إمارة قابعة بين أحضان زرقة المياه، تمتد على ساحل الخليج العربي بمساحة تقدر بنحو 260 كيلومتراً مربعاً. إنها عجمان التي جمعت بجدارة بين تراث عريق يمتد عبر سنوات طويلة من التاريخ وبين حاضر يلهث جرياً وراء تحقيق أكثر صور التطور والتقدم. هي إمارة تلخص بطبيعتها الخلابة أساطير من المتعة والاستجمام لروادها، كان أحدثها مشروع الحافلة السياحية الذي يجول بين أرجاء الإمارة بعد تعاون بين دائرة التنمية السياحية بعجمان وهيئة الشارقة للاستثمار والتطوير (شروق)، وذلك بتوجيهات من الشيخ عبدالعزيز بن حميد النعيمي رئيس الدائرة. إلى الحافلة انطلقت بصحبة وريقاتي وقلمي الصغير لأصول وأجول بين شوارعها وميادينها وآثارها وفنادقها ومراكزها التجارية، وشواطئها وأبراجها وناطحات سحابها، لأنقل تفاصيل محطات الحافلة السياحية في إمارة عجمان.. أتأمل من بعيد الوجوه البيضاء ذات الرؤوس الشقراء، وهم يبدأون في إعداد كاميراتهم وعدساتهم المختلفة التي يحتضنونها بين أيديهم استعداداً لما ينتظرهم من مشاهد خلابة تستحق التسجيل. كانت الحافلة السياحية لم تصل بعد إلى متحف عجمان حيث نقطة الانطلاق، ويبدو أن كثيراً من السائحين انتهزوا فرصة الانتظار وقرروا الدخول في جولة تاريخية ثقافية بصحبة مرافقهم إلى قلب متحف عجمان التاريخي. هكذا من دون تفكير، وجدتني أصاحبهم في المتحف، الذي يعتبر أحد المعالم الأثرية في الدولة، إذ يمتد به التاريخ عبر السنين لينقل إلينا واقع الحياة في عصورها المختلفة. كان هذا الحصن معقل الرئاسة والسلطة السياسية في الإمارة وخط الدفاع الأول عنها، هكذا تحدث المرافق السياحي للوفد الأجنبي. يكمل حديثه قائلاً: ذلك المعلم التاريخي الشامخ سجل لمآثر الأجداد وتراثهم الخالد، وكانت لفتة كريمة من صاحب السمو الشيخ حميد بن راشد النعيمي، عضو المجلس الأعلى حاكم عجمان، أن يهدي هذا الحصن للدولة بتحويله إلى متحف متكامل يحوي نماذج من المقتنيات الأثرية والصناعات والمهن التقليدية وصوراً من الحياة الاجتماعية القديمة. ما إن أنهى المرافق حديثه، حتى انطلقنا جميعاً للحاق بالحافلة السياحية التي كانت تقف على أعتاب المتحف ليركب الجميع، معلنة بدء جولة من المتعة والترفيه بين أروقة وشوارع إمارة عجمان.. كاتيا سنيلوفا، إحدى الزائرات التي اختارت الجلوس في الجزء المفتوح من الباص السياحي لتستطيع التقاط صورها التذكارية بسهولة. وقبل أن تستعد للقيام بذلك سألتها عن أسباب اختيارها لتلك الجولة، فأجابتني قائلة: الرحلة ضمن برنامجنا للتعرف إلى معالم عجمان التي ربما تستلزم مجهوداً جباراً من الوقت إذا فكرنا في القيام بها بشكل فردي، لذا لجأنا لتلك الرحلة لتوفير الوقت. تقاطعها صديقتها ليزيا نورتين، متحدثة عن سبب اختيارها لقضاء عطلتها في الإمارات بصفة عامة، وإمارة عجمان بشكل خاص، قائلة: قطعت كل تلك المسافة من ألمانيا إلى هنا، لأرى بعينيّ تلك الدولة التي سمعت أنها تشبه، بل تتفوق على دول أوروبا، ولأنني من محبي عالم البحار والمحيطات والطبيعة الجغرافية المختلفة عن بلادنا، فاخترت عجمان وأقمت في أحد الفنادق المطلة على البحر مباشرة، وحين قال لنا مرافقنا عن تلك الحافلة التي ستتجول بنا لنتعرف إلى أرجاء الإمارة، رحبت بشدة ومنذ الوهلة الأولى وأنا أشعر بأنها رحلة ممتعة ومفيدة وفريدة من نوعها. سوق السمك كان إحدى المحطات التي وقفت فيها الحافلة، وقرر السائحون النزول