مسارات المرحلة المتوسطة في ضوء رؤية المملكة 2030 - أسامة الفريح التميمي

  • 2/7/2025
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

ربما حان الوقت لكسر المفاهيم المحيطة بمسارات العمل المهنية التي يبحث عنها المتعلمون في بدايتهم وخاصة في المرحلة المتوسطة والتي تلبي تطلعاتهم وشغفهم وتتمثَّل في تمكينهم من التخطيط لمستقبلهم المهني وغير التقليدي. حان الوقت لنسمح لطلاب المرحلة المتوسطة اكتشاف اهتماماتهم وتطوير مهاراتهم وتحديد أهدافهم وتحقيق أحلامهم المهنية في النهاية. لقد حان الوقت لكسر التقليد ووصف المرحلة المتوسطة بأنها (عنق الزجاجة) وحسب، ثم نترك عنق الزجاجة والزجاجة كلها بدون حل للمشاكل وتلبية المتطلبات. لم لا نسمح لطلاب المرحلة المتوسطة بالاختيار وفق مسمى المسارات أسوة بمسارات المرحلة الثانوية، أليست المرحلة المتوسطة هي عنق الزجاجة) كما نتحدث منذ زمن طويل، فلم لا يكون هذا العنق مشرئباً ويصل لمرحلة الإبداع والترقي واللا محدود. والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا نترك اختيار المهنة ودخول سوق العمل لما بعد المرحلة الجامعية، فلو نظرنا إلى الدول المتقدمة والتي أحرزت سبقاً في التطوير والتعليم، سنجد أنها اهتمت وشجعت التعليم المهني لطلابها منذ المرحلة المتوسطة، فنجد على سبيل المثال أن الولايات المتحدة الأمريكية في بدايات نهوضها لم يكن يُنظر فيها إلى الجامعة أو الكلية باعتبارها ضرورة لتعزيز مهنة الفرد، أو تلبية الطموحات المهنية، ففي ذلك الوقت في بدايات النهوض، وضعت الحكومة الأمريكية العلوم التطبيقية والمهنية مثل الرياضيات والعلوم، وأي مهنة أخرى تقدم الولايات المتحدة بالمقام الأول على قاعدة الدول المتقدمة مهنياً وصناعياً. واتبعت الحكومة الأمريكية برامج مسارات مهنية تدعم طلابها وتشجعهم، وترفع باهتمامها وتشجيعها عن سالكي هذا المسار الوصمة المحيطة بالبرامج المهنية والمسارات المهنية الأقل متابعة، وشجعت تلك الأجيال على اتباع شغفها، وتطلعها المهني والصناعي، مما أثرى تجربتها التعليمية وساهم في بناء نهضتها العلمية والصناعية كما نراها اليوم. وقد قسمت وزارة التعليم الأمريكية المسارات المهنية إلى المجموعات الست عشرة التالية: (الزراعة والأغذية والموارد الطبيعية، الهندسة المعمارية والبناء، الفنون وتكنولوجيا الصوت والفيديو والاتصالات، الأعمال والإدارة، التعليم والتدريب، التمويل، الحوكمة والإدارة العامة، علوم الصحة، الضيافة والسياحة، الخدمات الإنسانية، تكنولوجيا المعلومات، القانون والسلامة العامة والإصلاح والأمن، التصنيع، التسويق والمبيعات والخدمة، العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، النقل والتوزيع والخدمات اللوجستية). وفي دولة الإمارات تتضمن المرحلة المتوسطة المسار العام المسار المهني (التخصصي) والمسار المتقدم مسار النخبة (برنامج العلوم والرياضيات المتقدم)، وذلك لتأهيل الطلاب وإعدادهم مهنياً وتعليمياً مواكبة لسوق العمل وتطلعاته المستقبلية. وفي المملكة العربية السعودية توجد جهود محلية لتعزيز قدرات الطلاب في المرحلة المتوسطة من خلال برامج وأنشطة إضافية، حيث تسعى بعض المدارس إلى ذلك، فعلى سبيل المثال، تقدّم مدارس مسك برنامجًا تعليميًا يهدف إلى تعزيز قدرة الطلبة على تحمّل مسؤولية عملية