سألني أحدهم عن المال الذي يستقطع من راتب الموظف كل شهر ويدخر له حتى نهاية خدمته أو حتى حصوله على التقاعد، وعندئذ يقال له: مبلغ نهاية خدمتك كذا ولك هذا المبلغ خالصاً لك، وقال لي بعد ذلك: هل عليه زكاة يؤديها عن هذا المال؟ أقول: إن هذا المال الذي سميناه نهاية الخدمة لا شك أنه حق مالي للموظف ويستحقه في نهاية خدمته، ولهذا المال صورتان كما تصوره الفقهاء: 1- أن يستقطع جزء من راتبه شهرياً ويدخر له ثم لا يدري عنه شيئاً، وهذا المبلغ هو ليس كل مكافأة نهاية الخدمة، بل هو من مال الموظف الذي حبس عنه والجزء الآخر الذي تدفعه له الوزارة أو المؤسسة هو المكمل للمال الذي سميناه مكافأة نهاية الخدمة. 2- أن تكافئ الشركة أو المؤسسة الموظف في نهاية خدمته من غير أن تستقطع منه شيئاً، فتعطيه فور انتهاء فترة عمله في الشركة. ويقول الفقهاء رحمهم الله بأن الحكم يختلف باختلاف هذا المال الذي تكونت منه مكافأة نهاية الخدمة. ففي الحالة الأولى يستقطع جزء من مال الموظف الخاص، فبدلاً من أن يتسلمه شهرياً يحبس عنه فلا يستطيع أن يتصرف فيه كالدين الموجود في ذمة الآخرين. وفي الحالة الثانية لم يستقطع من مال الموظف، ومن ثم ليس له شيء في ذمة الشركة من راتبه المخصص له شهرياً، لكن الشركة تكافئه في نهاية فترة عمله. ففي الحالة الأولى يقول الشافعية بأنه يجب عليه أن يزكي عن الجزء الذي يستقطع من راتبه لأنه ملك له وإذا بلغ النصاب وجبت فيه الزكاة. يقول الخطيب الشربيني في كتاب الإقناع ج 1 ص 212: تجب في مغصوب وضال ومجحود وغائب - وإن تعذر أخذه - ومملوك بعقد قبل قبضه لأنها ملكت ملكاً تاماً. لكن فقهاء المالكية قالوا: بأن هذا المال المستقطع لا يزكى عنه شهرياً بل عن عام واحد عند قبضه. يقول الدردير في الشرح الكبير ج1 ص 475: أو كان الدين قرضاً ولو على مليء فلا يقومه التجارة فإن قبضه زكاه لعام واحد. وأفتت لجنة الإفتاء في الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف في أبوظبي بمثل هذه الفتوى أيضاً عندما قالت: نهاية الخدمة حق مالي يوجبه القانون أو العقد للعامل أو الموظف، ولا زكاة فيها لما مضى من الأعوام لعدم تحقق الملك التام، شأنها شأن مهر الزوجة الذي يؤجل إلى اقتراب الأجلين غالباً. فهو حق في ذمة الزوج للزوجة، ولكنها لا تزكي عنه، فإذا تسلمته استقبلت به سنة جديدة، واستدلوا بقول الإمام مالك في المدونة: تستقبل المرأة بصداقها حولاً من يوم تقبضه كان عيناً أو ماشية مضمونة وكذلك على دنانير معينة وإن قبضتها بعد أحوال لأنه كان فائدة وضمانها من الزوج. ونستخلص من هذا أن مكافأة نهاية الخدمة إذا كانت مالاً مستقطعاً من راتبه أو خليطاً من جزء من راتبه وجزء آخر دفعته إليه الشركة، فإنه لا يزكي عنها إلا بعد القبض وحولان الحول عند المالكية. نعم.. هذا المال الذي سميناه نهاية الخدمة هو المسمى عند الفقهاء بالمال الغائب الذي لا تضمن أنك تتسلمه أو لا تتسلمه، فمنهم من اعتبره جزءاً من مالك تدفع عنه الزكاة عند نهاية العام قياساً على مالك الذي تحت يدك، ومنهم من قال: تزكي عنه لعام واحد إذا تسلمته. ولعل قول المالكية أيسر على الناس، وفي هذه الأيام تملك أنت عقارات للبيع تقيمها في نهاية العام ضمن عروض التجارة ثم تخرج ربع العشر من الموجود تحت يدك من الرقم الإجمالي للثمن، ويمكن أن تملك قطعة أرض لم تنو في البداية أن تبيعها أو تملك بنايات فتزكي أنت عن ريعها، لكن لو بعت الأرض أو البناية فأنت تزكي عنها عن عام واحد.
مشاركة :