرين، حتى لو كانوا خصوما أو أعداء. ويمثل الفيلم حالة نادرة لأن السينما الأميركية إحدى أدوات الحرب، تعمل على تبشيع صورة الخصم وتحطيمها وتشويهها. وتدور أحداث الفيلم إبان حرب الشّمال والجنوب، التي عرفت بالحرب الأهلية الأميركية واستمرت بين عامي ١٨٦١ و١٨٦٥. في تلك الحرب، يبدي أحد المقاتلين شجاعة نادرة، فيتم مكافأته بإرساله للحماية في حصن يشرف على أراضي الهنود الحمر، المصنفين باعتبارهم أعداء للمستوطنين الجدد، لكن هذا الملازم يجد الحصن فارغا من السرية المكلفة بحمايته، فقد فروا جميعا خوفا من جيرانهم أبناء القبائل الهندية، لكنه يبقى صامدا، وعوضا عن أن يقبع في الحصن يحرس أوهامه وتصوراته المسبقة عن جيرانه الهنود، قام بكسر القاعدة عبر التواصل معهم، هنا يظهرهم الفيلم بشكل إنساني يتسمون بصفات نبيلة وشجاعة، خلافا لما دأبت عليه السينما الأميركية في رسم صورة نمطية للآخرين. كما تبرز هنا قضية الهنود الحمر بشكلها الطبيعي المجرد باعتبارهم أمة من الناس ارتبطت بالأرض ودافعت عنها، حتى لو لم يفهم المستوطنون البيض القيمة المعنوية لتلك الأرض لدى أصحابها. كانت السينما تتعمد إظهار الهنود الحمر بصورة همجية يتسمون بالوحشية والبدائية من أجل تقديم مبرر أخلاقي لسلب حقوقهم وحرمانهم منها، لكن هذا الفيلم كان مثيرا بسبب موضوعيته والتزامه المهني، حتى الملازم الشجاع تعرض للتخوين من قيادته بسبب تواصله مع الخصوم، ومحاولة بناء الثقة معهم. هناك علاقات سيئة بين أمم وشعوب وجماعات (تعفنت)، وأصبحت نشازا في السلوك الإنساني دُونَ أن تجد «ملازما» شجاعا يخرج من حصنه المسكون بالخرافات ليجرب أسلوبا مختلفا عدا عن رمي السهام، وإحراز الأذى، والتمادي في تحطيم وتشويه الصورة، وقطع سبل التواصل. غالبا، فإن النزعة التقليدية تتجه للتعاطي مع الخلافات مهما كانت درجتها أو نوعها بأسلوب واحد، هو المغالبة والمغالاة في استخدام القوة، كوسيلة لتحقيق النصر على المخالفين، وهي لا تفرق بين الخصومة والعداوة، ولا بين المحلي والخارجي، لذلك فالصراعات تأخذ عمرا طويلا، أطول من أعمار أبطالها، بل إنها ترتوي بدمائهم وتستعر بأحقادهم. يموت الرجال، وتفنى الأملاك، وتبقى الكراهية تعشعش كغراب البين فوق خرائبهم. كل النزاعات مهما صغرت تجد من ينفخ فيها، ويشعلها، ويركب موجتها، لكنها قل أن تجد رجلا شجاعا يقدم حلولا جريئة غير تقليدية لاحتوائها، أو على الأقل تنظيمها لمنع استفحالها، والسيطرة عليها أو إطفائها، نحن بحاجة لمبادرات من هذا النوع كضرورة لحفظ السلم الاجتماعي وصيانة البلدان، ومنع الحرائق أجدى من إطفائها.

مشاركة :