أخلاق العبيد تحتاج العصا أكثر من إشارة تكفي الأحرار، أخلاق العبيد فوضى لا تستقيم إلا بفتاوى الوعيد المغلظ والتحريم. وحدهم الأحرار لا يحتاجون كل هذا لماذا المرأة هي ميدان الصراع بين التيارات؟ لأن المرأة هي البناء الحقيقي للمجتمع، إنها النواة، إنها الهوية، إنها حقيقتنا الأخلاقية المجردة بلا تزويق، وما عليك لتكتشف هذه الحقيقة الأخلاقية إلا النظر إلى وضع المرأة عندنا ومبررات البعض لهذا الوضع، فحكايا العبيد والجواري واحتمال سرقتهم واختطافهم وبيعهم في أسواق النخاسة من جديد كانت حديثا من الماضي نسمعه من أجدادنا، وكيف كانت حياة هؤلاء عبارة عن (فوضى الغرائز)، وسبب ذلك يعود لموت الإرادة الخاصة لهذا الرقيق لصالح إرادة السيد فقط، وهذا نحكيه كمستمعين لحكايا ما قبل الحرية وما بعدها، من الرق الواضح الذي انتهى عصره على أعناق بعض الناس، ولكن يبقى سلوك الرق الذي يظهر في أخلاق كثير من الناس لتموت إرادتهم الخاصة مقابل إرادة السيد الجديد القادم في ثوب رجل الدين، هذا الرق الجديد الذي فرضه بعض رجال الدين على أعناق بعض العوام حتى ضعفت إرادة الأحرار بداخلهم فاستبدلوها كما يريد شيخهم بطبائع العبيد، إذ الفرق بين الحر والعبد هو في السلوك الأخلاقي وسمو الطباع، وليس في اللون، أو العرق، ولهذا جاءت الشريعة بتنصيف العقوبة على العبد، لنقص الإرادة والحرية فيه، فإرادته تبع لإرادة سيده لتنعدم شخصيته واحترامه لذاته، فتهون نفسه عليه، وترخص، وهوان النفس يستتبع هوان الأفعال، وكثرة الطباع السيئة الرخيصة، مع القابلية لتكرارها، بينما الأحرار كانت العقوبة عليهم كاملة لأنهم عكس ذلك. أقول هذه المقدمة لأن الرق الأخلاقي الذي فرضه بعض رجال الدين الذين يمثلون دور الأسياد على بعض الناس في النظر للمرأة والتعامل معها، يؤكد أنهم ينظرون للأحرار رجالا ونساء نظرتهم للعبيد، وقد تواتر الاستعباد زورا باسم الدين حتى فسدت الأخلاق عند مجموعة من الناس، مما أوجد منظومة متكاملة من ضرورات التحريم والتجريم والمراقبة والمعاقبة لضبط (أخلاق العبيد)، فأصبحت لا تستسيغ حتى أن يلتقي أبناء العم ببنات عمهم، ولا بنات خالاتهم لا في عيد ولا في عيادة مريض ولا في فرح ولا عزاء مهما كبروا في السن حتى ولو تجاوزوا الخمسين، فكأن المرأة منذ بلوغها تصبح مجرد شيء قابل للهوان من قبل بني عمها وخالها، مهما بلغ بها وبهم العمر، فيصبح الحجاب جدارا من الأسمنت حتى وفاتها، فكأنما الدين جاء قاطعا للأرحام، وكأنما الناس بلا شرف ولا مروءة ولا خلق إنساني. ولهذا فأخلاق العبيد لا تستنكر فتاوى من نوع (تحريم جلوس الأب مع ابنته لوحدهما)، وتراها فتوى مقبولة ومنطقية لتهذيب فوضى الغرائز عندهم. أخلاق العبيد تستوجب الرقابة الدائمة على كل سلوك وطريقة، أخلاق العبيد تحتاج العصا أكثر من إشارة تكفي الأحرار، أخلاق العبيد فوضى لا تستقيم إلا بفتاوى الوعيد المغلظ والتحريم، وحدهم الأحرار لا يحتاجون كل هذا، فالعبد يعرف فقط معنى الخوف من العقوبة، الحر يعرف معنى الاحترام للذات قبل الآخر، العبيد يفخرون بالرسن موضوع