صدر عن وحدة الدراسات المستقبلية بمكتبة الإسكندرية العدد الثلاثون من سلسلة «مراصد» التي تضم دراسة بعنوان: «السياسة والدين: مسارات مختلفة وسياقات متباينة» تأليف الدكتور عبد السلام طويل، رئيس تحرير مجلة «الإحياء» وأستاذ زائر بكلية الحقوق جامعة محمد الخامس/ السويسي- سلا. ويرى الكاتب أن الطابع المدني للخبرة التاريخية الإسلامية وللإسلام نفسه هو الذي ساعد على تجدره في المجتمع وجعله شديد الارتباط والتماهي مع ما نطلق عليه اليوم المجتمع المدني. ولعل السر في حيوية الإسلام وتجدده التاريخي، رغم كل ما تعرض له من أزمات، تكمن أساسا في طبيعته المدنية، ذلك أن «قدرة العقيدة على أن تستوعب قيم النظام وقيم المقاومة والثورة معا هي الضمانة لاستمرارها، بقدر تأمينها شروط تجديد النظام واستمراره. ويؤكد أن طبيعة العلاقة بين الديني والمدني في التجربة التاريخية الإسلامية طبيعة توافقية، أكثر من ذلك، فإن الارتباط بين المدني والديني، بين الخيالي الرمزي والعقلي يعد بمثابة الأرضية المساعدة على السيطرة الذاتية وتفتح العقلانية التي لا غنى عنها لكل مدنية في إطار رؤية شاملة ومستوعبة. ويرصد الكاتب ثلاثة اتجاهات نظرية ومنهجية كبرى للتعامل مع إشكالية العلاقة بين الدين والسياسة في الفكر العربي المعاصر، الاتجاه الأول ينطلق من مقاربة عقائدية للإشكالية، ويعتبر أن طبيعة العلاقة بين الدين والسياسة محسومة ابتداء، بشكل ناجز، بمقتضى النص الديني على أساس من الوصل المطلق بينهما. وبمقتضى هذه النظرية لا تمثل السلطة حقا مدنيا وسياسيا عاما، وإنما تعكس حقا دينيا لمن يتمتعون بحق الولاية وهم أوصياء النبي والإمام في زمن الغيبة. ومقابل هذه المقاربة العقائدية لإشكالية العلاقة بين الدين والسياسة، من داخل المرجعية الإسلامية، هناك مقولة الفصل التام بين الدين والسياسة كما أسس لها الشيخ علي عبدالرازق. ووعيا بالتباين الشاسع في تقييم أطروحة الرجل بين من ارتقى بها إلى مستوى التأسيس لـ «مقدمات إسلامية للحداثة السياسية.. والتأصيل للنظام المدني» وبين من وصل إلى درجة تكفير الرجل ومحاكمته، من المفيد إبراز حدود العلم والإيديولوجيا في طرح هذه المقولة في سياقيها السياسي والتاريخي. ويضيف الكاتب: «غير أن اتجاه الفصل المطلق بين الدين والسياسة ميز أكثر ما ميز، أنصار المرجعية السياسية الوضعية، وبوجه خاص، دعاة المرجعية الفلسفية العقائدية. تم اختيار أبرز نماذج هذا الاتجاه، من خلال أطروحة عادل ظاهر، التي تم تناولها بالتحليل والنقد بنفس الدرجة التي تم بها انتقاد مقولة الفصل المطلق. ويميل الكاتب إلى المنحى الثالث، الذي ينظر إلى العلاقة بين الدين والسياسية كعلاقة تاريخية محكومة بموازين القوى الفعلية على أرض الواقع.
مشاركة :