لا يكل المصور الفوتوغرافي عن الترحال في البلدان المختلفة، قاصدا التقاط أجمل الصور، وناقلا عبر عدسته الغنى الثقافي الذي تمتاز به البشرية، والشعوب بعضها عن البعض الآخر، في هذا الحوار تحدثنا الفوتوغرافية البحرينية سوسن طاهر، عن رحلتها إلى (لاداخ) الهندية في (سبتمبر 2015)، التي كانت بصحبة فريق حياة لرحلات التصوير وهم مجموعة فوتوغرافية من مختلف دول الخليج العربي، بقيادة الفوتوغرافي السعودي عبدالآله آل مطر. تسرد لنا طاهر تفاصيل هذه الحكاية، بكل صعوباتها وجمالياتها ورقة تفاصيلها، إذ تشرع: كنت من بين أوائل المصورين العرب الذين يزورون منطقة (لاداخ)، المشهورة بكونها (تبت الهند الصغيرة)، والتي تقع على ارتفاع (3000) متر فوق مستوى سطح البحر.. في هذه التجربة التي أصفها بالمغامرة الفريدة والخطرة، قطعنا طريق الصعود المتعرج والزلق بصعوبة الصاعد إلى جبال (الهيمالايا) مستخدمين السيارة، وسط تساقط الثلوج، ونحن نصعد إلى أعلى ممر يمكن القيادة فيه، والبالغ ارتفاعه (5600) متر، لنعود نزولا إلى منطقة تسمى (ترتك)، ذات طبيعة خلابة وبشر طيبين، يدينون بالإسلام، ويقطنون منطقة تقع على حافة الحدود الهندية الكشميرية. تتابع سردها مملوءة بدهشة الراوي الذي عاش تفاصيل روايته: بدأت رحلتي بوصولي إلى مطار (ليه) التي تعتبر عاصمة (لاداخ)، الأخاذة بدهشتها وجمال طبيعتها المحاطة بسلسلة جبال (الهيمالايا). هذه المدينة تقع في إقليم (جامو وكشمير) شمال الهند، وبالقرب من هضبة (التبت) القريبة من الصين. تقطنها غالبية بوذية ومسلمة، إلى جانب أقلية مسيحية وهندوسية وسيخية، من الذين هاجروا حديثا إليها، وتجمعهم اللغة المحلية (اللاداخية) فيما يدرسون في المدارس باللغة الهندية أو الأوردية إلى جانب الانجليزية. تفاصيل ثقافة وحياة.. تواصل طاهر سرد مشاهداتها في الأيام الأولى، ففي اليوم الأول، وخلال تجولها في الأسواق رأيت المعابد والمساجد جنبا إلى جنب، فهذه المدينة من المدن القلائل التي تخلو من العنف الديني، إذ يمتاز اللاداخيون -نسبة إلى (لاداخ)- بتسامحهم وحبهم، ثم في اليوم الثاني، حضرت سوسن مهرجانا شعبيا سنويا يقام في (ليه) والمناطق المجاورة، إذ يقام المهرجان (من 20 إلى 25 سبتمبر) من كل عام في هذا المهرجان الذي يحضره مئات المصورين، من جميع أنحاء العالم، تجوب المواكب الشعبية أنحاء المنطقة، مخترقة سوق المدينة، وصولا إلى الساحة المخصصة للاحتفال، وهناك تقام الرقصات الشعبية، ويصدح الغناء، وتعزف الموسيقى التقليدية، ويرتدي السكان الزي (اللاداخي) التقليدي الملون، ويمارسون ألعابهم، كالرماية، ولعبة البولو، وغيرها. وتفصل طاهر حول الزي التقليدي لـ (اللاداخيون) إذ تقول الثوب التقليدي الأكثر شيوعا هو (الغونشا) وهو لباس مصنوع من الحرير الصيني الثقيل، الذي ترتديها النساء، إلى جانب تزينهم بالمجوهرات المزينة باللآلئ والفيروز والمرجان والعنبر، وأقرطة الآذان، وغطاء الرأس المسمى (بيرك)، والذي يعد عنصر الجذب المصنوع من جلد الخراف، والمصمم على شكل أفعى الكوبرا، المطلي باللون الأسود، المزين بأحجار الفيروز. أما حول عرقيات وطوائف هذه المنطقة فتبين لنا سوسن إن أكثر طائفة ملفتة للنظر هي (الدروكبا)، المكونة من (2500) شخص، يعيشون في ثلاث قرى، بوادي (دها هانو)، في (لاداخ)، وهذه الطائفة مختلفة تماما عن سكان (لاداخ) من حيث الشكل، والعادات والتقاليد، إذ يقول المؤرخون بأن هذه الطائفة هم الأحفاد الآريين الوحيدين بالمنطقة، وهم على وشط الإنقراض!