تعلّمهم، وتطوير نقاط قوتهم، واستكشاف الخيارات المُتاحة أمامهم للحصول على المزيد من التعليم في سياق المسارات الوظيفية المُحتملة. بالإضافة إلى ذلك، تُنظَّم برامج صيفية للمرحلة المتوسطة تهدف إلى تطوير مهارات الطلاب وإعدادهم للنجاح في العام الدراسي القادم. تقدم هذه البرامج فرصًا لتحسين المهارات الضرورية من خلال أنشطة تفاعلية وجادّة، حيث يتلقى الطلاب تعليمهم يوميًا في مواد مثل فنون اللغة والرياضيات. وبينما لا توجد مسارات تخصصية في المرحلة المتوسطة، تُقدَّم برامج وأنشطة تهدف إلى تطوير مهارات الطلاب وإعدادهم لاختيار المسار المناسب في المرحلة الثانوية القادمة. وعليه فإن فرص التعلّم القائمة على مسارات المرحلة المتوسطة توفر نهجًا علميًا وعمليًا للتعليم، مما يسمح للطلاب باكتساب خبرة واقعية وتطوير المهارات الأساسية بمرحلة كمبكرة لديهم، حيث يمكن أن تتضمن مراحل المسارات فرص التدريب الداخلي، والتدريب المهني، ومراقبة الوظائف، وبرامج التعليم التعاوني، وتسمح للطلاب بالمشاركة في هذه الأنشطة، كما تمكّن الطلاب من استكشاف مسارات مهنية مختلفة، وفهم متطلبات أسواق العمل، واتخاذ قرارات مستنيرة مهنياً بشأن مستقبلهم. ويمكن للمدارس التي تطبق مسارات المرحلة المتوسطة توفير بيئة شاملة وداعمة لطلاب التعليم المهني، والاستفادة من فرص التعلّم القائم على العمل المهني. لقد حان الوقت لكي يتخلى المجتمع عن الفكرة السائدة بأن النجاح يعني الحصول على شهادة جامعية بعد أربع سنوات. ولنعد صياغة النجاح بحيث يعني أن الطلاب يغادرون المدرسة وهم يحملون مجموعة من المهارات التي تجعلهم مؤهلين للنجاح في أي مسار يختارونه. فمن المؤكد أن نجاح الطلاب في المراحل المتقدمة ما بعد التعليم الثانوي والجامعي لا يأتي نتيجة لنوع تعليم جامد، أو جهود معلم أو بعض المعلمين فقط، بل يتطلب الأمر في الواقع جهود العديد من الجهات المعنية لمساعدة الطلاب على تطوير اهتماماتهم، واختيار الميول الدراسية، وتحديد المسارات المناسبة لهم بدءاً من المرحلة المتوسطة، وفي النهاية يمكنهم العثور على وظائف في العالم الحقيقي. وإن تحديد المسارات المقترحة للمرحلة المتوسطة في الحقيقة هي كثيرة الاتجاهات والمجالات، ويصعب حصرها، لتعدد المجالات المهنية وتنوع مجالاتها، وكذلك تنوع تطلعات سوق العمل وتنوع الخبرات التي يحتاج إليها. وكاقتراح مبدئي يمكن تقسيم المسارات في المرحلة المتوسطة إلى عدد من المسارات المهنية المختلفة على سبيل المثال لا الحصر، ويخضع الأمر لدراسة شاملة تتناول التطلعات والآراء لذوي الشأن وأسرهم، ومن هذه المسارات المقترحة التالي: (مسار الفنون الأدائية، إدارة الأعمال التقنية وصيانة أجهزة التقنية والتكنولوجيا والاتصالات، الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الصناعية والهندسية، الخدمات الصحية، الخدمات الإنسانية، الموارد الطبيعية الزراعة، القانون والحقوق، التمويل وإدارة الأموال، علوم الفضاء). وإضافة لما سبق يمكن سرد بعض التفصيلات لبعض المسارات، فعلى سبيل المثال: يعد مسار الفنون والاتصالات مهماً في هذه المرحلة نظراً لتعدد الفرص الوظيفية في هذا المجال والتي تشمل التمثيل السينمائي والتصوير وفنون المسرح، والإعداد الفني والإخراج، ووسائل الاتصالات الحديثة في هذا المجال الحيوي. كما يشتمل مسار الفنون