لزيارته، والحقيقة فأنت لا تستطيع على أرض هذا المكان إلا سماع أصوات البائعين والكاميرات وهي تلتقط الصور لتلك التجربة الحية التي يراها الزوار أمام أعينهم. تقول موني شارونيكا، إحدى الزائرات: أشعر بحالة من الانبهار، فرائحة اليود تدخل صدري وسعادة طفولية تنتابني وأنا أرى كل تلك الأنواع من الأسماك التي لم أرها في حياتي، وأعتقد أن هذا السوق هو أفضل ما سأراه خلال جولتي. تنطلق الحافلة من سوق الأسماك لتصحبنا في جولة عامة على كورنيش عجمان، حيث المياه الزرقاء الخلابة، بدءاً من فندق كمبنيسكي وصولاً إلى الدوار الفاصل بين إمارتي الشارقة وعجمان، لنمر بالعديد من المرافق السياحية والمنشآت الفندقية الحديثة، المشيدة وفق طراز معماري متنوع، يضيف إلى روعة المكان مزيداً من المتعة والإبهار. نظرة متأملة من نافذة الحافلة لترى على امتداد طريق الشاطئ، العديد من المحال التجارية متنوعة الاختصاصات، تصطف في تناسق جميل لتقدم خدمات ترقى بالمكان وتلبي مختلف الأذواق. مجموعة من السائحين طلبوا النزول من الحافلة لكي يجلسوا في أحد المقاهي المطلة على البحر، ليستقلوا حافلة أخرى تصلهم في نفس المحطة بعد نصف ساعة. وهكذا وجدتني أتحدث مع مايكل نورمين، أحد الزائرين لمقهى مطل على البحر. يقول: إنها المرة الأولى التي أزور ذلك البلد العبقري، واخترت تلك الرحلة لأنني من خلالها أستطيع رؤية الإمارة بأكملها بسعر لا يتعدى 30 درهماً، وتلك فرصة جيدة لي لأنني أهوى التاريخ وحكاياته وأسراره. يقاطع حديثنا موراي، الجالس إلى جوارنا على الطاولة المقابلة، قائلاً: رحلة الباص السياحي فكرة أكثر من رائعة، فهي خير دليل لأي أجنبي للتعرف إلى ملامح الإمارة السياحية، فأنا أشعر بأنني أسبح مع التاريخ. بعد أن التقط الجميع أنفاسه وصوره المفضلة، انطلقنا لاستكمال جولتنا في الحافلة التي جاءت بعد نصف ساعة، لنطل على كورنيش عجمان الذي يعد مزيجاً بين الحداثة والتطور، وأصالة الماضي في نوعية الطراز المعماري الإسلامي الجميل ووجود برج المربعة، كمعلم أثري يذكّر الأجيال الجديدة بماضي الأجداد. قبل أن تنهي الحافلة جولتها، لعل كلام رونالديكا ميتوبي، بلجيكية الجنسية، كان خير ختام، حين قالت: لا يمكن أن تكون الرحلة انتهت، سأكررها مرة أخرى. مذكرة تفاهم تم تشغيل مشروع الحافلة السياحية بموجب تفعيل مذكرة تفاهم، أبرمت بين دائرة التنمية السياحية بعجمان وهيئة الشارقة للاستثمار والتطوير (شروق)، وسُيرت الحافلات بين إمارتي عجمان والشارقة بهدف تنشيط السياحة ونقل الزوار بين الإمارتين والترويج لمعالمهما السياحية وتعزيز مكانتهما على خريطة السياحة الداخلية. وتستهدف دائرة التنمية السياحية في عجمان الوصول بعدد السائحين الزائرين للإمارة إلى 5 ملايين سائح سنوياً بحلول عام 2021. وكان مروان بن جاسم السركال، المدير التنفيذي لهيئة الشارقة للاستثمار والتطوير (شروق) أعرب في تصريحات عقب انطلاق المشروع، عن سعادته بهذا التعاون مع دائرة التنمية السياحية في عجمان وتوسيع نطاق عملها خارج الشارقة من خلال إطلاق مشروع جولة سياحية في الإمارة، إذ توفر الحافلات وسيلة ممتعة وعصرية لتعريف السياح بمعالم عجمان من خلال أخذهم في جولة على أبرز المواقع، مشيراً إلى أن (شروق) وفرت محطة خاصة بين الشارقة وعجمان تشكل حلقة ربط بين الإماراتيين لمساعدة السياح على التنقل بسهولة والتعرف إلى مختلف المعالم في المدينتين.
مشاركة :