أخيرًا سمح لأول شاحنة تحمل مواد غذائية للدخول إلى مخيم اليرموك أمس الأول (السبت) بعد 188 يومًا من الحصار والدمار والقتل والمجاعة ، وبعد أن سقط أكثر من 50 من سكانه الفلسطينيين موتى بسبب المجاعة التي اضطرت السكان إلى أكل خشاش الأرض ولحوم القطط ، وبعد أن رأى العالم كله بأم عينه من خلال القنوات الفضائية مشاهد الدمار والبؤس والجوع والمعاناة لهذا المخيم المنكوب التي تثير كل من لديه ذرة من المشاعر الإنسانية والضمير الحي. الآن أصبح يبدو من الواضح أن حصار ومذابح المخيمات لن تنتهي ما دامت قضية اللاجئين قائمة ومادام الاحتلال الإسرائيلي مستمرًا. بيد أنه لابد وأن تلفت مأساة مخيم اليرموك التي تتم بإشراف السفاح بشار الأسد نظر المراقب ، فهي تكاد تكون صورة طبق الأصل من مأساة مخيم تل الزعتر التي نفذها والده السفاح حافظ الأسد قبل نحو أربعة عقود ، لاسيما وأن كلتا الجريمتين حدثتا على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي كله دون أن تحرك مؤسساته الشرعية ساكنًا. . لقد هاجر او اضطر إلى الهجرة مرة أخرى، عشرات الآلاف من سكان المخيم ممن تمكنوا من الفرار إلى دول الجوار العربي ، فيما أن من بقوا في المخيم وقعوا بين فكي المعارضة والنظام ليدفعوا ثمنًا باهظًا لحرب قاسية ليس لهم أي دخل أو مصلحة أو دور فيها. لابد وأن تلفت ظاهرة مأساة مخيمات اللاجئين الفلسطينيين التي أقيمت في الدول العربية المجاورة لفلسطين بعد نكبة 48 نظر المراقب ، لاسيما وأن غالبية تلك المخيمات تعرضت لنفس المصير ، حيث وقعت تحت وطأة الحصار والمجازر ، ومع الأسف ليس بأيدي إسرائيل في كل الأحوال ، وما مأساة مخيم تل الزعتر ومخيم اليرموك إلا مثال . إن فكرة المخيمات كما يتبادر لأول وهلة تقوم على أساس أنها ملجأ آمن لبعض من اضطروا إلى مغادرة أوطانهم فرارًا من أهوال الحروب أو الممارسات الوحشية للمحتل ، وذلك لفترة مؤقتة يتم خلالها وقف تلك الممارسات وانتهاء الاحتلال الذي لا يفترض أن يستمر لعشرات السنين ، يعود بعدها أولئك اللاجئون إلى ديارهم وفقًا لما يكفله لهم القانون الدولي ، واتفاقيات جنيف الأربعة ، وفي الحالة الفلسطينية يضاف إلى ذلك القرار الأممي رقم 194 الصادر عام 1948 الذي ينص صراحة ليس فقط على حق عودة أولئك اللاجئين ، وإنما أيضًا تعويضهم عن المعاناة التي تعرضوا لها من جراء طردهم من أراضيهم . المآسي التي تعرض لها اللاجئون الفلسطينيون في مخيمات الحصار والقتل والتجويع والدمار أصبحت - في ضوء مأساة مخيم اليرموك- تفرض نفسها على رأس الأجندة الفلسطينية ، وأصبحت قضية غير قابلة للمزيد من الإهمال والتسويف والتأجيل . وهو ما يعني أنه في حالة ما إذا تم التوافق على استئناف المفاوضات ، فإن القضية الأساس التي ينبغي أن تطرح على طاولة المفاوضات هي مسألة اللاجئين وحق العودة ، وذلك بشكل عاجل وفي ضوء القرارات والمرجعيات ذات الصلة ، وفي مقدمتها القرار 194 والمبادرة العربية للسلام.
مشاركة :