على رقابهم، ولا يؤمنون بالكرامة والشرف والمروءة تاجا على رؤوسهم. عندما انقلبت بعض السلفية التقليدية على شيخها الألباني في تخريجه لمسألة الحجاب في الإسلام عندما رأى أن الأصل جواز كشف الوجه، أدرك العقلاء أن الأزمة ليست أزمة دليل ومنهج فقهي، بل أزمة أسياد باسم الدين يفرضون أخلاق العبيد في صراع مع من ينتصرون لأخلاق الأحرار، فمن ينظر لأتباعه كعبيد سيلتزم المنع والحجب والقيد والتحريم ولو باستدلال ممجوج، ومن ينظر للناس كأحرار فسيطرح قناعته الفقهية، ولهم حرية الاختيار، دون تفسيق أو تبديع أو تكفير لمن يخالفه، فحتى شيخهم السلفي المحدث (الألباني) لم يسلم من ألسنتهم. قبل أكثر من 40 سنة وردت فتوى من رجل تزوج فتاة من أحد المناطق التي عاشت شافعية زمنا طويلا، وكانت المرأة في تلك المنطقة الجبلية تكشف وجهها وتعيش مسلمة وفق أخلاق الأحرار، فأخذها هذا الرجل وذهب بها إلى مدينته فاشتكى هذا الرجل على رجل دين من مدينته يطلب منه الفتوى في زوجته التي لا يتهمها في شرفها، ولكنها تفتح الباب لعموم أقاربها وجماعتها من غير الدرجة الأولى، وتقلطهم بالمجلس حتى يجيء، وأنه نبهها إلى عدم جواز ذلك، وأن من حقه إغلاق الباب عليها بما يشبه الحبس، وأن أهلها حضروا يطلبونه الاعتذار لابنتهم من تهديداته، وأن إغلاق الباب -دون أقاربها الذين تعرف أخلاقهم- عيب عندهم، فرد رجل الدين بأن ما يفعله أهلها جهل، وبدأ في تلقينه ودعمه المعنوي بأدبيات أخلاق العبيد التي يجب أن يزرعها في زوجته، بدلا من أخلاق الأحرار التي عاشت بها طيلة حياتها مع أهلها في تلكم الجبال، قبل إحضارها معه إلى مدينته البائسة. بقيت إشكالية الحر وسط العبيد، لتراه كالصقر وسط الغربان، تنعق عليه بضرورات الغيرة كالفحول -ليطلق النار على طبيب النساء والولادة- بينما الحر لا يعيش سوى غيرة الرجال، فالفحولة تموت والرجولة لا تموت، فغيرة الرجل والمرأة على بعضهما لا علاقة لها بالشك، ولا يعرف معناها سوى الأحرار من الرجال والنساء، أما غيرة الفحل فهي للحيوانات لأن الأنثى والذكر مجرد غريزة تمشي على الأرض، وهذا النوع من الغيرة نتاج معطيات الهوان والانحطاط البشري عندما يتحول الإنسان إلى مجرد شيء مرهون لوعيد السيد على العبيد والجواري، وقد عاشوا كل ذلك وسموه مذهبا دينيا، فما إن يرى أحدهم امرأة إلا ويراها من باب الهوان النفسي الذي ارتضاه لنفسه ولأهل بيته عبر فتوى شيخه، فكل امرأة ممن حوله يغار عليها وفق ما قيل له عن إنها قابلة للسقوط في أول مطب أخلاقي، جارية أو في حكم الجارية، ويبقى السؤال: هل الأحرار ملائكة لا يخطئون؟ الأحرار يستنكفون من الخطأ ويستغفرون، فالخطأ عندهم ليس قانون حياة ولا طبيعة سلوك، بينما الخطأ عند العبيد طريقة حياة وسلوك يومي لا ينقصه سوى اقتناص الفرصة فقط وتوفر اللحظة، وعليه فعثرات الأحرار تختلف عن (بهيمية العبيد)، فكيف تستنكرون على من يتمظهر بالدين ويدعو للتحرش بالمرأة لأنها سافرة الوجه أو متعطرة إذا خرجت من منزلها، إنها بهيمية العبد وإباحيته إذا ألبسناها ثوب الدين والأخلاق.
مشاركة :