اقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مطلع الأسبوع الماضي نقل الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مناطق أكثر أمانا مثل الأردن ومصر، في خطوة مفاجئة يرى خبراء أردنيون، أنها قد تشكل "خطرا" على أمن واستقرار واقتصاد المملكة لكنها "لن تنجح أبدا" لأن الشعوب "ليست دمى بلاستيكية ينقلها حيث يشاء". ومع رفض الأردن لخطة ترامب، حذر الخبراء من تداعيات محتملة، خاصة إقتصادية على المملكة رغم قيام العلاقات مع واشنطن على المصالح المتبادلة وامتلاك عمان أوراق ضغط يمكن أن تستخدمها لمواجهة أي مخططات. وبعد نحو أسبوع من سريان وقف إطلاق النار بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل في 19 يناير الجاري، اقترح ترامب نقل الفلسطينيين من قطاع غزة إلى الأردن ومصر. وقال الرئيس الأمريكي، وفق تقارير، إنه ناقش مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني مسألة نقل سكان من غزة إلى دول مجاورة. وتابع "تحدثت مع الملك عبد الله بشأن نقل سكان من غزة إلى دول مجاورة، طلبت منه استقبال المزيد من الأشخاص لأن الوضع في غزة فوضوي للغاية، وأريد أيضا أن تستقبل مصر أشخاصا، وسأتحدث مع الرئيس عبد الفتاح السيسي". ورغم إعلان الأردن ومصر بشكل واضح رفضهما "تهجير" الفلسطينيين من القطاع، كرر ترامب الخميس التأكيد على أن مصر والأردن ستقبلان باستقبال النازحين من غزة. -- ما الهدف من مقترح ترامب وقال نقيب الصحفيين الأردنيين السابق طارق المومني لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن تصريحات ترامب تأتي في خضم مطالبة اليمين الإسرائيلي المتطرف والخرافات التلمودية الساعية إلى جعل إسرائيل "دولة يهودية خالية من الفلسطينيين أصحاب الأرض". وأضاف المومني أن الأردن الذي استوعب موجات متكررة من اللاجئين لم يعد بمقدوره استيعاب أي موجات جديدة تهدد التركيبة السكانية، فضلًا عن الضغط على موارده الطبيعية القليلة ومعاناته من شح في المياه. ويتفق الكاتب في صحيفة ((الغد)) الأردنية ماهر ابو طير مع المومني، إذ يرى "أن مخططات تهجير الفلسطينيين لن تقف عند حدود قطاع غزة ولا الضفة الغربية بل ستمتد إلى فلسطين المحتلة، التي قامت عليها إسرائيل عام 1948". وقال المومني "إن الهدف النهائي هو التخلص من سبعة ملايين فلسطيني يعيشون في كل فلسطين التاريخية". وخلال الحرب في قطاع غزة التي تواصلت على مدار أكثر من 15 شهرا أعلن الأردن مرارا رفضه لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة. لكن ترامب أكد الخميس أن الأردن ومصر ستستقبلان الفلسطينيين من سكان غزة، قائلا في كلمة "فعلنا الكثير من أجلهم، وسيفعلون ما طلبناه"، وهو ما انتقده الكاتب السياسي الأردني محمد الصبيحي. -- ليسوا دمى ووصف الصبيحي، ترامب بأنه "رئيس شركة" لا يجيد التعامل مع حلفاء بلاده، قائلا "هذا الرجل (ترامب) اعتاد في شركاته التجارية أن ينفذ من هم حوله كل طلباته لأنهم يتقاضون رواتبهم من جيبه، وهو بهذا لا يفرق بين إدارة شركاته وإدارة التعامل مع حلفاء بلاده". وأضاف الصبيحي "أن ترامب ينسى أو يتناسى أن مساعدات بلاده إلى الحلفاء مثل الأردن ومصر ليست مجانية، وإنما هي مصلحة استراتيجية أمريكية". وأردف قائلا لترامب "إن بلادك لم تفعل شيئا من أجلنا وإنما من أجل مصالحكم الاستراتيجية السياسية والاقتصادية في المنطقة، ومقابل كل دولار تقدمونه لمصر والأردن فإن شركاتكم تأخذ مليون دولار من المنطقة العربية". وتابع الصبيحي "لن يجوع الأردنيون إن أمسك ترامب يد مساعدات بلاده عنا، ولن تتحمل المنطقة كلها ... أن يكون هنا عشرة ملايين فقير رفضوا الرضوخ لطلبات رئيس شركة يدعى دونالد ترامب". وأكد "أن فكرة نقل الغزيين إلى مصر