فتى «كان» المدلل يدخل الكلاسيكية من بوابة الموت

  • 5/27/2016
  • 00:00
  • 23
  • 0
  • 0
news-picture

على رغم أنه يعتبر عادة الفتى المدلّل لمهرجان «كان» كما لغيره من المهرجانات السينمائية التي اكتشفته واكتشفت سينماه المميزة وهو بعد خارج لتوه من سن المراهقة، فإن قلة فقط توقعت بعد العرض الأول لفيلم الكندي كزافييه دولان الجديد «فقط نهاية العالم» في اليوم الثامن للمهرجان، أن يخرج بجائزة كبيرة. في المرة السابقة كان دولان – على عكس ما ذكرنا خطأ في رسالة سابقة عن «كان» – فاز بجائزة النقاد عن رائعته «مامي» شراكة مع جان – لوك غودار... ومرات عديدة قبل ذلك كانت سينماه قد أدهشت حين عرضت أفلامها في تظاهرات «كانية» متنوعة مثل «نظرة ما» و «أسبوع النقاد»... ومن هنا كان فيلمه الجديد منتظراً، ربما أكثر من أي فيلم آخر. وكان منتظراً فيه أن يواصل تجريبيته الشكلية ومواضيعه المتمردة التي صنعت قيمته كسينمائي مجدد، يشتغل على حكاياته الخاصة ويعطي لنفسه حرية قصوى في التعبير وبخاصة في التشكيل. يوم عرض «مامي» قبل عامين كان السؤال: إلى أية حدود يمكن دولان أن يصل في لغته السينمائية؟ وكان من المتوقع للجواب أن يأتي مع «فقط نهاية العالم». لكن «فقط نهاية العالم» أتى شيئا آخر تماماً.. ومن هنا كانت الصدمة التي أصابت هواة سينما هذا الفتي الكيبيكي الذهبي الذي اعتاد أن يلعب بالسينما كما يلعب فتية وول ستريت الذهبيون بالبورصة. قال أحدهم: «لا يبدو هذا فيلماً لدولان!» ولم يكن القائل مخطئاً تماماً. ذلك أن صاحب «لورانس كيفما كان الأمر» و «قتلت أمي» بدا هذه المرة كلاسيكيا أكثر من أي وقت مضى... بل بدا مخضعاً لغته السينمائية إلى ضرورات لعبة التمثيل التي استعان فيها بخمسة من كبار نجوم السينما الفرنسيين ليؤدوا أدوارهم على مستوى شديد الارتفاع. مستوى كان من الواضح أن المخرج وممثليه يلجأون إليه كي يخلصوا السيناريو من بعده المسرحي كهمّ أول لديهم. والحال أن دولان اقتبس موضوعه هذه المرة من مسرحية معروفة للكاتب لاغارس تكاد تكون «أوتوبيوغرافية» تتحدث عن كاتب يعود إلى بلدته وأهله بعد غياب، بل انقطاع دزينة من الأعوام وغايته أن يخبرهم أنه يعيش آخر أيامه وقد يحب أن يمضي هذه الأيام بينهم. وهؤلاء الأهل ليسوا كثراً على أية حال: هناك الأم الغائصة في عوالمها، والأخت التي نضجت خلال سنوات الغياب، والأخ الأكبر وزوجته التي كان تزوجها خلال غياب الأخ العائد. ومن هنا ما الفيلم في عالم العائلة المغلق، سوى لعبة حكي متواصلة تستعاد فيها الذكريات والمآسي الماضية، وسط محاولات متكررة يبذلها الكاتب المحتضر لإعلان النبأ المقابري الذي أتى به إلى هنا. من هنا، تلعب الثرثرة في الفيلم دوراً أساسياً سيبدو، ظاهرياً، وكأنه يسير على الطريقة الفرنسية في تلك الأفلام التي لا ينتهي فيها الكلام. ولكن لا... الثرثرة هنا في فيلم دولان عنصر أساسي من عناصر الفيلم. ليست هنا ثرثرة مجانية، بل فعل همّه أن يغطي عجز المحتضر عن قول الجملة الوحيدة التي جاء أصلاً ليقولها. وعجز العائلة عن تقبل الجملة نفسها... وبالفعل سوف ينتهي الفيلم من دون أن يعلن بطلنا نبأه غير السعيد فيما هو يحمل حقيبته ويخرج. وحدها زوجة الأخ الغريبة أصلاً عن العائلة فهمت الأمر منذ البداية. بل إنها تطرح السؤال عليه واضحاً حول كم من الوقت بقي لديه للعيش. لا يجيبها بل إنه في المشهد الأخير وهو يودع عائلته وينظر إليها، يضع إصبعه على شفتيه طالباً منه بتلك الحركة ألا تقول شيئاً قبل أن يبتعد وسط تلك الموسيقى الرائعة التي وضعها للفيلم غابريال يارد المؤلف اللبناني الذي جعل الموسيقى هنا جزءاً عضوياً من لغة الفيلم وسياقه. إذاً، في لعبة الحوار هذه وفي لعبة المسكوت عنه في الحوار، كمنت قوة «فقط نهاية العالم» وانتماؤه إلى سينما كزافييه دولان المميّزة. ومن الواضح أن لجنة التحكيم أدركت تماماً ما سهى عنه بعض جمهور متفرجي الفيلم، ناهيك بأنها أدركت أن توجه دولان نحو كلاسيكية جديدة، والتركيز على لعبتي التمثيل داخل مكان مغلق، والصراع العائلي عبر الحوار، ولا سيما بين الأخ الأكبر وبقية العائلة – مشتملاً على تعنيفه غير المبرر لزوجته، اللهم إلا إذا فهمنا تصرفاته على أنها رد فعل متواصل للنبأ الذي يتوقعه من أخيه لكنه لا يريد سماعه. ومن هنا كانت لجنة التحكيم مصيبة في منح هذا الفيلم العنيف والتجديدي في مجال استخدام الحوار، الجائزة الكبرى التي تعتبر عادة ثاني أهم جائزة في المهرجان.

مشاركة :