يصوت البريطانيون على وضع بلادهم ضمن الاتحاد الأوروبي في 23 يونيو، ولكن الأسئلة الأهم تبقى خارج أروقة الاقتراع. إنها لسخرية عظيمة أن يكون التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد اقترب، حيث إنَّني لم أعتبر المملكة المتحدة جزءًا من الاتحاد الأوروبي في الحقيقة. لقد كنت طفلاً خلال السبعينيات والثمانينيات وأذكر بوضوح كيف حاربت تاتشر الاتحاد الأوروبي في كل كبيرة وصغيرة وتمكنت بطريقة ما من جعل الاتحاد الأوروبي يلتزم بمفهومها للاتحاد... على الأقل من الناحية المالية. وإنها لسخرية أعظم أن رئيس الوزراء ديفيد كاميرون قد قضى فعلاً على إمكانية المملكة المتحدة في أن تكون جزءًا من أوروبا تسير نحو الأمام حيث إنَّ الصفقة التي عقدها مع بروكسل في شهر مارس خلقت أوروبا مقسومة إلى نصفين فعليًا، حيث إن هناك مجموعة من القواعد تنطبق على المملكة المتحدة فقط ومجموعة أخرى تنطبق على باقي أوروبا. بغض النظر عن نتيجة التصويت في 23 يونيو، قد يؤدي ذلك إلى أزمة مصغرة في أوروبا لأنه من السهل أن نتخيل أن دولاً مثل هنغاريا وبولندا وربما حتى فنلندا ستكون راغبة في صفقات تؤمن لها نفس الامتيازات التي حصلت عليها المملكة المتحدة. ستخسر أوروبا لو بقيت المملكة المتحدة بسبب سابقتها في التقسيم (تقسيم الاتحاد الأكبر إلى اتحادات أصغر سيؤدي في النهاية إلى انهيار تلك الاتحادات)، وبالطبع، إذا ما غادرت المملكة المتحدة، فإنّ الثمن السياسي والعملي يبدو باهظًا للغاية، وخاصة أن أزمة اللاجئين لا تزال بانتظار حل. كما أنني أجده مثيرًا للضحك أن المستشار أوزبورن، الذي لا يستطيع التنبؤ بالعجز في ميزانيته خلال الستة أشهر المقبلة، يمكنه أن يخبرني بأدق التفاصيل عما ستخسره كل عائلة في بريطانيا بحلول عام 2030 إذا صوتوا لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (والخسارة هي 4.300 جنيه إسترليني على ما يبدو). كما أن إثارة الخوف على أشدها، وخاصة بالنسبة إلى محلل اقتصادي بسيط مثلي لأنّ مستقبل المملكة المتحدة يعتمد فعلاً على كيفية تعامل المملكة المتحدة مع عجزها المزدوج المزمن... فآخر مرة كان رصيد الدولة فيها إيجابيًا كان عام 1982، أي قبل 34 عاما! إذن، للإجابة عن السؤال الذي حير كل المتداولين في البورصة: إلى أين يتجه الجنيه الإسترليني؟ والجواب هو نفسه سواء في حال الخروج من الاتحاد الأوروبي أو عدمه. في نهاية المطاف، إما أن يتجه الجنيه الإسترليني إلى الأسفل وإما سيبقى ثابتًا. فطالما أنت تنفق أكثر مما تجني وتعتمد على التمويل الأجنبي ولديك اقتصاد تحركه البنوك والعقارات بشكل رئيسي -وهما قطاعات بلا إنتاجية ومستقبل غير مضمون (في أفضل الأحوال!) من حيث الوظائف الجديدة مقارنة بالماضي القريب- فأنت محكوم عليك بأن تعيد ماضيك القريب. ويظهر هذا الماضي القريب، بالطبع، أن لندن مستعدة لخفض قيمة الجنيه الإسترليني أكثر في وقت الأزمات، وهناك بالفعل أزمة تلوح في أفق الاقتصاد البريطاني. وقد يجادل المحلل الأكثر تشككًا بأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «مخبأ ممتاز» أو عذر للاقتصاد الشبيه بالركود المقبل والناتج عن الأساسيات المذكورة أعلاه. والرد التقليدي على مثل هذا الوضع هو بالطبع هبوط الجنيه الإسترليني. الخروج من الاتحاد الأوروبي هو مجرد عائق يمنع من التغيير الحقيقي المطلوب في المملكة المتحدة. كما أنه عذر يتم استخدامه لتفادي التعامل مع المشكلة البنيوية الأساسية لمجتمع في طور التحول إلى مجتمع قائم على الخدمات بنسبة 100%. فقد انتقلت الأبحاث والإنتاج في المملكة المتحدة إلى الخارج، والأهم من ذلك، فإنّ قدرة الدولة على البقاء كمحطة للمستثمرين الأجانب أصبحت أقل جاذبية مع تغير وضع الضريبة بالنسبة إلى غير المقيمين. كما أن هناك تغييرًا كبيرًا جاء بعد انتشار أوراق بنما وهو مطالبة كاميرون لاستحداث سجل عام لمالكي العقارات الأجانب. وهو أمر جيد وعادل طالما أنه يشجع على الشفافية، ولكنه يعمل أيضًا على التقليل من جاذبية المملكة المتحدة من الناحية الفعلية. وأنا أرى أن تغيير القواعد الضريبية وبالتالي في الحوافز أهم بكثير من وضع المملكة المتحدة ضمن الاتحاد الأوروبي لأنّ لندن حرة الآن في تطبيق قواعدها الخاصة. وأنا لا أقلل من أهمية التصويت بأي حال من الأحوال، إلا أنني لا أرى له تأثيرًا كبيرًا على مستقبل اقتصاد المملكة المتحدة وأن أثره الأكبر سيكون على دور المملكة المتحدة في أوروبا. وأود التشديد هنا على أنني لا أرى أي سيناريو تكون فيه المملكة المتحدة مستفيدة من الخروج على الإطلاق، بل الحقيقة هي أن لا أحد يعلم ما الذي سيحدث الآن، وهذا لا يعني أنني مستعد لقبول المعلومات المغلوطة القادمة من حملة «لنبقى». إلا أننا نعلم أن «الضجة» (أو التقلب بالأحرى) سيزداد ولكننا لا نعلم كيف سيبدو العالم مع أو من دون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ربما حان الوقت لتوسعة آثار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لتشمل الأسئلة الأكبر والأهم: كيف نجعل التغيير جزءًا من أمر إلزامي في كل من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي؟ فكلا الجهتان عليهما النظر عن قرب وبشكل جدي في مستقبلهما (المرتبط ببعضه) وفحص تصميمهما الهيكلي وبرامج الحوافز لديهما. ففي هذه المرحلة، إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه فإنّ المستقبل سيكون قاتمًا فعلاً. والسؤال الأهم من هذا كله هو كيف نتعامل مع الأزمة الإنسانية التي نتجت عن وصول عدد هائل من اللاجئين في وقت يلوح فيه الركود في الأفق؟ إن تصرفنا في هذه الأزمة سيحدد مستقبل الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة معًا أكثر بكثير من مسألة ما إذا كانت المملكة المتحدة ستقرر البقاء أم الخروج من النادي الذي يُسمح لها أصلاً بأن تفعل ما يحلو لها فيه! كبير الاقتصاديين ورئيس شؤون المعلومات لدى ساكسو بنك
مشاركة :