مما يميز المسلم الحق عن غيره استشعاره واعتقاده وإيمانه الكامل بأن الله ـ سبحانه وتعالى ـ علام الغيوب يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وهو الذي يعلم السر وأخفى، وما يكون وما هو كائن، وبالتالي يطلع على أحواله كلها من قول وعمل، بل ونوايا، فهو الذي أحاط بكل شيء علما، وحينما يعتقد المسلم ذلك ويستشعره ويضع هذا الأمر نصب عينيه في كل أمر فلن يخرج قوله وعمله عن الحق طالما علم أن ربه ينظر إليه، وهناك من يسجل عليه كل صغيرة وكبيرة، وحينما يكون الأمر كذلك فلن يسرق، ولن يكذب، ولن يغش، ولن يغدر، ولن يقتل أو يسلب أو يأخذ مالاً حراماً في غير حقه، ولن يمنع أحداً من ماله وحقه، وهكذا كل أمر محرم من قول وفعل سوف يجتنبه وكل خير سوف يصيب منه ابتغاء مرضات الله عز وجل. ولا يتخلف عن السلوك الحميد لمن عرف الله، وعرف علمه واطلاعه على الغيب إلا منافق يظهر ما لا يبطن فهو يخالف في قوله وفعله في خلواته ما يقوله ويفعله أمام الناس لأنه ينظر لرقابة الناس لا لرقابة الله ـ عز وجل ـ وهو بذلك جعل الله سبحانه وتعالى أهون الناظرين إليه، وهذه من خصال المنافقين والمخادعين، وصاحب هذا الشأن والسلوك مخالف لتعاليم الإسلام، فالله سبحانه وتعالى على كل شيء شهيد. وفي الحديث الصحيح «اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك». والدول غير الإسلامية التي لا يعبد الله ـ سبحانه وتعالى ـ فيها جعلوا من الأنظمة والقوانين والعقوبات المشددة سبيلاً لمحاربة الفساد الإداري والاختلاسات؛ لأنه لا يوجد رادع ديني ولا وازع إيماني يمنع من الفساد لذا فإن العقوبات أصبحت زاجرة لهؤلاء، وإذا ما استطاع أي من هؤلاء التحايل على النظام أو القانون عمل على تحقيق مبتغاه . محاربة الإسلام للفساد: وفي ديننا الإسلامي قبل سن العقوبات المقررة شرعاً على من يبدر منه مخالفات، هناك روادع وزواجر وتعاليم شرعية جاءت بها النصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة تحض على فعل الخيرات واجتناب المنكرات يتذكر الإنسان المسلم ذلك فيكون هذا حاجزاً بينه وبين ارتكاب المحرمات. وديننا الإسلامي دين الإصلاح والصلاح والخير والنهي عن الشر، فقد نهى الإسلام عن الفساد بكافة صوره. وحينما كان المسلمون في قوة إيمانية كبيرة، ويستشعرون رقابة الله لهم كان لديهم من الرقابة الذاتية ما يكون حصناً حصيناً ضد التطاول على حقوق الغير، ولعلي هنا أُذكر بقصة عبدالله بن عمر – رضي الله عنه – فقد روى عبدالله بن دينار أنه خرج مع عبدالله بن عمر إلى مكة المكرمة، فانحدر عليهم راع من جبل، فقال له ابن عمر: أراع ؟ قال: نعم، قال: بعني شاة من الغنم، قال: إني مملوك، قال: قل لسيدك: أكلها الذئب (قالها له اختباراً)، قال: فأين الله عز وجل ! قال ابن عمر: فأين الله، ثم بكى، ثم اشتراه بعد فأعتقه). هكذا كان السابقون وهكذا كان السلف يخافون الله ـ عز وجل ـ ويعلمون أنه رقيب حسيب فيبتعدون عما يغضب الله سبحانه وتعالى، فلا يكون الحلال ما حل في يدهم والحرام ما حرم عليه نيله، بل التزام بتعاليم الإسلام باجتناب المحرمات والاستباق لفعل الخيرات والمباحات بل والبعد عن الشهوات. والبلدان الإسلامية سنت إدارات وهيئات لمكافحة الفساد ودواوين للمراقبة، وما كان هذا لينتشر في أوساط المسلمين لولاء أن المسلمين مع الأسف ابتعدوا عن منهج السلف الصالح وتعاليم الدين القويم والتهاون والتخاذل ونسيان مراقبة الله عز وجل، فهانت عليهم المحرمات، وأين هؤلاء من حال السلف، فقد قال