سجـناء خارج أسـوار السجـن

  • 1/21/2014
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

تـتواجد في كل إنسان نزعات للخير وأخرى للشر، وخلال معترك الحياة ينتصر أحدهما على الآخر، فبينما يتغلب البعض على نزعة الشر داخله، نجد أن آخرين يقعون فريسة ملذات الدنيا أو المعتقدات الخاطئة ويرتكبون تلك الأعمال المحرمة التي تتسبب في الإضرار بالمجتمع ككل أو بأحد أفراده، وينتهي بهم المآل إلى أن يقبعوا داخل أسوار السجن. وبغض النظر عن العوامل الوراثية أو البيئية التي تدفع الناس لارتكاب الجرائم، يظل البعد عن الله وقلة الإيمان هما السبب الرئيسي في الوقوع في حبائل الشر والمعصية. إن عقوبة السجن ليست أمـرا سهـلا، فهي تعني الحرمان من الحرية، وقد يتم وضع شخص في السجن ليخرج منه أكثر إجراما وفسادا عما كان من قبل، فقضاء وقت ما داخل أسوار السجن طال أم قصر يعد مدخلا يفتح الباب على مصراعيه لأن يتشرب السجين التجارب المريرة للسجناء الآخرين ويجعله فريسة لتجاربهـم الأليمة، كما أن تجربة السجن المريرة قد تسبب للمسجون إحباطا نفسيا يقلل من درجة استجابته للإصلاح، وقد تجعله عندما يخرج ناقما على مجتمعه بسبب سنوات الحرمان والعقاب التي قضاها داخل جدران زنزانته. تشق المملكة طريقها بثبات نحو مناهج الإصلاح وخاصة في مجال القضاء، كما أن وزارة الداخلية بدورها قد بدأت ومنذ سنوات في تبني سياسة الإصلاح خير من العقاب، والتي يعزى فيها الفضل بعد الله عز وجل إلى الأمير الشاب محمد بن نايف، ممثلة في جعل وزارة الداخلية تسير بقدمين في آن واحد في تنفيذها لسياسة العصا والجزرة، فمن خلال تطبيقها لمنهج المناصحة نجحت بفضل الله في إعادة الكثيرين ممن تم التغريـر بهم إلى جادة الصواب في الوقت المناسب، وفي الوقت نفسه لم تـتراجع عن استخدام قبضتها الأمنية الصارمة لبسط الأمن والأمان في ربوع المجتمع السعودي. غير أن أدوات المنهج الإصلاحي لا تـقف عند حدود بعينها ولا تختص بمجال دون الآخر، فعلى سبيل المثال، تطبق بعض الدول منهج «الإفراج المشروط» والذي يتم بمقتضاه ومن خلال لجان تسمى «لجان الإفراج المشروط» تقييم المسجونين بعد قضائهم فترة عقوبة تصل لنصف المدة، وتقوم هذه اللجان ومن خلال معيار يتكون من عدة نقاط بتقييم سلوك السجين خلال النصف الأول من محكوميته، فإن اجتاز هذا التقييم يمنح حق الإفراج المشروط، وذلك مقابل التزامه بشروط مشددة جدا عند خروجه من السجن، أولها أن يظل خاضعا لمراقبة الجهات المختصة، إضافة إلى تعهده بعدم ارتكاب أي أعمال خارجة عن القانون مهما بلغت بساطتها (بعض الدول تأخذ في الاعتبار حتى المخالفات المرورية)، وإلا فإن حق الإفراج المشروط يسقط عنه ويعود إلى السجن ليكمل فترة عقوبته الأصلية، وعلى الرغم من شدة وصرامة هذه الشروط إلا أن المغزى منها هو إجبار السجين على تغيير سلوكه من خلال احتكاكه المباشر بمجتمعه وليس داخل السجن، فالحرية المشروطة التي استنشق عبيرها تمنحه دوافع قوية لضبط سلوكه حتى لا يفقدها، وبعد فترة المراقبة الطويلة والصارمة يعتاد على طريقة حياته الجديدة التي تكاد تخلو من الأخطاء، يعود بعدها للمجتمع مواطنا صالحا قادرا على بناء وطنه بإيجابية، وبهذا يصبح السجن تجربة إصلاحية بكل معنى الكلمة. ويجدر التنويه أن أحقية الإفراج المشروط من عدمه يقررها القضاة عند الحكم عليه في الجناية الأصلية، فمثلا في الأعمال الإرهابية أو القتل المتعمد يصدر القضاة منطوق الحكم على الجريمة ثم يتضمن عبارة «يسقط حق المذنب في الإفراج المشروط» وبالتالي فإنه يقضي فترة العقوبة كاملة. من المسلم به أن الجهات المسؤولة والمختصة بمتابعة أحوال المساجين تنوء بأعبائها وينفد منها الوقت خلال ممارستها لتلك المهام، ولكن تطبيق مثـل هذه التجارب قد يعود بالنفع على المجتمع، فالسجون تحتاج لخطـط مستقبلية لتغيـير سلوك السجناء بدلا من تمضية الوقت في محاولة علاج اعوجاجهم وعقابهم بأشد الطرق صرامة. والإفراج المشروط ليس بدعة أو مجرد فكرة لمشروع خيالي، بل هو واقع تطبقه الكثير من دول العالم، وفي اعتقادي أنه آن الأوان لاقتباس تجارب الآخرين الناجحة ومحاولة تطبيق أفكارهم، فقد أثبتت نجاحا وبرهنت على قدرتها على دعم استقـرار المجتمع وحماية أبنائه.

مشاركة :