والأردن لن تنجح أبدا حتى لو هبطت كل الأساطيل الأمريكية على شواطئ غزة، فالشعوب ليست دمى بلاستيكية ينقلها (ترامب) حيث تشاء". وختم الصبيحي قوله إن "ترامب ليس غبيا وحوله دوائر سياسية تعرف جيدا أن أي فوضى في مصر والأردن ستلد ألف حماس وقسام يدقون أبواب تل أبيب". وبعد تصريحات ترامب الأخيرة، أكد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي الأحد الماضي أن رفض بلاده لتهجير الفلسطينيين "ثابت لا يتغير". -- خط أحمر ولطالما حذر الأردن من تهجير الفلسطينيين، خاصة من الضفة الغربية إلى أراضيه، ورفض مرارا فكرة الوطن البديل. وعندما وقع الأردن اتفاقية السلام مع إسرائيل في العام 1994، صرح وقتها رئيس الوزراء الأردني عبدالسلام المجالي أن الأردن دفن فكرة الوطن البديل، إلا أن هذه الفكرة عادت إلى الواجهة مجددا خلال الحرب في قطاع غزة. وقال مدير مركز (الدستور) للدراسات الاقتصادية عوني الداوود "إن التهجير بالنسبة للأردن خط أحمر، وهو من اللاّءات الثلاث التي لطالما أكد عليها العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، ولا زال يؤكد عليها في خطاباته داخل الأردن وخارجها .. فلا للتهجير .. ولا للتوطين ..ولا مساس بالمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس". وأكد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني الأربعاء في بروكسل على موقف بلاده "الراسخ بضرورة تثبيت الفلسطينيين على أرضهم ونيل حقوقهم المشروعة وفقا لحل الدولتين". وقبل أربعة أيام قال رئيس مجلس النواب الأردني أحمد الصفدي "إن الأردن لن يكون وطنا بديلا لأحد". وفي سبتمبر من العام الماضي قال وزير الخارجية الأردني إن أي محاولة لتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية نحو بلاده سينظر لها الأردن على أنها "إعلان حرب" وسيتعامل معها على هذا الأساس. ومع الموقف الأردني الرافض للتهجير هناك خشية من تداعيات محتملة، خاصة على الاقتصاد الأردني، وفق الخبراء. -- تداعيات محتملة على الأردن ويخشى نقيب الصحفيين الأردنيين السابق من أن تنعكس تصريحات ترامب، على الأمن الوطني الأردني واستقراره والأوضاع الاقتصادية الصعبة أصلًا بسبب ما يحدث في الإقليم من تطورات. وقبيل الإعلان عن مقترح ترامب، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية قراراً بوقف جميع المساعدات الخارجية الحالية والجديدة لمدة 90 يوما، لكنها استثنت منذ ذلك مصر وإسرائيل. ويعني هذا الأمر ضمنا أن الأردن مشمول بالقرار الأمريكي. وقال مدير مركز (الدستور) للدراسات الاقتصادية إن الآثار السياسية والاقتصادية والعسكرية ستطفو على السطح إذا ما أصرت إدارة ترامب على قطع المساعدات، حيث يتلقى الأردن أكثر من 1.65 مليار دولار سنويا مساعدات مالية واقتصادية وعسكرية، وقد بنى عليها خططه الاقتصادية والمالية لثلاث سنوات قادمة. وتابع الداوود "أن الاقتصاد الأردني دفع كلفة باهظة تقدر بمئات المليارات من الدولارات بسبب استقباله لموجات لجوء فاقت قدرته لأن الأردن، ومنذ نشأته، تعامل مع اللاجئين أخلاقيا وإنسانيا". وفي ظل الأزمات والنزاعات في المنطقة، يستضيف الأردن نحو 4 ملايين لاجئ من 57 جنسية يمثلون ثلث سكان المملكة، وفق الداوود. من جهته، قال المحلل الاقتصادي رياض القطامين إن وقف المساعدات أو إعادة النظر فيها أو تأجيلها "يشكل خطرًا حقيقيًا على الاقتصاد الأردني وعلى عجلة التنمية ككل لأن الاتكاء في تنفيذ البرامج التنموية كان على المساعدات الأمريكية والأوروبية". وأكد أنه "إذا امتدت العقوبات الأمريكية لمدد إضافية سيكون الأذى على الأردن ضخما". ويعتمد الأردن بشكل كبير على المساعدات الخارجية، بما فيها المساعدات الأمريكية، التي تتوزع على عدة قطاعات