، وتتابع متوغلة في عاداتهم وتقاليدهم تنعكس ثقافة هذه الطائفة في أزيائهم وحليهم الرائعة التي تلبس في المهرجانات بشكل خاص، إذ ترتدي النساء الفساتين الصوفية، وتزين نفسها بالأصداف والخرز والفضة والمجوهرات والزهور، أما الرجال فيرتدون الثياب الصوفية، ويرتدي كل من الرجال والنساء أغطية الرأس المزينة. وتلفت طاهر إلى أن هذه الطائفة مغرمة بالموسيقى والرقص والمجوهرات والورود. الانغماس في الثقافة والعادات ليس من المنطقي على من يزور هذه الشعوب للتعرف عليها وعلى ثقافاتها أن ينأى بنفسه عن مشاركتها حياتها، وهذا ما عمدت سوسن إلى القيام به: عند زيارتي إلى قريتي (شي) و(ستوك) شاركت قاطنيها حياتهم اليومية، وتعرفت عن قرب على عاداتهم وتقاليدهم، فإحدى المهن الرئيسية هي الزراعة، حيث تملأ الحقول الوديان، وترسم لوحات فنية طبيعية غاية في الجمال وتتابع يعمل الرجال والنساء طوال اليوم خلال الصيف، الذي تتراوح درجة الحرارة فيه خلال النهار (20 30) درجة مئوية، وهم يزرعون القمح والشعير والخضراوات وبعض أنواع الفواكه هناك قضت طاهر بعض الوقت مع المزارعين، وهم يعملون على حصاد القمح، وقد تسنى لها أن تشاركهم تفاصيل الحياة، حيث جالستهم على موائدهم لتناول الطعام، واحتساء الشاي (اللاداخي) الذي يتكون من الزبدة مع الحيب. تعقب على ذلك شعرت بسعادة غامرة عندما اقتربت إحدى السيدات لتسألني الانضمام إليهم لتناول فنجان من الشاي، وكانت لفتة جميلة من الناس البسطاء الذين يشاركون طعامهم الآخرين. في فصل الشتاء -تقول سوسن- يكون الطقس باردا جدا، حيث درجة الحرارة تصل إلى ما تحت الصفر، وفي هذا الوقت من السنة ينخرط معظم (اللاداخيين) في ممارسة الحرف اليدوية، كالنسج، وصناعة السجاد، وعمل المنتوجات الفضية والنحاسية مثل أواني الطهي، وغيرها، ويقوم البعض الآخر بصناعة المجوهرات باستخدام الفضة والاحجار الكريمة، إلى جانب صنع الشال (الباشمينا) الذي تشتهر به (لاداخ)، إذ يقوم (اللاداخيون) بعد كل ذلك، ببيع هذه السلع في سوق العاصمة (ليه) خلال فصل الصيف، حيث تمتلئ الأسواق بالسواح من جميع أنحاء العالم. إن هذا التقلب في تفاصيل العمل له سره الذي تحدثنا عنه طاهر بالتأكيد على أن (اللاداخيين) تكيفوا مع البيئة المحيطة وأقلموا نمط حياتهم ليتناسب معها، وهذا ينطبق بالتأكيد على أماكن سكناهم، إذ تبين سوسن تبنى المنازل في مجموعات صغيرة على طول مجرى الماء، حيث تكون الزراعة ممكنة، ويتم استخدام الطين المجفف والخشب والبلاستيك في بناء هذه المنازل المتواضعة، التي يتكون بعضها من غرفة واحدة فقط. في الحلقة المقبلة من هذا الحوار... تحدثنا الفوتوغرافية سوسن طاهر تفاصيل بناء الأديرة والمعابد (اللاداخية)، وتسرد علينا قصة أعلام الصلاة الملونة ورمزيتها، كما تفصل لنا قصص التقائها بطلبة المدارس في قرى (لاداخ)، وخوضها أعظم مغامرة في حياتها للوصول إلى قرية، طريق الوصول إليها وعر وخطير على حافة جبال (الهيملايا).
مشاركة :