الأدائية على مجالات واسعة من الفنون السينمائية، والموسيقى، والفنون التطبيقية التي تهتم بفنون الإنتاج الحرفي وصناعة المنتجات المعدنية والحلي، والنحت والتشكيل المعماري والترميم، والإعلان والطباعة والنشر، والفوتوغرافيا والسينما والتليفزيون، وفنون الغزل والنسيج والتريكو، وطباعة المنسوجات والصباغة والتجهيز، بالإضافة لفنون تجهز تكنولوجيا الملابس والموضة. ويشتمل مسار صيانة أجهزة التقنية والتكنولوجيا، على فرص واعدة لا يمكن حصرها، فهو من المسارات المهنية الناجحة مهنياً، والتي تشتمل على صيانة وإصلاح الأجهزة الحديثة والمنتشرة بكثرة كالجوالات والكمبيوترات وشاشات التلفاز، وغيرها الكثير. ويشتمل مسار الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الصناعية والهندسية، على أهمية كبيرة ترتبط بأهمية البيانات والذكاء الاصطناعي في تحقيق رؤية السعودية 2030؛ وذلك لارتباط 66 هدفاً من أهداف الرؤية المباشرة وغير المباشرة بالبيانات والذكاء الاصطناعي من أصل 96 هدفاً، حيث تهدف الرؤية الطموحة إلى تحسين صورة المملكة عالمياً، وتحقيق تنمية اقتصادية تعتمد في دخلها على مصادر متنوعة عن طريق دعم القطاعات والصناعات غير النفطية. ويمكن الاستفادة من مسارات الذكاء الاصطناعي في مسار الأدب واللغة الأجنبية من القدرات المذهلة لأدوات ترجمة اللغة بالذكاء الاصطناعي، الذي يحل محل المترجمين البشريين والترجمة الفورية واستبدال المترجمين البشريين بشكل كامل، ويعد هذا الخيار من أفضل الخيارات للطلاب الراغبين في العمل بالذكاء الاصطناعي كمترجم محترف للأدب واللغة الأجنبية، حيث يمكن التخصص في دراسة الأدب واللغة الأجنبية لتعميق المعرفة بالثقافة والتاريخ الأدبي للغة المدروسة، كما يمكن بالذكاء الاصطناعي ضمن مسار اللغات حل صعوبة التعامل مع الفروق الثقافية الدقيقة بين اللغات المختلفة، مما قد يؤدي إلى الفهم والترجمة الدقيقة. وإضافة لما سبق فقد طورت الهيئة الوطنية للأمن السيبراني ما يتعلَّق بالضوابط الأساسية للأمن السيبراني بما يتوافق مع رؤية 2030 وأتاحت مجالات واسعة للتعلّم فيه، فلمَ لا يكون ذلك في مراحل تعليمية مبكرة كالمرحلة المتوسطة؟ وأما مسار الخدمات الصحية، والخدمات الإنسانية، فيهتم بالعلوم الصحية التطبيقية والتي تشمل الصحة البيئية، والمعالجة الفيزيائية، والاهتمام بالعلوم النفسية والإنسانية، وهذا المجال يقدِّم فرصاً وظيفية واعدة ذات مجالات وتشعبات كثيرة يمكن الاستفادة منها لتأمين وظائف واعدة مستقبلاً. وأما مسار الموارد الطبيعية والزراعة، فيعد من المسارات المهمة نظراً للحاجة لتحقيق رؤية المملكة 2030 في تحقيق الأمن الغذائي والأمن المائي، والحماية من الجفاف، ومعرفة وتلافي مسببات جفاف المياه، والاستفادة من المياه الجوفية، والتدوير، وتحقيق المزيد من الأمن البيئي وهو فرص عمل واعدة في مجال يبني الكثير من الفرص المستقبلية الواعدة. وتسعى المملكة العربية السعودية إلى جعل قطاع الزراعة واحداً من القطاعات الحيوية، وتهدف من خلال ذلك إلى تحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي الذي يلبي حاجة السعوديين من المحاصيل الزراعية، وحاجة المصانع السعودية المختلفة إلى مهندسين زراعيين ومن المواد الأولية التي تدخل في الصناعات الغذائية، كما أن قطاع الزراعة في السعودية يعتبر من أهم