(1) يقول عادل الجوجري على لسان د. مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا الأسبق ومهندس اقتصادها قد يتذرع البعض أحيانًا بالمؤامرة ولكن المؤامرة لم تعق الصين من التطور، كما لم تعق أيرلندا أو ماليزيا من ذلك أيضا بحكم اختلافهم سياسيا مع أمريكا، هذه فرضية يجب محوها من قاموسنا انتهى الاقتباس. (كتاب النمر الآسيوي - مهاتير محمد، من شاب متمرد إلى بطل إسلامي). ربما يمكننا أن نطرح سؤالاً هنا وهو: كيف وصل هاجس المؤامرة إلى هذا (البعض) وتمكن منه، بل ربما نستطيع أن نذهب أبعد من ذلك قليلاً ونقول أصبح مسكوناً به؟ هاجس المؤامرة ربما انتقل من القاموس السياسي ليصبح من مكونات الثقافة المجتمعية واستذكر هنا طرفة حصلت في فصلنا الدراسي في المرحلة الثانوية سأرويها لك عزيزي القارئ لترى كيف يمكن أن يكون الفرد مرآة عاكسة لمجتمعه وثقافته والتي كان هاجس المؤامرة أحد مكوناتها البارزة آنذاك. قال المدرس للطالب: لقد تعبت معك يا ابني، طلبت منك أكثر من مرة أن تهتم بدروسك وواجباتك وطلبت منك أن تهتم بنظافة هندامك وشعرك.. وقاطعه الطالب: أستاذي الكريم كيف تريدني أن أهتم بدروسي ونظافة هندامي وشعري والاستعمار يحتل بعض أراضينا ويحيك لنا المؤامرات! إجابة الطالب ربما لا تبتعد كثيرا عن حدود السذاجة والبراءة، فقد كانت تعكس درجة الخطاب السياسي السائد حينذاك. ويمكننا القول بأن تأثير الثقافة المجتمعية على الثقافة التنظيمية لا يمكن تجاهله، وإليك هذا الموقف. (2) اعتاد المدير التنفيذي وفي كل اجتماع مع نوابه ومساعديه أن يردد مقولته الشهيرة والتي حفظها المتعاملون معه وأخذوا يتندّرون بها وهي: مجلس الإدارة لا يحبني، بل أنه يحيك لي المؤامرات لكي يطيح بي، المجلس يرفض أي مشروع أرفعه إليه، لذا قررت أن لا أحرّك أي ساكن وأترك الأمور تسير كما هي لكي لا أعطي المجلس فرصة لتنفيذ مؤامرته وإقالتي من منصبي. بعد فترة اجتمع رئيس المجلس مع المدير ونوابه ومساعديه وطلب منهم إعداد خطة لإعادة هندسة عمليات المنظمة بغية التطوير الشامل لأنشطتها. في نهاية ذاك الاجتماع فتح الرئيس المجال للأسئلة. وكان السؤال الأول: هل نضمن أن الخطة التي سنعمل على إعدادها ستناقش من قبل المجلس؟ والسؤال الآخر كان لماذا يتعامل المجلس معنا بهذا الأسلوب فهو دائم الرفض لمشاريعنا وكأنه، وكما فهمنا، يحيك لنا المؤامرة لكي يقيلنا من مناصبنا؟ ضحك الرئيس وهو يردد: مؤامرة! هل نحن في معركة سياسية؟ هذه أوهام ربما سكنت البعض!! ربما هي ذريعة أو خوف من الفشل! وتابع الرئيس: أؤكد لكم أن هذا الهاجس لا أساس له والمجلس لم يستلم منكم أي مشروع خلال الثلاث سنوات الماضية لهذا أتى بمبادرة إعادة الهندسة هذه. وأخذ في الضحك مرة أخرى وهو يردد: مؤامرة! إنه إبداع الفاشلين، ليتهم يبدعون في العمل. (3) مرة أخرى نستعين بمثال لأحد الشعوب الآسيوية التي فعلاً تعاني من (المؤامرة) لكنها من نوع آخر ونقصد هنا الكوارث الطبيعية وبالتحديد الزلازل. ولكن هل بقي هذا الشعب يندب حظه ويمتنع عن العمل والإنتاج وظل تحت سيطرة هاجس المؤامرة تلك؟ ونقصد هنا الشعب الياباني. هذا الشعب الذي يعشق العمل ويؤمن به كأحد الطقوس الدينية لديه، بمعنى أن العمل لديه عبادة وهذا مترجم إلى فعل وليس مقولة كما يرددها البعض. في هذا السياق يقول د. عبدالله المغلوث تتعرض اليابان إلى نحو 1500 هزة أرضية سنويا بدرجات متفاوتة. هذه الهزات منحت اليابان قوة ومناعة ضد اليأس. الهزات في حياتنا تزيدنا قوة انتهى الاقتباس. السؤال هنا: كيف سيكون الوضع بالنسبة للشعب الياباني لو نظر إلى هذه الكوارث الطبيعية التي تتعرض لها بلاده على أنها مؤامرة؟ هل كان يجلس دون أي عمل وتتوقف عجلة الإنتاج والإبداع لديه لأنه لا جدوى من ذلك فهناك الهزات الأرضية التي ستأتي وتدمر كل شيء؟ ما رأيك عزيزي القارئ؟
مشاركة :