سفيان الثوري ـ رحمه الله – : ( عليك بالمراقبة ممن لا تخفى عليه خافية وعليك بالرجاء ممن يملك الوفاء، وعليك بالحذر ممن يملك العقوبة ) . المملكة ومحاربة الفساد ولقد اهتمت المملكة العربية السعودية بقضية الفساد ومكافحته والقضاء عليه أو التقليل منه في وقت مبكر، وقبل أن يكون هناك اتفاقيات دولية لمكافحة الفساد، من خلال مبادئ الدين الإسلامي، الذي نهى عن الفساد بكافة صوره، كالربا والرشوة والخيانة والاعتداء على أموال المسلمين العامة والخاصة وحقوقهم، قال تعالى: ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ) ، وقال سبحانه: ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) . والمملكة تستمد منهجها في كل تعاملاتها من الكتاب والسنة، وقد نصّ النظام الأساسي للحكم، وهو بمثابة دستور المملكة، أنه سلطة مستقلة ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير أحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية، وليس لأحد التدخل في القضاء. وتتمثل هذه العناية الكبيرة بمكافحة الفساد من خلال عدد من القطاعات التي تعنى بتحقيق الأمانة، والنزاهة، والجودة، وسلامة الإجراءات، ومكافحة الفساد، والخيانة، والانحراف في الإجراءات وترسية المشاريع والعقود، وتنطلق هذه المؤسسات من الأهمية القصوى لمحاربة الفساد والقضاء عليه. وذلك انطلاقاً من قول الله تعالى: ( وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ) ، واستشعاراً من القيادة الرشيدة الراشدة في حماية المال العام، ومحاربة الفساد، والقضاء عليه أنشأت ” الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ” ترتبط مباشرة برئيس مجلس الوزراء. أهداف الهيئة: وتهدف الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد إلى حماية النزاهة، وتعزيز مبدأ الشفافية، ومكافحة الفساد المالي والإداري بشتى صوره ومظاهره وأساليبه، ولها في سبيل تحقيق ذلك الاختصاصات التالية: 1. متابعة تنفيذ الأوامر والتعليمات المتعلقة بالشأن العام ومصالح المواطنين بما يضمن الالتزام بها. 2. التحري عن أوجه الفساد المالي والإداري في عقود الأشغال العامة وعقود التشغيل والصيانة وغيرها من العقود المتعلقة بالشأن العام ومصالح المواطنين في الجهات المشمولة باختصاصات الهيئة، واتخاذ الإجراءات النظامية اللازمة في شأن أي عقد يتبين أنه ينطوي على فساد أو أنه أبرم أو يجري تنفيذه بالمخالفة لأحكام الأنظمة واللوائح النافذة. 3. إحالة المخالفات والتجاوزات المتعلقة بالفساد المالي والإداري عند اكتشافها إلى الجهات الرقابية أو جهات التحقيق بحسب الأحوال، مع إبلاغ رئيس الهيئة ـ التي يتبعها الموظف المخالف – بذلك، وللهيئة الاطلاع على مجريات التحقيق ومتابعة سير الإجراءات في هذا الشأن، ولها أن تطلب من الجهات المعنية اتخاذ التدابير الاحترازية أو التحفظية ـ وفقاً لما يقضي به النظام ـ في شأن من توافرت أدلة أو قرائن على ارتكابه أفعالا تدخل في مفهوم الفساد. وفي جميع الأحوال، إذا رأت الهيئة أن تلك المخالفات والتجاوزات تمثل بعدا مؤسسيا لأي من الجهات المشمولة باختصاصات الهيئة، فعليها رفع الأمر إلى الملك لاتخاذ ما يراه. 4. العمل على تحقيق الأهداف الواردة في الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، ومتابعة تنفيذها مع الجهات المعنية، ورصد نتائجها وتقويمها ومراجعتها، ووضع برامج عملها وآليات تطبيقها. 