اقترحت علينا صديقة زوجتي الذهاب إلى مطعم تركستاني قريب من منزلنا في ميامي. وقتها لم أكن أعرف شيئا عن تركستان، ولا عن الأكل التركستاني، أو تاريخ تركستان. ذهبنا إلى المطعم وذُهلنا بجمال الديكورات والنقوش الإسلامية واللوحات الفنية والجداريات وقطع الأثاث ذات العبق التاريخي. شعرنا لوهلة أننا دخلنا متحفا أثريا وليس مطعما. جلسنا وأحضروا لنا قائمة الطعام أو "المنيو" وطلبنا: منتو، لغمن، فرموزا، شيش كباب، وطبعا الرز الشهير واللذيذ "الرز البخاري"، وكل هذه المأكولات شهيرة جدا في المملكة، خاصة في منطقة الحجاز، أما الرز البخاري فهو مشهور في كل مناطق المملكة. كنت أقول إن الطعام يعطيك لمحة عن تاريخ الشعوب، وهذا ما جعلني أعود إلى البيت وأبحث عن تاريخ منطقة تركستان، وهو تاريخ عظيم لا يمكنني اختزاله في مقال قصير، فيه قصص وأحداث وأسماء أثرت على مسار العلم في العالم كله. ولكن هناك سؤال كان دائما "يرن" في رأسي: لماذا المجتمعات لديها قابلية بتبني مأكولات وأطباق من الخارج لتكون جزءا من هويتها؟ سألت صديقي وزميلي في "الوطن" الدكتور عبدالله المطيري: لماذا أصبح الحمص والمتبل وورق العنب والرز البخاري والمشاوي عناصر مهمة في مائدة الطعام السعودية أو الخليجية؟ فقال لي بما معناه "إن المجتمعات لا تخشى من الطعام ولا تتعامل معه بحذر كما تتعامل مع الدين والعادات والتقاليد". وهو كلام منطقي جدا، فلن تجد من يلومك لأنك أكلت "طبخة" هندية أو صينية أو إيطالية! بينما لو "شافك أحد" تمشي في الشارع بملابس صينية لقال الناس: فلان "انهبل". هذه الأريحية تجاه الطعام تجعلنا نتبنى أي شيء يعجبنا، ولن نجد من يلومنا أو يطالبنا بالحفاظ على مأكولاتنا الشعبية بحجة عدم اندثارها، فكل إنسان حر فيما يأكل، ويبدو أنها الحرية الوحيدة المقبولة في عرفنا.
مشاركة :