صندوق باندورا الذي يهم بفتحه الكونجرس الأميركي

  • 5/27/2016
  • 00:00
  • 90
  • 0
  • 0
news-picture

المملكة بذلت خلال العقود الأربعة الماضية نحو 110 مليارات ريال مساعدات للإنسانية جمعاء دون تمييز أو تفرقة، وأصبحنا أكثر الدول نجاحا في محاربة الإرهاب الذي يصدِّره بعض الذين يسعى الغرب لكسب ودهم أثار مشروع القرار الذي مرره مجلس الشيوخ الأميركي مجددا بالسماح بتوجيه طلبات التعويض من المملكة لذوي ضحايا حادثة 11سبتمبر جدلا واسعا محليا وعالميا، والمستغرب أن الدولة التي تعرضت خلال الـ12شهرا الفائتة لنحو 30 اعتداء إرهابيا بمعدل "هجوم كل 9 أيام" تُقدم من خلال مشروع مسيس كهذا لتكون في قفص الاتهام، ويدينها بالمسؤولية عن أحدث الحادي عشر من سبتمبر 2001. إن نظرة سريعة للمحتوى القانوني لمشروع القرار توضح بجلاء أنه لا يعدو أن يكون حلقة من السجال الانتخابي الذي تشهده الولايات المتحدة الأميركية، على خلفية الانتخابات الداخلية للحزبين الجمهوري والديمقراطي، واقتراب انتخابات الرئاسة المزمع تنظيمها في نوفمبر المقبل. القرار من الناحية القانونية يفتح أبواب الجحيم على مصراعيه في مواجهة الولايات المتحدة، إذا جاز التعبير، فالقاعدة التي تقول إن التعامل بالمثل تعني أن بمقدور الدول الأخرى أن ترفع دعاوى قضائية في المحاكم الأميركية على مسؤولين أميركيين لا يزال غالبيتهم يتولون مناصب حكومية ودستورية، بتهم ارتكاب أعمال ضد الإنسانية، قد تصل بعضها إلى توصيفها ضمن الجرائم الموجهة ضد الإنسانية، فالقرار الذي يعني ببساطة رفع حصانة الدول ومسؤوليها، لن يستثني المسؤولين الأميركيين الذين لاحقتهم تهم عديدة، لاسيما في العراق وفيتنام، وما فظائع سجن أبي غريب ببعيدة عن الأذهان، ويتيح لفيتنام الاقتصاص من الجنود الأميركيين الذين أحرقوا قرى بكاملها، لمجرد الاشتباه في وجود مسلحين بداخلها، وربما يصل الأمر بعائلات مئات الآلاف من اليابانيين إلى مقاضاة الولايات المتحدة التي أسقطت عليهم قنبلتين نوويتين في أغسطس 1945 إلى رفع دعاوى تعويض ضخمة، قد لا تستطيع الآلات الحاسبة معرفة الأرقام الناتجة عنها. إذن ووفق الوصف الذي أطلقه مشرعون أميركيون فإن مشروع القانون يعني ببساطة، فتح "صندوق باندورا"، الذي تقول الأساطير الإغريقية القديمة إنه صندوق يتضمن كل شرور البشرية، من جشع، وغرور، وافتراء، وكذب وحسد. من العلامات الأخرى لوهن القانون وضعفه، ما أعلنه في وقت سابق، رئيسا لجنة التحقيق الأميركية الرسمية بشأن الهجمات، توم كين ولي هاملتون، من عدم وجود ما يثبت تورط المملكة في تلك الهجمات، وهو تقرير رسمي حكومي، نشرت نتائجه على الملأ، رغم ما قيل في وقت سابق عن وجود 28 صفحة تم حجبها من التقرير، بذريعة "احتوائها على معلومات سرية تمس بالأمن القومي الأميركي"، وهنا نستحضر سؤالا بديهيا: متى كان القانون يتعامل بالأدلة السرية، وكيف يحكم قاض في قضية حُجبت عنه بعض حيثياتها وتفاصيلها؟ وحتى إذا تم تمرير القانون، وسلمنا – جدلا – أن بعض عائلات ضحايا الأحداث رفعت دعاوى ضد المملكة، فمن الذي يفتي بأن القضاء الأميركي سيقبل بها أو يحكم بعدالتها؟ مما سبق يتبين أن القضية تعرضت لتضخيم شديد، بعضه بدوافع الغيرة على البلاد، والخوف على مصالحها، وبعضه الآخر لدوافع وغايات خاصة. الجانب الآخر الذي كان يستدعي تسليط الضوء عليه، ووضعه في دائرة البحث هو غياب الصوت المدافع عن المملكة في الخارج، وتحديدا في دول الغرب والدول الكبرى، في ظل تزايد النظرة السالبة لنا، وارتفاع بعض الأصوات التي لا تريد غير إدانتنا ونسب كل الشرور لنا. ونظرة بسيطة إلى حيثيات ما حدث داخل مجلس الشيوخ تؤكد صواب ما قلته، إذ صوَّت المجلس بالإجماع لصالح تمرير القرار، وكان يكفي وجود اعتراض وحيد من المجلس لإسقاط القرار، وهذا ما لم يحدث للأسف، وهنا يبرز سؤال آخر: ألهذه الدرجة نحن مستهدفون؟ لماذا نفشل في الدفاع عن حقنا في حين ينجح الآخرون في تبرير باطلهم؟ ولماذا نعجز عن إظهار صورتنا المشرقة، بينما يتمكن غيرنا من تبرير سوادهم ومظالمهم؟ لماذا يخفت صوتنا ولا يكاد يبين، في الوقت الذي يرتفع عواؤهم وضجيجهم الفارغ من كل مضمون؟ نحن أكثر الدول إسهاما في المجالات الإنسانية، باعتراف الأمم المتحدة وبلغة الأرقام التي أعلن عنها وزير الخارجية عادل الجبير منذ أيام في تركيا، حين أعلن أن المملكة بذلت خلال العقود الأربعة الماضية نحو 110 مليار ريال كمساعدات إنسانية كثالث بلد في العالم لناحية البذل والعطاء للإنسانية جمعاء دون تمييز أو تفرقة، وباتت المملكة أكثر الدول نجاحا في محاربة الإرهاب الذي يصدِّره بعض الذين يسعى الغرب لكسب ودهم. ونحن الذين ندعم استقرار الاقتصاد العالمي، في الوقت الذي بإمكاننا البحث عن مصالحنا وإحداث هزة في العالم عبر رفع أسعار النفط. والمملكة هي الدولة صاحبة السياسة الخارجية المتزنة، التي لا تعرف المهاترات ولا تتبع السبل الملتوية، مما جعلها تحتل مكانة مرموقة، على مستوى محيطها الإقليمي أو الدولي. ونحن الذين نملك من الإيجابيات ما لا تكفي آلاف الصفحات لتبيانه. ولكن.. ألا يكفي كل هذا كي يكون لنا صوت عال مسموع. لا أريد الانسياق وراء نظريات المؤامرة، وتعليق الإخفاقات على مشجب الاستهداف، ونسبها للآخرين – رغم التسليم بذلك – لكن من لا يملك القدرة على إظهار وجهه المشرق، وتأكيد عدالة قضيته وسلامة موقفه، لا يستطيع توجيه اللوم للآخرين إذا ما نسبوا إليه الأكاذيب، وسعوا إلى تشويه صورته. ولأننا قوم تعلمنا ألا نأكل إلا بأيدينا، وألا ننتظر من الآخر التفضل علينا، ينبغي أن نبادر إلى تقديم أنفسنا بالصورة المثلى، وأن نبذل مزيدا من الاهتمام للتعريف بدولتنا ومجتمعنا وعدالة قضايانا، وأن نركز على مخاطبة الآخر بلغته، واستخدام أدواته، فالإعلام دبلوماسية شعبية، يملك من التأثير ما لا تملكه بعض القيادات التنفيذية، وله سلطة على صُنَّاع القرار في الدول الغربية. بإمكاننا الوصول إلى الهدف، بقليل من التنسيق، وتوحيد الجهود، ورص الصفوف، وأن نضع إستراتيجية واضحة لتحقيق ذلك، فلا تنقصنا الكفاءات الإعلامية البارزة، ولا يعوزنا المال لتحقيق هذا الهدف، ولكن ما نحتاجه بشدة هو تحديد الأولويات، وتنسيق الجهود، ووضع خطة عملية تمكننا من الوصول إلى هذا الهدف.

مشاركة :