5. تشجيع جهود القطاعين العام والخاص على تبني خطط وبرامج لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، ومتابعة تنفيذها وتقويم نتائجها . 6. متابعة استرداد الأموال والعائدات الناتجة من جرائم الفساد مع الجهات المختصة . 7. مراجعة أساليب العمل وإجراءاته في الجهات المشمولة باختصاصات الهيئة بهدف تحديد نقاط الضعف التي يمكن أن تؤدي إلى الفساد، والعمل على معالجتها بما يضمن تحقيق أهداف الهيئة وتنفيذ اختصاصاتها. 8. اقتراح الأنظمة والسياسات اللازمة لمنع الفساد ومكافحته وإجراء مراجعة دورية للأنظمة واللوائح ذات الصلة، لمعرفة مدى كفايتها والعمل على تطويرها، والرفع عنها بحسب الإجراءات النظامية. 9. إعداد الضوابط اللازمة للإدلاء بإقرارات الذمة المالية، وأداء القسم الوظيفي، لبعض فئات العاملين في الدولة، ورفعها للملك للنظر في اعتمادها . 10. متابعة مدى قيام الأجهزة المشمولة باختصاصات الهيئة بما يجب عليها إزاء تطبيق الأنظمة المجرمة للفساد المالي والإداري، والعمل على تعزيز مبدأ المساءلة لكل شخص مهما كان موقعه. 11. متابعة تنفيذ الالتزامات الواردة في الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية النزاهة ومكافحة الفساد التي تكون المملكة طرفاً فيها. 12. توفير قنوات اتصال مباشرة مع الجمهور لتلقي بلاغاتهم المتعلقة بتصرفات منطوية على فساد، والتحقق من صحتها واتخاذ ما يلزم في شأنها. 13. العمل مع الجهات المعنية ومؤسسات المجتمع المدني على تنمية الشعور بالمواطنة وبأهمية حماية المال العام والمرافق والممتلكات العامة، بما يحقق حسن إدارتها والمحافظة عليها . 14. تلقي التقارير والإحصاءات الدورية من الجهات المشمولة باختصاصات الهيئة ـ وفق ما تطلبه الهيئة ـ ودراستها وإعداد البيانات التحليلية في شأنها، واتخاذ ما يلزم حيالها . 15. دعم إجراءات البحوث والدراسات المتعلقة بحماية النزاهة ومكافحة الفساد، وحث الجهات المعنية ومراكز البحوث المتخصصة ومؤسسات المجتمع المدني على الإسهام في ذلك . 16. إجراء الدراسات والقياسات المتعلقة بتأثير الفساد على التماسك الاجتماعي والتنمية الاقتصادية، وتحليلها، ووضع الوسائل اللازمة لمعالجة ذلك . 17. جمع المعلومات والبيانات والإحصاءات المتعلقة بالفساد، وتحليلها، وبناء قواعد بيانات وأنظمة معلومات خاصة بها. 18. نشر الوعي بمفهوم الفساد وبناء وبيان أخطاره وآثاره وبأهمية حماية النزاهة وتعزيز الرقابة الذاتية وثقافة عدم التسامح مع الفساد، وتشجيع مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام على التعاون والإسهام في هذا الشأن . 19. تمثيل المملكة في المؤتمرات والمحافل الدولية المتعلقة بالشفافية وحماية النزاهة ومكافحة الفساد ، والتعاون مع الهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية العاملة في هذا المجال. 20. تنظيم المؤتمرات والندوات والدورات التدريبية حول الشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد. 21. أي اختصاص آخر يعهد به إلى الهيئة بموجب نصوص خاصة. الاستراتيجية الوطنية: وكان مجلس الوزراء قد وافق على الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد حيث تتركز الاستراتيجية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد على المتطلبات التالية: 1. أن الدين الإسلامي الحنيف – عقيدة وشريعة ومنهج حياة – هو الركيزة الاساسية التي تحكم هذه الاستراتيجية: منطلقات وأهدافاً ووسائل وآليات، وتعد كل عمل من شأنه الانحراف بالوظيفة العامة والخاصة عن مسارها الشرعي والنظامي الذي وجدت لخدمته فساداً وجريمة تستوجب العقاب في الدنيا والآخرة. 