هل سقطت نظرية أوباما في إيران؟

  • 5/30/2016
  • 00:00
  • 25
  • 0
  • 0
news-picture

بعد فوز الأصولي (المحافظ) المتشدد آية الله أحمد جنتي برئاسة «مجلس خبراء القيادة» قبل أيام، أعلن عن فوز الأصولي المعتدل علي لاريجاني برئاسة البرلمان، وقد سبق للاريجاني المقرّب من تحالف خامنئي والحرس الثوري أن شغل منصب رئاسة البرلمان طيلة السنوات الثماني الماضية، لكنه هذه المرة عاد إلى المؤسسة التشريعية عبر قائمة معتدلة إلى جانب مرشحين محسوبين على الإصلاحيين المعتدلين. وتعني هذه النتائج أن الأصوليين احتفظوا عملياً برئاستَي مجلس الخبراء والبرلمان، وأن أصوات تحالف الإصلاحيين المعتدلين ومقاعده التي أحرزوها في انتخابات شباط (فبراير) الماضي، لم تُمكنهم من قيادة مؤسستين دستوريتين أساسيتين. من الواضح إذن أن تحالف خامنئي والحرس نجح في إدارة تعقيدات الانتخابات الأخيرة والتّحكم بنتائجها، فداخلياً، استطاع إفراغ العملية الانتخابية من محتواها، وإحباط أي حراك سياسي أو مدني إصلاحي من داخل المؤسسات. وخارجياً، استطاع إلى حد ما، إقناع جزء من الرأي العام الدولي بوجود حقيقي لتداول السّلطة في إيران، وبالتالي تسريع وتيرة عودته إلى المنظومة الدولية. وقد كشفت تلك الانتخابات تحولات غير مسبوقة طاولت تقاليد الاصطفاف السياسي والتي سمّاها لاريجاني نفسه «تدوير القوى السياسية». هذا «التّدوير» اعتبره بعض المقاربات الإعلامية المتسرعة عودة للتيار الإصلاحي إلى المشهد السياسي، وهو أمر غير صحيح، لأنه لم يعد هناك في إيران ما يسمى «التيار الإصلاحي» بالمعنى التاريخي المعروف، إذ تعرض لعملية تفكيك بدأت قبيل خروجه من السلطة سنة 2005 ولا زالت مستمرة، ولا يزال تحالف خامنئي والحرس يتهمه بخيانة مبادئ ثورة 1979، ومعظم قياداته موزعة بين المنافي الخارجية والسجون، أو تحت الإقامة الجبرية والحصار الإعلامي، كحالة الزعيمين مهدي كروبي وحسين موسوي، والرئيس الأسبق محمد خاتمي. أما من يُشار إليهم بـ «التيار الإصلاحي المعتدل» والفاعل حالياً في الساحة السياسية، فهم «إصلاحيون» تقودهم شخصيات احتلت الصفين الثاني والثالث في التيار الإصلاحي التاريخي، بعضهم مقرب من القوى الأصولية (المحافظة)، وقد قبلوا بقواعد اللعبة كما رسمها تحالف خامنئي والحرس، ومنها العودة إلى الحياة السياسية بضمانة الولاء المطلق لولاية الفقيه، والتبرؤ من الخط التاريخي الإصلاحي وثورة 2009 الخضراء. وتكشف النتائج النهائية لأهم عمليتين انتخابيتين في عهد «الاعتدال» الذي يقوده حسن روحاني، أن تحالف خامنئي والحرس لا يزال يمثل مركز القوة في النِّظام الحاكم، الذي يَعتبر أيّ تَحوّل داخلي يقود إلى تعديل موازين قوى النظام، خيانة لأيديولوجية الثورة، ولو كان التّحول ناعماً، وفي إطار واقعية المصالح المتبادلة. فرهان القوى الغربية على «تيار الاعتدال» ورئاسة روحاني لإحداث التّحول المطلوب غير واقعي، لأنه لم يُقدِّر بدقة حجم قوة تحالف خامنئي والحرس، المعززة بنتائج الاتّفاق النووي، بالإضافة إلى الارتباك الحاصل في إعادة ترتيب النظامين الإقليمي والدولي. وواضح أن الصراع بين الاعتدال والتّشدد أصبح جزءًا جوهرياً من السلوك الاستراتيجي الإيراني، فهو دعَمَ الاختراق الإيراني في ملف المفاوضات السّرية حول الملف النووي، ووفر غطاءً مناسباً للمفاوض الإيراني. كما ساهمت هذه المنهجية في إعادة التيار العام للمعارضة إلى سقف النظام، بعدما اتّجه نحو المعارضة الجذرية من خارج النظام سنة 2009 إبان «الثورة الخضراء». وختاماً، تبدو خيارات روحاني وحلفائه محدودة أمام تحالف خامنئي والحرس، فنجاح روحاني في الملف النّووي لم يَعد يعني قدرته على التأثير في معادلة الحكم داخلياً، أو إمكان تعديل السلوك الاستراتيجي للنظام في الخارج، فهل تعني هذه النتيجة أن نظرية الرئيس أوباما التي أسس عليها فكرة الاتفاق النووي قد سقطت بالفعل؟     * باحث في الدراسات الإيرانية - مركز الإمارات للسياسات

مشاركة :