أصبحت فكرة "توليد الوظائف" إحلالا للعمالة الوافدة بأي وظائف، واقتحاما غير مسبوق لنوعية وظائف، ولكنها عكس اتجاه التطوير والرؤية نظمت إدارة التدريب التقني للبنات في الرياض الخميس الماضي حفل تخريج طالبات من برامج صيانة الكهرباء والسباكة بعد أن أتممن فترة تدريب امتدت 3 أشهر. وذكرت المتحدثة أن البرنامج يهدف إلى تزويد الفتيات بالمهارات المختلفة، وإتاحة فرص عمل جديدة أمامهن، وتوطين مهن الكهرباء والسباكة بالكفاءات السعودية. أتمنى التوفيق لهؤلاء الفتيات، ولا نعيب العمل الشريف مهما كان، ولكن نقرأ أبعاده بطريقة مختلفة. عندما تجد الحلول بنمط جديد ولكنها عكس اتجاه التطور، فاعلم أن الوضع في انحدار، وما لم يصل للقاع فاعلم أنه في مزيد من الانحدار. وأود بداية أن أوضح أن العمل الشريف والمناسب للرجال والإناث ليس عيبا، ولكن أتحدث دائما عن إيجاد الحلول البعيدة عن مسار التطوير والبناء التنموي السليم، بل إننا نمتنع عن البناء السليم ونحاول بكل الاتجاهات عدا الطريق السليم، والأهم من ذلك أننا نوجد حلولا وقتية، متجاهلين تداعياتها ومتجاهلين التحذير منها، هذا لا يواكب التطلعات للرؤية المبشرة لعام 2030. يعمل بالمملكة 811 ألفا من الإناث، منهن 280 ألفا في التعليم وحوالي 50 ألفا في الصحة، والبقية متوزعة على القطاعات الأخرى. وذكرت رؤية 2030 رفع مشاركة المرأة إلى 30% عام 2030، وسيصبح عدد مشاركة النساء في ذلك الوقت 3.2 ملايين سيدة، أي أن سوق العمل سيوظف 2.4 مليون (مليوني ونصف المليون سيدة) خلال الـ15 سنة القادمة بمعدل 162 ألف سيدة سنويا. 162 ألفا سنويا، هذا يعادل عدد موظفي (ذكور وإناث، سعوديون وأجانب)، شركة أرامكو اليوم وشركة سابك وشركات معادن وشركة الاتصالات السعودية وشركة كهرباء السعودية... نعم سنويا ستوظف المملكة 162 ألف سيدة خلال الـ15 سنة القادمة، وهذا كما ذكرنا يعادل موظفي تلك الشركات، ليس لمرة واحدة ولكن سنويا لمدة 15 سنة وما بعد ذلك. يتضح أن الأمر أكثر صعوبة مما نتوقع بمجرد التوقف عن هذه الأرقام، بل إنه يصل إلى الاستحالة. وبحكم العادات والقيود الاجتماعية فإن وظائف المرأة محدودة، أضف على ذلك أن ضعف خلق الفرص الوظيفية للرجال زاحم الفرص المكتبية التي ممكن أن تتاح للمرأة، ولكن المشكلة الكبرى أنه لا توجد لدينا شركات لتوظيف الرجال والنساء تستوعب أعدادا كبيرة. المملكة بحاجة إلى شركات كبيرة مثل مصانع السيارات ومصانع المعدات ومصانع الأجهزة، وهذه المصانع تشغل مئات الآلاف لكل مصنع، وهذه النوعية من المصانع تناسب الرجال أكثر من النساء، ولكن هناك وظائف غير مباشرة لهذه المصانع مثل الأقسام الإدارية والمالية وغيرها. هناك شركات بنفس الحجم يمكن أن تستوعب نفس الأحجام للنساء، كشركات التكنولوجيا والتقنيات، والتي تعنى بالمكاتب أكثر من المصانع، وتبقى الخيارات متاحة للجنسين بالعمل بما يناسب أيا منهم، والمهم أن توفر الوظائف المناسبة لكل منهم تماشيا مع الأغلبية، وهم المقيدون بالعادات والقيود الاجتماعية. إنشاء المصانع يجذب الرجال ويتيح مجالا للنساء للعمل في الأعمال التي يشغلها الرجال حاليا بشكل كبير، فمثلا شركات الاتصالات والبنوك يعمل بها الرجال بشكل كبير، بينما تلك الأعمال تناسب النساء أيضا بشكل كبير. الوضع يزداد ضيقا أكثر وأكثر، ولم نستوعب فكرة "انفجار البالونة"، ونستبعد فكرة "انهيار سوق العمل" ونغض الطرف عن "السعودة الوهمية" و"الوظائف المتدنية" ذات الرواتب القليلة، إلى متى؟ وإلى أين؟ لا تزال الحلول المطروحة لحل مشكلة البطالة ضعيفة، وأصبحنا نرى أن مفهوم "توليد الوظائف" هو إحلال العمالة الوافدة التي تضيق يوما بعد يوم حتى أتى الزمن الذي نرى فيه تشجيعا لعمل السعوديات كسباكة وكهربائية، والسؤال ماذا سيعملن بعد ذلك؟ يجب ألا ننظر للكوادر الوطنية كعبء على التنمية، الكوادر الوطنية يجب أن تؤهل وتدرب وتجهز لسوق العمل لتسهم في بناء وتنمية وازدهار الاقتصاد والمجتمع، فالدول المتقدمة لم تتقدم إلا بعد الاستثمار في العقول والإنسان والفكر.
مشاركة :