2. أن حماية النزاهة ومكافحة الفساد تتحق بشكل افضل بتعزيز التعاون بين الاجهزة المختصة في المملكة بشكل مستمر. 3. أن الفساد يعوق التطوير والتنمية والاستثمارات. 4. أن الفساد مرتبط في بعض صوره بالنشاطات الاجرامية، وبخاصة الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية. 5. أن ظهور مفاهيم وصور ووسائل حديثة للفساد وانتشارها تستلزم مراجعة وتقويماً مستمراً للسياسات والخطط والانظمة والاجراءات والبرامج لمكافحة هذا الوباء الخطر. 6. أن تحقيق حماية النزاهة ومكافحة الفساد يتطلب ايضاً تعزيز التعاون بين الدول انطلاقاً من مبادئ القانون الدولي والمواثيق والمعاهدات الدولية، مما يسهم في تعميق الثقة بين الدول وتهيئة مناخ افضل للعلاقات فيما بينها. أكبر مكافح للفساد: إن محاربة الفساد ومكافحته مطلب ضروري لسلامة الأنشطة الاقتصادي وتطورها وازدهار الدول والمجتمعات، ومطلب جوهري لترسيخ المنافسة العادلة، وإيجاد بيئة مواتية لجذب الاستثمارات وحماية الموارد العامة والخاصة. وولاة الأمر بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ـ حفظه الله ـ حريصة كل الحرص على إقامة العدل ورفع الظلم وحماية المجتمع من جميع أنواع الفساد والإفساد. وهنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ـ حفظه الله ـ يؤكد عند استقباله لكبار المسؤولين والمهتمين بمكافحة الفساد ” بأن هناك إجماعاً في البلاد على محاربة الفساد، ومكافحته، وإن أكبر مكافح للفساد هو كتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأننا لا نقبل فساداً على أحد ولا نرضاه، وأن المملكة قامت على الكتاب والسنة وعلى أسس العقيدة الصحيحة، وإن أكبر محارب للفساد هو تطبيق الشريعة الإسلامية ” . 16 جهة حكومية غير متعاونة: وقد استبشر الناس بالإعلان عن قيام ” الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ” ( نزاهة ) ومباشرتها لأعمالها ومناشطها في أرجاء المملكة، وصاحب ذلك دعم من وسائل الإعلام المتنوعة لرصد النجاحات الأولى للهيئة ولا يزالون يتحرون عن كل صغيرة وكبيرة عما تعمله الهيئة. وحققت بعض النجاحات التي كان للمواطنين دور كبير في كشفها، ولكن واجهت الهيئة مشكلات وعقبات عديدة ومن ذلك عدم تعاون الجهات الحكومية معها، وقدمت بكل شفافية أسماء 16 جهة حكومية تقاعست وتهاونت مع الهيئة وذلك وفق التقرير السنوي الذي قدّمته لمجلس الشورى الذي وصف بعض أعضائه عمل الهيئة بـ ” المتواضع جداً ” بل شككوا في صحة ما ذكرته من أنّ وعي المواطن وراء انخفاض البلاغات، بل رد الأعضاء بأن السبب هو شعور المواطن بالإحباط من عمل الهيئة ملاحقتها الفاسدين والمفسدين. وطالب أكثر من عضو بدراسة أسباب عدم تعاون بعض الجهات الحكومية مع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وانتقدوا ارتفاع عدد الجهات غير المتعاونة إلى 16 جهة مقارنة بتسع جهات العام الماضي، ولا شك أنّ عدم تجاوب جهات حكومية مع الهيئة واستفساراتها، مما أدى إلى تعطيل عمل الهيئة من أهم تلك الصعوبات عدم تمكين موظفي الهيئة من تأدية مهامها، وتتبّع الفساد في تلك الجهات، وعدم تزويدهم بالوثائق. قياس درجة النزاهة والفساد: وتسعى الهيئة الوطنية الوطنية لمكافحة الفساد ” نزاهة ” إلى تنويع مناشطها التوعوية والإعلامية والعلمية ومن ذلك القيام بالدراسات الميدانية، ومدّ الجسور والتعاون مع الباحثين والمتخصصين الذين يعينونها على أداء رسالتها على