فُرن المايكروويف الصغير، إنه الجهاز الثمين الذي يتزايد انتشاره بين الملايين، بل وأصبح أكثر أهمية في المطابخ من آلات ثانوية أخرى كالخلاط وغيرها، نتيجة طهيه السريع للأطعمة، بيد أن الكثير من الأقاويل تنتشر حول الأضرار الجسيمة التي قد يلحقها بالأطعمة التي نتناولها، بدءًا من تحويل المركبات الكيميائية الموجودة في الطعام بشكل يزيد احتمال إصابتنا بالسرطان، وحتى تسببه في العُقم. حسب تقرير على موقع كلمتىالاخبارى هل هناك أي أساس علمي لهذه المخاوف والنظريات؟ في الحقيقة لا، ولننظر بالضبط إلى العمليات الفيزيائية التي تُحدثها الأشعة الكهرومغنطيسية التي تقوم بطهي الطعام داخل ذلك الفرن الصغير لنعرف بدقة ماهية الضرر الذي يُمكن أن يؤدي له ووجوده من عدمه. كيف يعمل فرن المايكروويف؟ توجد في داخل الفرن دائرة كهربية تُسمى الماجنترون Magnetron، وهي التي تبدأ في العمل حين تعطيها إشارة البدء بالضغط على زر الطهي، لتُطلق موجات مايكروويف (شبيهة بتلك التي يلتقطها جهاز الراديو الخاص بك) تتذبذب 2.45 مليار مرة في الثانية الواحدة، ومثلها مثل كافة الأشعة الكهرومغنطيسية، تمتلك تلك الموجات مجالات مغنطيسية وكهربية، الأولى منها لا جدوى لها نظرًا لعدم وجود أي مكون مغنطيسي في طعامنا. أما المجالات الكهربية فهي مربط الفرس هنا، إذ أنها تحرّك جزيئات المياه في الطعام نظرًا لطبيعتها الكيميائية، حيث تتسم جزيئات المياه بوجود طرف سالب وطرف موجب بسبب توزيع الشحنات بين ذرتي الهيدروجين وذرة الأكسجين التي تشكلها H2O، وبالتالي تبدأ بالاستجابة للمجال الكهربي القوي وترتطم بالجزيئات الأخرى الموجودة في الطعام، مما يؤدي إلى تسخينه بشكل سريع. أين الضرر في هذه العملية إذن؟ يقول البعض أن موجات المايكروويف تلك تؤثر على الخلايا والجزيئات الموجودة بالطعام وتغيّر من تكوينها الجيني (أو الكيميائي) ولكن تلك النظرية خاطئة تمامًا لسبب بسيط، هو أن هذه موجات هي واحدة من أضعف أنواع الموجات الكهرومغنطيسية، وهي واحدة من الأطول في الحقيقة (من حيث طول الموجة، وهي وحدة قياس معروفة في علوم الموجات)، ونتيجة لذلك فإن تأثيرها شبه معدوم على الخلايا والأحماض النووية الموجودة فيها، ناهيك عن أن تصل للجزيئات الكيميائية نفسها. لنقارن ذلك مثلًا بالأشعة السينية، X-Rays، والتي تتذبذب بطاقات أعلى مليار مرة من موجات المايكروويف، وتصل أطوالها الموجية إلى أحجام صغيرة للغاية مما يتيح لها أن تؤثر بالفعل على الخلايا وتدخل إلى النواة لتعبث بالتكوين الجيني لها، وهو ما يجعلها خطيرة جدًا، كما أثبتت الدراسات، وبالتالي لا نلجأ لها إلا بشكل عابر في حياتنا، مثل الكشف على ساق أو يد مكسورة. أما موجات المايكروويف فهي أطول مليار مرة وأضعف كثيرًا، وأطوالها الموجية قد تصل لبضعة سنتيمترات، مما يجعل الخلايا والجزيئات الكيميائية شديدة الصغر مقارنة بها، وبالتالي يصبح الادعاء بأن تلك الموجات تغيّر من تركيبة الطعام الجينية أو الكيميائية أشبه بالادعاء بأن العواصف الرملية تؤثر على ترتيب الكتب المصفوفة بعناية في المكتبات الموجودة بمنازلنا. أشعة المايكروويف والطيف الكهرومغنطيسي الطيف الكهرومغنطيسي أشعة المايكروويف هي جزء من الطيف الكهرومغنطيسي الذي