إقتصادية وتنموية بجانب المساعدات العسكرية والأمنية. ويتلقى الأردن مساعدات عسكرية أمريكية سنوية تشمل التدريب والأسلحة والذخائر والآليات وقطع الغيار للطائرات، تقدر بأكثر من 400 مليون دولار من إجمالي المساعدات السنوية البالغة نحو 1.65 مليار دولار، بحسب العميد المتقاعد يحيى الملكاوي. وفي حال توقفت هذه المساعدات، كما حدث في أعقاب حرب الخليج الثانية عندما رفض الأردن الانضمام إلى التحالف ضد النظام العراقي، وفق الملكاوي، فإن الأردن سيبحث عن شركاء أوروبيين كي يسد النقص في احتياجات الجيش والأجهزة الأمنية. وقد يكون هذا التوجه نحو شركاء جدد واحدة من أوراق ضغط قد يستخدمها الأردن في مواجهة أي ضغوط. -- أوراق ضغط أردنية وقال الملكاوي "إن لدى الأردن أوراق ضغط على الإدارة الأمريكية، منها إخراج القواعد العسكرية الأمريكية المتمركزة على الأراضي الأردنية، وتعزيز الشراكات مع دول الاتحاد الأوروبي والهند ودول شرق آسيا لسد النقص". واعتبر أن إعلان الاتحاد الأوروبي الأربعاء تخصيص ثلاثة مليارات يورو للأردن على شكل منح وتمويل واستثمارات هو رد مباشر على ما تنوي الولايات المتحدة الأمريكية فعله من قطع المساعدات عن المملكة ورسالة موجهة إلى الإدارة الأمريكية الجديدة. ورأى الملكاوي "أن تعزيز الجبهة الداخلية والمحافظة على الاستقرار الأمني والاجتماعي كفيل بدحر أي مخطط يحاك ضد الأردن". ولدى الأردن فرص كثيرة وخيارات عديدة لكي يبدأ بترتيب البيت الداخلي، وفق الكاتب في صحيفة ((الغد)) الأردنية ماهر ابو طير، معتبرا أنها فرصة لبناء شراكات دولية جديدة وفي مختلف الاتجاهات وفقا لاحتياجاتنا ومصالحنا الوطنية. وأضاف ابو طير أنه "في كل الأحوال لابد أن يقال أمران، أولهما أن ليس كل ما تريده واشنطن وتل أبيب يحدث، وهناك شعب باق على أرضه، ولن يكون ترحيله ممكنا بهذه الطريقة الخيالية (..) إضافة إلى أن المخططات التي تهدد الأردن ومصر وفلسطين ولبنان وربما العراق يجب الوقوف ضدها بكل قوة لأن أزمة الفلسطيني ليست مع شقيقه العربي بل مع الاحتلال الإسرائيلي". وشدد على أن "الوقوف يجب أن يكون جماعيا حتى لا تحدث ثغرات تشجع على تكرار السيناريو في مواقع أخرى في فلسطين، وفي دول عربية أخرى". لكن وفي ظل هذه المخاوف والتحذيرات ثمة من يرى أن العلاقات الأردنية الأمريكية "ليس من السهل انفكاكها". وقال رئيس تحرير موقع (صراحة نيوز) الإخباري ماجد القرعان، في هذا الإطار إن علاقات الأردن مع الولايات المتحدة ليست وليدة الساعة والمفترض أنها قائمة على المصالح المتبادلة. ورأى القرعان أنه بوجه عام وحسب المجريات التاريخية ليس من السهولة انفكاك هذه العلاقات لعوامل عدة سياسية واقتصادية، أبرزها مكانة الدولة الأردنية عالميًا وإقليميًا، بجانب أنها بمثابة العمود الأمني في المنطقة. واعتبر أن من يعتقد أن الأردن دولة ضعيفة وأن تحالفها مع الولايات المتحدة يجعلها "دمية" بأيدي ساستها هو "واهم"، مشيرا إلى أن الأردن سبق أن اتخذ قرارات لا تنسجم مع الإدارة الأمريكية كما حدث في رفضه المشاركة في الحرب على العراق والدخول في الصراع السوري، بجانب مواقفه الثابتة تجاه القضية الفلسطينية. لكنه مع ذلك، أكد ضرورة البدء بإعادة ترتيب البيت الداخلي الأردني "وفقًا لإمكاناتنا ومواردنا ومصالحنا مع مختلف دول العالم"، معتبرا "أن مصلحتنا تتطلب سرعة التشبيك مع أي من الدول وتبادل المنافع". وأوضح القرعان "لدينا الأدوات لهذا الأمر سواء من الجانب العسكري أو الاقتصادي أو السياسي، والذي قد يتطلب إخراج القواعد العسكرية لأية دولة لا ترتبط مصالحها مع مصالحنا السيادية، والانفتاح على الدول المصنعة للأسلحة كروسيا وكوريا الشمالية وغيرها ضمن تحالفات تخدم المصالح المشتركة".
مشاركة :