أكمل وجه وإجراء الهيئة للدراسات والبحوث في مجال حماية النزاهة ومكافحة الفساد، يأتي تنفيذاً لما نصّت عليه الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد وأهداف واختصاص الهيئة بشأن دعم وإجراء الدراسات والبحوث المتعلقة بحماية النزاهة ومكافحة الفساد. وقد قامت بدراسة حديثة بعنوان: ” الفساد المالي والإداري في الجهات الحكومية الخدمية ” آراء عيّنة عشوائية بعدد (1254) من الموظفين والمراجعين، وذلك في ثلاث مناطق بالمملكة هي: الرياض، والشرقية، ومكة المكرمة. وهدفت الدراسة إلى قياس درجة النزاهة والفساد المالي والإداري في الجهات الحكومية الخدمية، وتحديد أنواع الفساد ومستوى انتشاره، والتعرف على أهم الأسباب التي ساعدت على انتشار الفساد في القطاعات الحكومية الخدمية، وعلى أهم التحديات التي تواجه المجتمع السعودي, وتقييم جودة الخدمات التي تقدمها بعض القطاعات الحكومية الخدمية. وقد بيّنت الدراسة أن الفساد يعتبر من بين التحديات الأبرز للمجتمع كقضايا تعاطي المخدرات، والإرهاب، ومشكلة الإسكان، والبطالة، والفقر. وتبين من خلال الدراسة أن الواسطة جاءت أكثر أنماط الفساد انتشاراً في القطاع الحكومي الخدمي بحسب (62.91%) من المشاركين في الدراسة، وتأتي اللامبالاة بالعمل في المرتبة الثانية بنسبة (19.36%)، تليها الرشوة، في حين أن الاختلاس والتزوير يتذيلان القائمة كأقلّ أشكال الفساد. وأشارت الدراسة وفقاً لنتائج العينة أن ضعف الوازع الديني والأخلاقي، هو أحد أهم الأسباب التي ساهمت في انتشار الفساد المالي والإداري في القطاع الحكومي الخدمي، يليه تباعاً عامل ضعف أداء الجهات الرقابية والقضائية، والتساهل في تطبيق العقوبات النظامية، ووجود أنظمة إدارية ومالية معقّدة وقديمة، وغياب الشفافية (عدم الإفصاح عن المعلومات المتعلّقة بإجراءات وقرارات الجهات الحكومية الخدمية)، وحصل عامل القبول الاجتماعي لبعض مظاهر الفساد على أقلّ نسبة. وقد تبيّن أن التجربة الشخصية تُعدّ المصدر الأكبر لمعلومات المبحوثين حول ظواهر الفساد في القطاع الحكومي الخدمي، ويمثل ذلك ما نسبته (41.5% ) من العينة، وهو ما يعطي دلالة على معاناة العينة من الفساد شخصياً، أكثر من كونه حديث يتم تداوله في المجالس ووسائل التواصل الاجتماعي، أما المصدر الثاني للمعلومات حول ظواهر الفساد فكان حديث المجالس بنسبة (26.20%)، ثم وسائل الإعلام بنسبة (16.68%)، وأخيراً شبكة الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي. ورأت (29.04%) من عينة الدراسة أن ممارسات الفساد تحدث في المستويات الإدارية الوسطى، حيث تتركّز مُعظم العمليات الإدارية التنفيذية، بينما يعتقد (22.85%) أن التجاوزات المالية والإدارية تحدث في المستويات الإدارية العليا، وبالمقابل يعتقد قلة من المبحوثين أن التجاوزات تحدث في المستويات الإدارية الدنيا. وأشارت الدراسة إلى أن (39.20%) من عينة الدراسة يرون أن الآونة الأخيرة قد شهدت تراجعاً في درجة الفساد، في حين يرى (19.68%) من المبحوثين أنها ارتفعت، وبالمقابل يرى (19.92%) من عينة الدراسة أنها لم تتغير. وقدمت الدراسة عدداً من التوصيات منها، إعادة النظر بجدّية في الإجراءات المناسبة للحد من ظاهرة الواسطة، لا سيما أن لها أبعاداً كبيرة ولاحقة على بيئة العمل الحكومي، كما أوصت بضرورة تكثيف الحملات التوعوية التي تعني بتقديم المعلومات الضرورية حول مخاطر الفساد المالي والإداري، وكيفية اكتشافه، والإبلاغ عنه، مع مراعاة تنويع الوسائل