دول مجلس التعاون الخليجي تتجه إلى حلول بديلة لتمويل المشاريع الحكومية

  • 5/30/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

لا شك في أن هبوط أسعار النفط لمستويات قياسية أصبح حقيقة اقتصادية ستدفع حكومات دول مجلس التعاون الخليجي لوضع قيود على حجم التمويل الحكومي لمشاريع البنية التحتية ورؤوس الأموال، ما سيضعها أمام خيارات صعبة ليس أقلها خفض الإنفاق وإجراء إصلاحات هيكلية. وفي هذا الإطار، قالت الشريكة في خدمات التدقيق والمسؤولة عن مشاريع البنية التحتية والرأسمالية في الشرق الأوسط في «ديلويت» سينثيا كوربي: «يجب على حكومات المنطقة إعادة ترتيب أولويات الإنفاق الحكومي بطريقة أفضل لضمان استمرار تلبية متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. لذلك، يجب على هذه الحكومات أن تسعى لمشاركة القطاع الخاص، وابتكار حلول فعّالة وإيجاد مصادر تمويل بديلة حتى تضمن استمرار قدرتها على تمويل مشاريعها». وأكدت «ديلويت» هذه الحقائق في تقرير سنوي أصدرته أخيراً بعنوان «قوى قطاع الإنشاءات في دول مجلس التعاون الخليجي لعام 2016: المعادلة التمويلية». والتقرير مراجعة شاملة لصناعة الإنشاءات تستند إلى معلومات مستخلصة من استطلاعات ومعززة بمقابلات مع بعض رؤساء الشركات المرموقة في صناعة الإنشاءات، في مختلف دول المنطقة إضافة إلى المقالات والمقابلات التي ترصد الاتجاهات الرئيسية في هذه الصناعة. وجاء في التقرير أن الموازنات التي أعلنت عنها دول المنطقة للعام الحالي، تضمنت اقتطاعات بطريقة مدروسة في الإنفاق الحكومي فرضها هبوط أسعار النفط، إضافة إلى استحداث مصادر دخل جديدة. فعلى سبيل المثال، تخطط المملكة العربية السعودية لتقليص نفقاتها بنسبة 11 في المئة هذه السنة لتصل إلى 227 بليون دولار. وتسعى إلى زيادة الإيرادات الحكومية غير النفطية من 163 بليون ريال سعودي (43.5 بليون دولار) إلى 600 بليون بحلول عام 2020، وإلى تريليون ريال بحلول 2030. كما تخطط لتخصيص الخدمات الحكومية لتشجيع القطاع الخاص المحلي والدولي على الاستثمار في بعض القطاعات التي توليها المملكة أولوية كبيرة مثل الرعاية الصحية والإسكان والمالية والطاقة. وليس بعيداً عن هذا التوجه الجديد، عمدت المملكة بصورة تدريجية إلى تقليص دعمها للمحروقات وزيادة أسعار الطاقة في محاولة لزيادة إيراداتها الحكومية. وينتظر أن تسجل دولة الإمارات العربية المتحدة قريباً أول عجز في حسابها الجاري خلال عقود، ويتوقع أن تتسع هوة هذا العجز لتصل إلى 129 بليون درهم هذه السنة، على رغم أنها تتمتع بالاقتصاد الأكثر تنوعاً بين الدول الخليجية، ما دفع صندوق النقد إلى دعوتها لإجراء إصلاحات لتعزيز نموها والمضي قُدماً في تنويع قاعدتها الاقتصادية. واستطاعت دولة الإمارات توفير مبالغ ضخمة من إلغاء الدعم الحكومي لأسعار الطاقة في 2015. وتعتزم قطر تقليص إنفاقها الحكومي، وإعادة ترتيب أولويات المشاريع في خطوة لاحقة بعد إصلاحات الدعم الحكومي التي أجرتها في وقت سابق. وتخطط الدول الخليجية لاستحداث ضريبة القيمة المضافة مع مطلع عام 2018 بهدف زيادة إيراداتها الحكومية غير النفطية. كما تدرس فرض ضرائب لم تكن معهودة من قبل فيها مثل ضريبة الدخل وضريبة الشركات، فقد تمثل هذه الضرائب فرصاً مالية أكثر واقعية في المستقبل. إن حاجة الدول الخليجية الملحّة لتعديل موازناتها بما يتناسب مع الواقع الجديد، سيترك آثاراً سلبية على سوق المشاريع تتمثل في مزيد من البطء في إجراءات طرح مناقصات المشاريع الحكومية، واتخاذ القرارات في شأنها وفي إجراءات الإفراج عن الدفعات المستحقة لمنفذي هذه المشاريع. وتصل قيمة المشاريع المخطط تنفيذها في دول الخليج حتى أيار (مايو) الماضي إلى 2 تريليون دولار مع وجود أكبر أسواق هذه المشاريع في السعودية ودولة الإمارات، ويستحوذ قطاعا الإنشاءات والنقل على الحصة الأكبر من قيمة هذه المشاريع الحكومية بنسب تصل إلى 52 و 19 في المئة على التوالي. ومن المتوقع أن ترسي الدول الخليجية مجموعة من العقود هذه السنة تبلغ قيمتها 140 بليون دولار مع تراجع بنسبة 17 في المئة لقيمة هذه العقود مقارنة بعام 2015. وتُعتبر أسواق العقود في السعودية من الأكثر تضرراً بهبوط أسعار النفط بين الأسواق الخليجية الأخرى. وعلى رغم هذا التراجع، تبقى المملكة أضخم سوق للمشاريع والأكثر إنفاقاً بين شقيقاتها الخليجية الأخرى. من ناحية ثانية، تشير التوقعات إلى ثبات قيمة العقود التي سترسيها دولة الإمارات، ويعود الفضل في ذلك إلى قوة قطاع الإنشاءات في إمارة دبي. وفي دولة قطر، هناك مخزون ضخم من المشاريع المزمع تنفيذها مثل الملاعب الرياضية (الاستادات) والفنادق والسكك الحديد والطرقات استعداداً لاستضافة كأس العالم لكرة القدم حيث تبلغ القيمة التقديرية لهذه المشاريع 22 بليون دولار. وفي سلطنة عُمان، يتوقع أن تحافظ قيمة العقود على استقرارها عند 13 بليون دولار تقريباً. أما دولة الكويت فتنوي تنفيذ الكثير من المشاريع لا سيما في قطاعي الإنشاءات والنقل. وختمت كوربي كلامها بالقول: «من المتوقع ضخ استثمارات ضخمة لتنفيذ الكثير من المشاريع في دول مجلس التعاون الخليجي وحتى نهاية هذا العقد، استجابة للنمو السكاني الذي سيحتم على حكومات هذه الدول تحسين البنى التحتية حتى تتمكن المدن من تلبية حاجات سكانها والنمو كما هو مخطط. وفي وقت تواجه دول المنطقة عجزاً في موازناتها، فإن نجاحها على المدى البعيد في تنويع مصادر إيراداتها يتوقف في شكل رئيس على قدرتها على التكيف مع الواقع الجديد، واقتراح حلول مبتكرة وإيجاد حلول تمويلية بديلة لضمان استمرار توفير الاستثمارات المطلوبة».

مشاركة :