مكمن السعادة - د.محمد بن عبدالرحمن البشر

  • 5/27/2016
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

الاقتصاد هو رمز رخاء الدول, وهو العجلة المحركة للحياة العملية, وهو منبع التناغم بين البشر, ولم يكن البشر قط في غابر الأيام وحاضرها في غنى عنه, وهو في بعض الأحوال مصدر السلم والحرب, بين الأمم, وداخل الأمة الواحدة, وسيكون كذلك طالما أن الإنسان يعيش على ظهر هذه البسيطة. لكنه وإن كان كذلك, فليس بالضرورة أن يكون المضفي على الخلق إشباع الذات من السعادة, وإبعادها عن الشقاء والتعاسة, فهو أحد وسائل الركوب لبلوغ تلك الغاية غير أنه ليس محققها في ذاته. هناك شعوب ترى السعادة في العمل الدؤوب والإنجاز, لكنها لا تنظر إلى سعة المسكن, أو قضاء العطل في الفنادق الراقية, والأجنحة الفاخرة, كما أنها لا ترى في ركوب السيارات الفارهة متعة زائدة. وشعوب أخرى تعمل بشكل جاد, لكنها تخلط بين العمل وشيء من استغلال الوقت المناسب في الترفيه عن النفس والوصول إلى السعادة من خلال ذلك, وهي بهذا لا تفرط في المتعة على حساب العمل, كما أنها وإن كانت قادرة على دفع المال للبشر ببذخ وإسراف, إلا أنها تتصرف بشكل مقبول. وشعوب أخرى تعطى الراحة أولوية والمتعة غاية, مع شيء من العمل المنتج في أوقات كافية, وترى المقاهي تعج بعدد غير قليل منهم في أوقات المساء, كما هي حال الجنوب الأوروبي. وهناك شعوب أخرى لديها من المال الكثير, وتساهم في الاقتصاد بدرجة مقبولة, وفيها عدد لا بأس به يمكنه الابداع والمساهمة الفعالة في الاقتصاد, ويكون منتجاً متى ما أتيحت له الفرصة. وهي تصل إلى السعادة بطرق متفاوتة ولعل أغلبها التواصل الاجتماعي مع الأصدقاء والأقارب في أماكن بسيطة على قدر المتاح, وربما تقضي كثيراً من وقتها في مثل هذه اللقاءات, وهي تشغل نفسها بالحديث عن السياسة والرياضة وشيء آخر فطري في بني البشر, ولا تمل من ذلك وتكرره تباعاً. وتنفق مالها إن قل أو كثر في الترفيه عن النفس, والكرم, والصرف فوق الطاقة من كثير ممن لا يسعفهم الحال, وفوق الحاجة من الكثير ممن لديهم المال, وهذا ديدنهم في زمان فقرهم, وحاضر غناهم, هكذا جبلوا, في صرفهم, ونمط عيشهم, وطريقة حياتهم. شعوب أخرى رأت في الراحة جل سعادتها, وآخر مبتغاها, رغم فاقتها, وشديد حاجتها, لكنها لا تقوى على غير ذلك, ليس لنقص في القوى الجسمانية, ولا القدرات العقلية لكنها عادة غلبت, أو مفازة سلكت, ليس لها حدود, وليس دونها قيود.وكثيراً ما أتساءل, عن ذلك السر الدفين, في اختيار هذا النهج أو ذلك, ولم أجد حتى الساعة له جواباً شافياً, ولا قولاً مفيداً كافياً, وأعلم أنه لم يطب الحال لكثير من الباحثين في الحقل الاجتماعي المعنيين بهذا الموضوع, دون الوصول الى طريقة يحفزون بها من بالغ في الراحة طلباً للسعادة, ومن بالغ في العمل طلباً لذات السعادة. فكل يسعى إلى هدف وإن اختلف الرأي , وتباينت الأساليب, لكن سعادة العمل أجدر لأنها تحمل مع هذه السعادة تدفق المنتجات التي أبدعتها عقولهم, لينعم بذلك كثير من خلق الله, فيهنأ بها من نال المال, لكن قد يصاب بها من جاوز الحد, واستخدم ما أنتجته تلك العقول من أدوات غير مفيدة كالأسلحة وغيرها. العقول نعمة, وهي متساوية في الخلق, لكن الفرق في مكان استخدامها, وطريقة توظيفها, ونيل مقصدها, وأخيراً فإن السعادة تبقى أسيرة قول الشاعر: ولست أرى السعادة جمع مال ولكن التقي هو السعيد

مشاركة :