يضم الضوء المرئي بألوانه السبعة، وأشعة جاما النووية، والأشعة السينية، وموجات الراديو، والطيف بالطبع ينقسم إلى موجات ذات طاقة (وترددات) عالية في مقابل أطوال موجية قصيرة، وموجات ذات طاقة (وترددات) منخفضة في مقابل أطوال موجية طويلة. موجات الراديو والمايكروويف هي الأقل طاقة من بين هذه الموجات، وحين يرتفع ترددها قليلًا فإنها تنتقل إلى نطاق الأشعة تحت الحمراء، ثم اللون الأحمر المرئي وما يليه وصولًا إلى البنفسجي، قبل أن ننتقل إلى الأشعة فوق البنفسجية، وهي الأشعة عالية الطاقة والتي ثبت ضررها بالفعل وتسببها في سرطان الجلد، وهي تأتي بالأساس من الشمس وتحجبها عنّا بشكل كبير طبقة الأوزون. من بعد الأشعة فوق البنفسجية تأتي الطاقات الأعلى في الأشعة السينية، وأشعة جاما التي لا نعرف لها مصدرًا سوى المواد المشعة نوويًا والأجسام عالية الطاقة في الفضاء، وهي بالطبع أشد خطرًا من فوق البنفسجية، أما ما يقل طاقة وترددًا عن هذه الثلاثة، فإنه لم يثبت ضرره على البشر بأي شكل، ناهيك عن أن المايكروويف تحديدًا أقل طاقة بكثير من الضوء المرئي الذي تلتقطه أعيننا يوميًا لنرى الكون من حولنا. ماذا تقول الدراسات عن أشعة المايكروويف؟ تقول منظمة الصحة العالمية أنه تم نشر أكثر من 25،000 مقال بحثي خلال العقود الثلاثة الماضية عن الأشعة الكهرومغنطيسية في النطاق المستخدم بأفران المايكروويف والهواتف المحمولة وخطوط نقل الكهرباء، وأنه ما من دليل قاطع وواضح على أن هناك تأثير صحي سلبي من التعرّض لهذه الموجات، بل إن الخطر الأول الذي يتعرض له مستخدمي المايكروويف لا يعدو التضرر من درجة الحرارة شديدة الارتفاع للطعام وهو خارج لتوه من الفرن ليس إلا. لذلك، قررت المنظمة في عام 2011 أنه ما من أضرار صحية مثبتة علميًا حتى الآن للتعرض لأشعة المايكروويف، في حين قامت الوكالة الدولية لبحوث السرطان بتصنيف تلك الأشعة كموجات قد تؤدي نظريًا إلى السرطان possibly carcinogenic وهو التصنيف 2B قليل الخطورة، في مقابل التصنيف 2A الذي يشير عادة إلى احتمال فعلي لأن يؤدي للسرطان probably carcinogenic، وأخيرًا التصنيف الأخطر 1. في الحقيقة، يبدو أن الخطر الأساسي من الهواتف المحمولة حتى الآن، طبقًا لإحصائيات الوفيات والحوادث، هو الخطر الذي يسببه الاستخدام الآدمي له، حيث يُعَد استخدام الهاتف أثناء القيادة السبب الأول في الوفيات الناتجة عن الهواتف المحمولة، على العكس مما يظن البعض من أن الأشعة المباشرة للهواتف قد تكون أشد خطرًا على حياتنا. *** في النهاية، ومن الدراسات والإحصائيات المتاحة حاليًا، لا يبدو أن هناك أي ضرر من استخدام فرن المايكروويف، بل إن بعض الآلات البسيطة والابتكارات التقليدية قد تكون أشد خطرًا رُغم اعتيادنا لها وعدم قدرتنا على التخلي عنها، على سبيل المثال، يموت سنويًا 700 شخص في بريطانيا نتيجة الوقوع من على السلالم! وهو رقم أعلى بالطبع من الوفيات الناتجة عن استخدام المايكروويف أو النوم مع الهاتف المحمول في غرفة واحدة. إن كنا لا نقلق من الصعود والنزول على السلم يوميًا، فليس من المنطقي حتى الآن أن نقلق من تلك الأجهزة التي تعتمد على أشعة المايكروويف بشكل عام، حتى يثبت لنا العلم ما ينافي ذلك.
مشاركة :