روافد الاقتصاد الوطني، الأمر الذي جعله ركيزة أساسية من ركائز إستراتيجية رؤية 2030 المستقبلية. كما يشتمل هذا المسار على مجالات تطوير وصيانة الموارد الطبيعية كالحدائق ووسائل النقل، مثل المترو: الذي يعني تطوير أنشطة النقل السككي والبحري والبري بما يوفر بيئة نقل ذات كفاءة وجودة عالية وبكلفة ملائمة، ترتكز على أحدث التقنيات وتعزِّز فرص الاستثمار في صناعة النقل بما يحقق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبما يحقق رؤية المملكة 2030. ويمكن لمسار القانون والشؤون القانونية المرحلة المتوسطة أن يسهم في تدريب الطلاب للتعامل في جميع المراحل مثل الشؤون التعليمية والمدرسية، وهذا المسار يكون له معلمون متخصصون في القانون، أو دبلوم في القانون، وبنفس الوقت يمكن استخدام المعلم المدرب كمحام للطلاب والمعلمين والمدير، ويوجه المدرسة في كل أمورها وشؤونها القانونية. وتأتي أهمية مسار التمويل وإدارة الأموال، من تبني رؤية السعودية 2030 اقتصادًا مزدهرًا ينعم فيه الجميع بفرص متعددة للنجاح، عبر توفير بيئة عمل داعمة للشركات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، والاستثمار في التعليم استعدادًا لوظائف المستقبل، لتوفير مستقبلٍ زاخر للجميع على أرض المملكة، وهذا يتطلب الإعداد له في مراحل مبكرة من التعليم، فلمَ لا يكون بدءاً من المرحلة المتوسطة؟ وأما مسار علم الفضاء فهو يسهم في تنمية القدرات الوطنية في تخصصات الفضاء الواعدة وتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 في مجالات الفضاء. والمساهمة في تعزيز مكانة المملكة دولياً وإسهاماتها في مجال الفضاء. دعم الشراكة وتبادل المعارف والخبرات وذلك بالعمل مع أعرق المؤسسات التعليمية، كما أن الفرص الواعدة التي يقدمها قطاع الفضاء وصناعاته عالمياً تساهم بدورها في الأبحاث التي تصب في صالح خدمة البشرية في عدد من المجالات ذات الأولوية مثل الصحة والاستدامة وجودة التعليم. فمسارات المرحلة المتوسطة -في ضوء رؤية المملكة 2030- تعتبر مكوناً أساسياً في عملية إصلاح التعليم ورفع جودة التعليم وجودة المخرجات التعليمية. وتهتم بتطوير مهارات طلاب المرحلة المتوسطة واستعدادهم للدراسة المهنية ودخول سوق العمل بنجاح، لذا فإن الهدف من هذا المقترح العمل على تعزيز التنوع التعليمي وتمكين الطلاب من تحقيق إمكانياتهم الكاملة المستقبلية المختلفة، مما يسهم في تحقيق رؤية المملكة 2030 في بناء مجتمع معرفي قائم على القيم والمعرفة والتنمية المستدامة. وأخيراً يمكن أن نوضح أهمية مسارات المرحلة المتوسطة في كونها تساعد أولاً على تحدد الاهتمامات لدى الطلاب وتنمية ميولهم. وثانياً تسهم في التوجيه المستقبلي لكونها توفر أساسًا لاختيار المسار الجامعي والمهني، وثالثاً تساعد على تطوير مهارات الطلاب في مجالات محددة، ورابعاً تسهم في زيادة الفرص، وتفتح أبوابًا لفرص تعليمية ومهنية أفضل، وخامساً تساعد برامج المسارات في تطوير وبناء شخصية الطلاب وتحفيزهم. وهذا المقترح قدّم غيضاً من فيض، فالمسارات متعددة ومتنوعة والمجالات أكثر من أن تُحصى، وتحدد ذلك عمليات سبر آراء وتطلعات المستفيدين من الطلاب وأسرهم، ويتم بناءً عليها تحديد أهم المسارات ومجالاتها الوظيفية المتعددة والمتنوعة، هذا والله من وراء القصد، ثم رفعة وتطوير الوطن.

مشاركة :