التوعوية بصورة ملائمة للوضع الاجتماعي، كما أكدت الدراسة على إعادة النظر في عقوبات جرائم الفساد المالي والإداري، حيث أن أكثر الإجابات كانت تؤيّد بشدّة العقوبات المالية العالية، بالإضافة إلى ضرورة العمل على تشجيع الجهات الحكومية الخدمية على تفعيل الحكومة الإلكترونية؛ لتسهيل الإجراءات وسرعة تقديم الخدمة، وحث تلك الجهات أيضاً على إجراء دراسات سنوية؛ لتحديد مكامن الخلل والقصور في نفس الجهة. واتفقت نتائج هذه الدراسة إلى حدٍ كبير مع نتائج الدراسة التي قامت بها “نزاهة” عام 1435هـ، بالتعاون مع معهد الملك عبدالله للبحوث والدراسات الاستشارية في جامعة الملك سعود. الطريق إلى إصلاح الفساد: وقد يسّر الله لي القيام بدراسة بحثية بعنوان: ( الطريق إلى إصلاح الفساد ) حيث خرجت فيها إلى أن الفساد شر كله يدمر الإنسان، ويهدم الكيان، ويهلك الحرث والنسل، ويقتل في الناس قيم العدل والإيثار والإخلاص، وتحقيق الجودة الإتقان، وأن المشكلة ليست في وجود الفساد، بل في عدم دفعه من قبل العلماء والمفكرين والسياسيين والباحثين عن الإصلاح والحقيقة، مطالبة جميع المؤسسات من رفع مستوى المهنية والثقافية في أنظمتها، والاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في مكافحة الفساد وأهله. وأكدت الدراسة على ضرورة التصدي لظاهرة الفساد التي تهدد الوطن والأمن والدولة، والشعب وتحديد وتأطير أسباب الفساد بكل صوره السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية، وأنه ينبغي تحديد مظاهر الفساد كحالة فردية، أو كظاهرة اجتماعية وبيان أن تلك الظاهرة موجودة في مجتمعنا ونحتاج إلى وقفة صارمة، فبسببها انتهت المظالم وضاعت الحقوق. وأوضحت الدراسة بضرورة عقد المؤتمرات والدورات حيال هذا الموضوع الذي يهدد الأمن الوطني، والعناية به في الأبحاث والدراسات الجامعية الجادة، وفي مراكز البحوث الاستراتيجية. وشددت الدراسة على إعطاء كل ذي حق حقه في المجتمع، خاصة الموظفين من حيث منحهم ترقياتهم والدورات الخاصة بهم، والأخذ بمبدأ العدل والمساواة بين الجميع، وأن يدرك كل مسؤول أن الفساد يرتبط ارتباطاً وثيقاً بأمن الوطن واستقراره السياسي والاجتماعي، وأكثر ما يفرح بانتشار الفساد هم الحاقدون على الوطن واستقراره الأمني. وبعد .. نؤكد أن الفساد لا دين له ولا هوية ولا مذهب إنما هو يحصل في المجتمعات كلها، وفي الدول كلها، فليس مختصاً بدولة معينة دون أخرى، ولا في مجتمع معيّن ولا في ديانة معيّنة. ولكن ما يميّز الإنسان المسلم استشعاره واعتقاده وإيمانه بأن الله ـ سبحانه وتعالى ـ علّام الغيوب يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وهو الذي يعلم السر وأخفى، وما يكون وما هو كائن، كما هو مطلع على كل شيء من قول أو عمل. إن التقاعس والتأخر في تنفيذ المشروعات التي رصدت لها الدولة ـ أيّدها الله ـ ميزانيات طائلة تعد فساداً، فمن غير المعقول تتأخر المشروعات بدون متابعة ومحاسبة من المسؤولين عنها، وأنه من الأهمية بمكان أن تبادر الجهات الرقابية سواء في هيئة الرقابة والتحقيق أو هيئة مكافحة الفساد بالعمل الجاد على متابعة المشروعات المتأخرة وبحث أسبابها؛ لأن ذلك يعد من الأولويات الضرورية المهمة. وأن يطلب من كل جهة حكومية بيان بمشروعاتها مفصلة والوقوف عليها ميدانياً من جهة الاختصاص والعمل على معالجة المشكلات، وأنه لمن المؤسف تأخر كثير من المشروعات الحيوية سنوات طوال دون متابعة، على الرغم من الدعم المالي الكبير من الدولة.
مشاركة :