حتى الآن، لم تجر مؤسسة بحثية ما، إحصاءً عن أحب نجوم السينما الحاليين إلى الجمهور من دون ورود اسم مات ديمون بين أول الأسماء. فالممثل الذي يحتفل في أكتوبر/تشرين الأول المقبل بعيد ميلاده ال 46، يتميز بالملامح الجذابة من دون وسامة زائدة على الحاجة، وبالتلقائية والحركة الطبيعية أمام الكاميرا وخلفها، كما أن مجمل أفلامه منذ بدايته في عالم التمثيل، تضعه في شخصية الشاب أو الرجل الذي يمكن الوثوق به. وُلد مات في مدينة بوسن باسم ماثيو بايج ديمون، ومن بين جيرانه عائلة كانت أفليك. هو وابنها بن أفليك، باتا صديقين منذ ذلك الحين وحتى اليوم. كلاهما أحب التمثيل وظهرا في أفلام عدّة، لكنهما لعبا معاً فيلماً واحداً هو غود ويل هانتينغ سنة 1997. خطوات مات ديمون كانت أسرع في الوصول من خطوات بن أفليك، فمباشرة بعد ذلك الفيلم وضعه المخرج فرنسيس فورد كوبولا في بطولة فيلمه الجيد صانع المطر وعرف سريعاً بطولات أخرى أداها بتلك العفوية والتلقائية ومن دون اغتراب كبير عن شخصيته. كان على موعد مع سلسلة بورن الجاسوسية التشويقية المعروفة، لاعباً في 3 أفلام بدءاً من العام 2002 شخصية الجاسوس الذي فقد ذاكرته وتحاول المخابرات الأمريكية قتله لسبب لا يتذكره. ممثل يكاد لا يتوقف عن العمل، فمنذ العام 1988 عندما ظهر مع جوليا روبرتس في دور صغير في فيلم ميستيك بيتزا وإلى اليوم ظهر في 74 فيلماً، كثيرٌ منها عرف نجاحاً كبيراً من بينها سلسلة بورن وجرأة حقيقية والمتخابر والمغادر فضلاً عن المريخي الذي أنجز به نجاحاً واسعاً. تحدثنا معه عن بعض أفلامه ورسالاتها الاجتماعية والسياسية، فهو يرى أن السينما تستطيع التأثير وتشكيل الوعي لدى المجتمع.. } زراعة البطاطا فوق كوكب الأحمر كان ناجحاً في المريخي، لكن الأكثر نجاحاً كان الفيلم نفسه. كيف تنظر إليه؟ - شخصياً، أحببت أفلام الخيال العلمي دائماً، خصوصاً تلك التي تشبه أو تنتمي إلى موضوع البحث في الفضاء وليس موضوع المغامرة الفضائية. أنا أقرب إلى مواضيع ستار تريك عن مواضيع حرب النجوم - ستار وورز. وأتيح لي في الأعوام الأخيرة أن أظهر في فيلمين من هذا النوع. الأول بين النجوم لكريستوفر نولان والمريخي لريدلي سكوت، فذلك النوع الذي يستهويني لأنه يقدم معضلة الشخصية في المغامرة وليس المغامرة وحدها. في بين النجوم تلك الرحلة الشاقة والطويلة بحثاً عن عالم أفضل من الأرض وهي رحلة تفيد في النهاية أن الأرض هي كل شيء ولا يوجد كوكب صالح للحياة على هذا النحو إلا هي. } إذاً، كيف نحميها من مخاطر البيئة، هو سؤال مشروع في ذلك الفيلم؟ - طبعاً. نحن أضررنا بالأرض كثيراً، وأساء الإنسان إليها وإلى نباتاتها وحقولها وجبالها وأنهارها وحيواناتها ولنفسه أيضاً. ذلك الفيلم يحمل تلك الرسالة بالفعل، وهو أمر لا يحمله المريخي الذي يحمل رسالة أخرى، وهي أن بإمكان كل البشر إنجاز اكتشافات مهمة وجديدة، ومنها زرع البطاطا في المريخ مثلاً. } هل تتبنّى القضايا البيئية مثلاً؟ - أنا أؤيدها بشدة، لكنني لا أملك الوقت الكافي لمنحها اهتماماً أكبر، إلا أنني بالتأكيد على الخط نفسه مع رفاقي الأكثر نشاطاً مني في إثارة تلك القضايا. } أعتقد أن هناك ممثلين وسينمائيين أمريكيين يتبنون قضايا بيئية أو سياسية، أكثر من نظرائهم الأوروبيين أو الآسيويين. هل لاحظت ذلك؟ - لا. هل أنت متأكد؟ } نعم، وأعتقد أنني أعرف الجواب: النجوم الأمريكيون هم العالميون، لذلك ما يقومون به من خدمة لقضايا اجتماعية مختلفة وسياسية أيضاً منتشر أكثر. - ربما يكون هذا صحيحاً، لم أفكّر في هذا الوضع من قبل. لا أعتقد أنني أستطيع الحديث فيه جيّداً. إذا كان ما تقوله صحيحاً فأعتقد لأننا نعيش الرغبة في توظيف تأثيرنا كممثلين ناجحين في أفلام ذات قضايا تهمنا كأفراد ومجتمعات وأعتقد أننا نستغل وجودنا كنجوم، وأقول ذلك بتحفّظ، لأجل هذه الغاية. } أحد أفلام القضايا التي ظهرت فيها هو أرض موعودة، وطرح قضية المزارعين الذين يتعرضون للنصب فيسخرون أراضيهم بسبب أنشطة غير قانونية. كيف ترى الفيلم اليوم من هذه الزاوية؟ - أحب هذا الفيلم على الرغم من أنه لم يحظ بالتقدير الجيد. جلست وجون كرازنسكي، كاتب السيناريو، نتعلم ما كنا لا نعرف عنه مطلقاً حول القضية التي يثيرها الفيلم. كنا أشبه بتلاميذ الابتدائية نريد أن نتعلّم كل شيء، لهذا السبب كان كل ما يورده الفيلم حقيقياً. كانت المياه تشتعل فعلاً، حين وضعت شركات الغاز الطبيعي يدها على بعض الأراضي لاستثمارها فاستخرجت الغاز مما لوث المياه وصار بالإمكان إشعالها. وجدنا أن المشكلة أو بالأحرى بعض المشكلات الرئيسية تكمن في كيف تتعامل مع الغاز المستخرج وكيف تتعامل مع التلوّث الناتج عن الفضلات الكيماوية. } هل تعتقد أن السينما تستطيع خلق وعي مؤثر في هذه القضية؟ - أعتقد أنها تفعل ذلك كل يوم. لو أخذنا فيلماً مثل أرض موعودة الذي تحدثت عنه، ستجد أن هناك من يخرج من الصالة وقد ازداد وعياً. كثير منهم في الواقع. وأنا أعتبر أن للسينما مسؤولية كبيرة في خلق الوعي الجماعي للناس وتستطيع مساعدتهم في تحقيق حياة أفضل، ولو أن هذا يتطلب جهوداً مشتركة خارج نطاقها. وكلما قدمت السينما مسؤوليتها بنجاح أثرت في المشاهدين والرأي العام، لكن يجب على هذه القضايا أن تجد الأفلام التي لا تعرف كيف تتواصل مع الجمهور. على الرسالة أن تكون في الوقت ذاته موجهة للجميع وليس لفئة معينة. } فيلمك الذي سينطلق للعروض قريباً جيسون بورن هو الرابع لك ضمن سلسلة بورن، وهناك فيلم خامس ظهرت به في مشهد واحد قصير. ما الجديد؟ - يتذكر بورن من هو. فكما تعلم قامت القصّة منذ الفيلم الأول على فقدان عميل المخابرات الأمريكية جيسون بورن لذاكرته، وطوال تلك الأفلام كان يبحث عن هويته وحقيقته، وكان هناك مسؤولون في الجهاز الأمريكي يريدون تصفيته. وبالتالي كان يدافع عن نفسه من دون أن تكون لديه الصورة الكاملة لا عن نفسه ولا عن الآخرين. هذه المرة قررنا أن نعيد له ذاكرته. فيبدأ بالتعرف إلى نفسه وتذكر المهمّة التي طلبت منه. إنه اتجاه جديد يُتاح لهذه الشخصية. } المخرج نفسه لكنَّ باقي الممثلين جدد، أليس كذلك؟ - بلى. بول غرينغراس أنجز في رأيي أهم أفلام هذه السلسلة، وبالنسبة للممثلين الآخرين هناك أليسيا فيكاندر وتومي لي جونز وجوليا ستايلز ونسنت كاسل. } لم تتحول إلى الإخراج كما كنت تتمنى. - قبل سنة أوشكت على اختيار موضوع لكي أخرجه، لكني قررت ألا أفعل. كان هناك مشروع أعمل عليه وأردت أن يكون الأول في هذا الاتجاه، لكنني فكّرت أنني سأنفصل عن أولادي لعام كامل إذا ما فعلت، إلى جانب أن تلك الفترة كانت نشطة بالنسبة إليّ، إذ مثلت إليسيوم ونظرية الصفر وأرض موعودة ورجال النُصب على نحو متوالٍ لذلك لم يكن عندي الوقت لكي أتفرغ لهذا الشأن. } في المريخي، نجدك منعزلاً وحدك فوق الكوكب الأحمر. ألا تشبه تلك الفكرة عزلة توم هانكس في منبوذ الذي عاش وحده على جزيرة طوال 4 أعوام؟ - هذه ملاحظة فكرت بها وسمعتها أيضاً من آخرين غيرك. هناك تشابه بالفعل بين الحالتين، لكنني أعتقد أن كلاً من الفيلمين يستند إلى حكاية روبنسون كروزو المعروفة طبعاً بأحداث مختلفة. } هل تعتقد المخرج ريدلي سكوت كان يفكر في روبنسون كروزو حين أخرج المريخي؟ - أنا متأكد، فقبل بدء تصوير الفيلم، في إحدى جلسات التحضير، قال لي سكوت: طالما رغبت في إخراج حكاية روبنسون كروزو وأعتقد أن المريخي هو أقرب فرصة لي لتحقيق هذا الحلم. هذا ما قاله لي، حينها أفقت فعلاً على أن هذا التقارب بين الفكرتين موجود. } ريدلي سكوت صرح بعد عرض الفيلم بمدة، أنه لم يكن يتوقع له النجاح. هل كنت تفعل؟ - يقال إنه صرح بذلك لكني لست واثقاً، فهناك كثير مما يقال على ألسنة الفنانين هذه الأيام غير صحيح. بالنسبة لي كنت متأكداً من أنه لن يسقط أرضاً لأن فيه عناصر درامية لم يسبق للسينما تناولها، أهمها قصّة الملاح الذي وجد نفسه وحيداً على سطح المريخ. أعتقد أن السبب المهم الآخر لنجاح الفيلم أنه يرفع آمال البشر في مستقبل أفضل، وذلك خلافاً لكثير من الأفلام هذه الأيام. } لديك فيلم جديد مع المخرج زانغ ييمو بعنوان الجدار العظيم. كيف وجدت التعامل مع المخرج الصيني؟ - دائماً ما أفكر قبل العمل مع مخرج لم يسبق لي أن مثلت له، هل سيكون من النوع الذي يحب أن يتحدث عما في باله أو من النوع الذي يقتصد في الحديث؟ الاقتصاد في الحديث أو الانطواء على الذات ينجم عنه ترك الممثل لاهثاً وراء معرفة رأي المخرج بعمله. المخرج هو جمهور الممثل الأول. } وماذا وجدت؟ - وجدت مخرجاً واضحاً يعرف مباشراً ما يريد وكيفية التواصل مع الممثل على الرغم من صعوبة التعبير بالإنجليزية أو أنا بالصينية. } هل مازلت على تواصل مع صديقك بن أفليك؟ - طبعاً. } هل شاهدت له باتمان ضد سبايدرمان؟ وما رأيك في الفيلم؟ - سعدت له لأنه مثَّل هذا الفيلم. كان متردداً حسب علمي في البداية. الرأي العام سارع باستهجان مسألة أن يقوم هو بدور باتمان، لكنه كان يريد القيام به رغم كل شيء. قلت له إنه من الأفضل أن تجرّب هذا النوع من الأفلام على أن تترك هذه الفرصة تمضي بعيداً عنك. بن أفليك مخرج وممثل جيد جداً وشخصية رائعة ولا أقول ذلك عن مجاملة، بل عن معرفة وأنا سعيد له.
مشاركة :