انتهى المؤتمر الطارئ لحزب «العدالة والتنمية» الى النتيجة المتوقعة. وأذكر في معرض الكلام أن مؤتمرات الأحزاب التركية، والأحزاب اليمينية تحديداً، لم تعد مسرح تنافس سياسي وسجال فكري ونقاش جدي، بل تحولت إلى مؤتمرات بروباغندا زائفة تتملق القائد وتروّج له وتثير حماسة شعبية. ولم تكن مؤتمرات الأحزاب على هذه الحال في عهد مندريس وديمريل وأجاويد، بل كانت منبر نقاش وتنافس سياسي، وكانت مشرعة على انتقاد الزعيم والترشيح الحر والانتخاب الحقيقي. بيد أن قانون الأحزاب السياسية وقانون الانتخابات ساهما في تحويل مؤتمرات الأحزاب الى ساحة بروباغندا. وهذا مؤشر إلى تراجع الديموقراطية في تركيا وتقهقرها. وكشف مؤتمر حزب «العدالة والتنمية» أموراً ورسائل مهمة، على رغم أن نتيجته كانت معروفة سلفاً: اختيار بن علي يلدرم لزعامته. وصار جلياً أن أردوغان شدد قبضته على الحزب وآليات عمله، وأمسك بمفاصله ومقاليده. ومن اللافت ان الحضور استمع الى كلمة أردوغان التي أرسل منها نسخة مكتوبة وهم واقفون طوال وقت إلقاء الكلمة، وأن اردوغان لم يوصف بالقائد المؤسس للحزب، كما حصل في المؤتمرات السابقة، بل وصف بأنه القائد الخالد لحزب «العدالة والتنمية» وقيل إنه سيبقى القائد لهذا الحزب مهما طال الزمن. وزعيم الحزب الجديد بن علي يلدرم قال الأمر نفسه تقريباً، في كلمته، كما أكد ضرورة تحول النظام البرلماني في تركيا الى نظام رئاسي. وفي قائمة اللجنة التنفيذية الجديدة للحزب، يلاحظ تراجع أسماء المؤسسين الأوائل الذين تناقص عددهم مع الوقت، وحلت محلهم أسماء غير معروفة. والصورة تتضح اكثر وتجلو حين يبلغنا أن أول اجتماع للحكومة الجديدة سيكون في القصر الرئاسي وتحت إشراف أردوغان، وهذا ما أعلنه الرئيس بنفسه. وأبرز ما في المؤتمر هذا هو تغريد أحمد داود أوغلو، الزعيم الذي ودع «العدالة والتنمية»، خارج السرب، وكلامه عن أردوغان بصفته رئيساً للجمهورية ومؤسساً للحزب فحسب. ولم يكرر داود اوغلو عبارة الزعيم الخالد أو القائد الأبدي، ولم يتناول بكلمة واحدة النظام الرئاسي، بل تحدث اكثر من مرة عن أهمية صَوغ دستور جديد يؤسس للحريات والعدالة في البلاد. والأهم هو وصفه حزب «العدالة والتنمية» بأنه مرآة وسطية الشعب التركي واعتداله. فهو حزب وسطي وليس حزب زمرة او شلة. وكرر أنه اضطر للانسحاب من رئاسة الوزراء على رغم أنه قام بواجبه على أحسن وجه وتقدير، وأضاف «انا أعرف مدى الاستياء الذي سببه ذلك (الاضطرار للتنحي) في ضمائر محبي حزب العدالة والتنمية». وأوضح أنه أقدم على هذه الخطوة من أجل الحفاظ على وحدة الحزب. وحذّر رئيس الوزراء المتنحي من «وقوع الحزب (العدالة والتنمية) في وهم القوة المطلقة والقدرة المطلقة، فيخون من ائتمنوه على الحكم». وختم: «ليس بيننا أبداً من لا يمكن الاستغناء عنه في السياسة». كلمات داود أوغلو هذه ستدخل التاريخ، ولن تخلّف أثراً في القريب العاجل، إذا أدرك الحزب الحاكم معانيها وأخذ بنصائحها وصحح سياساته. وإذ ذاك تدخل عالم النسيان. لكن اذا بقي الوضع على حاله من السوء أو تدهور، لن ينسى الجميع كلمات داود، كما تذكّر الأتراك في السابق كلمات بولنت أرينش. وأعتقد بأن داود أوغلو الأكاديمي قال هذا الكلام في المؤتمر لأنه على يقين من أن الأتراك لن ينســـوه (الكلام)، وسيتذكرونه في القريب العاجل. * كاتب قومي، عن «حرييات» التركية، 23/5/2016، إعداد يوسف الشريف
مشاركة :