دلالات زيارة أوباما التاريخية لهيروشيما

  • 6/4/2016
  • 00:00
  • 57
  • 0
  • 0
news-picture

ستظل زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما مدينة هيروشيما توصف باعتبارها «تاريخية» نظراً إلى أنها الزيارة الأولى لرئيس أميركي لهذه المدينة اليابانية التي ألقت عليها الطائرات الحربية الأميركية في يوم 6 آب (أغسطس) 1945 القنبلة الأولى من قنبلتين ألقيتا على مدينتين يابانيتين بهدف إجبار اليابان على الاستسلام وإنهاء الحرب العالمية الثانية في القارة الآسيوية، بعد أن انتهت قبل ذلك بأشهر قليلة في القارة الأوروبية. بينما ألقيت القنبلة الثانية يوم 9 آب 1945، على مدينة ناغازاكي. لكن هناك دلالات أخرى للزيارة، على أكثر من صعيد، سنحاول تناول بعضها. أولى الدلالات أن الزيارة كانت منتظرة منذ نحو سبع سنوات، بناء على أن أوباما أعرب في خطاب له في براغ في نيسان (أبريل) 2009 عن تطلعه لإنهاء وجود الأسلحة النووية، مستذكراً ما فعلته تلك الأسلحة في هيروشيما وناغازاكي، بل وعَد بالعمل على تحقيق ذلك خلال فترة ولايته الأولى. وفي ظل الزخم الدولي الذي أحدثته هذه الكلمات الشديدة الأهمية والدلالة، خصوصاً أنها من رئيس الدولة الوحيدة التي استخدمت السلاح النووي، حصل أوباما على جائزة نوبل للسلام. لكن الزيارة لم تتم في ذلك الوقت، ما تسبَّب في شعور قطاع كبير من اليابانيين بخيبة أمل، خصوصاً لجهة ارتباط الطبقة السياسية والنخبة المجتمعية اليابانية بأواصر وطيدة مع الولايات المتحدة منذ ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. وليس مصادفة أن تأتي هذه الزيارة قبل أشهر من انتهاء ولاية أوباما الرئاسية الثانية، ومن ثم لن تترتب عليها أي التزامات، ولا تلقي بمسؤوليات على الدولة الأكبر في عالم اليوم اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، لا تجاه اليابان ولا تجاه بقية العالم، خصوصاً في مجال نزع السلاح، بما فيه النووي. أما إتمام الزيارة قبل سبع سنوات، فكان سيؤدي إلى تعهدات على الرئيس الذي يستهل ولايته الأولى، سيحاسبه العالم عليها ويتوقع تنفيذه لها، ونتائج تترتب على ذلك تضع حدوداً على حركة الولايات المتحدة في مجالات الحرب والسلام على حد سواء، بخاصة في كل ما من شأنه أن يكون ذا صلة بجهود العمل نحو نزع السلاح النووي على الساحة العالمية. أما ثانية دلالات زيارة أوباما هيروشيما، فهي أنه بينما حدثت هذه الزيارة التاريخية الأولى لرئيس أميركي للمدينة بعد أكثر من ستين عاماً على قصفها بالقنبلة النووية من الجانب الأميركي، فإنها وبخلاف المأمول منها يابانياً، ولكن بالاتساق مع الموقف الأميركي الرسمي الثابت والمستمر منذ آب 1945، خلَت من أي اعتذار أميركي لليابان. ويجسد هذا الواقع حقيقة اختلاف النظرة بين الجانبين لإسقاط القنبلة النووية الأميركية على هيروشيما. فهناك شبه إجماع في اليابان على أن ما حدث سبّب خسائر بشرية وأضراراً مادية بالغة كان يمكن تجنبها، في ظل حقيقة أنه لم تكن هناك حاجة لاستخدام السلاح النووي لإجبار اليابان على الاستسلام وإنهاء الحرب، وأن قرار استخدامه ربما ارتبط بالحاجة إلى تجربته على الأرض. أما الرؤية الأميركية، فلا تزال تتمسك بطرحها التقليدي بأن استخدام السلاح النووي، على مساوئه التي تقر بها الولايات المتحدة اليوم، حالَ دون استمرار الحرب لمدة أطول كانت ستحصد أرواح أعداد من البشر ربما لم تكن لتقل، بل قد تزيد، عمن سقط بالفعل من ضحايا في هيروشيما وناغازاكي. وتتعلق الدلالة الثالثة بتوقيت هذه الزيارة في إطار مجمل العلاقات الأميركية اليابانية. فالزيارة تمت في عهد يحكم فيه الحزب الليبرالي الديموقراطي، الذي حكم اليابان أغلب الفترة الممتدة منذ انتهاء الاحتلال الأميركي لليابان في أعقاب الحرب العالمية الثانية، والذي أسَّس وحافظ على علاقة تحالف استراتيجي مع واشنطن. إلا أن الأهم هو أن الزيارة تتم في عهد رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي. فعندما تولى آبي هذا المنصب للمرة الأولى بعد استقالة كويزومي وابتعاده الطوعي من العمل السياسي في عام 2006، تنبأ كثيرون بأن التحالف الأميركي - الياباني سيشهد نقلة نوعية واختراقاً غير مسبوق في ضوء قناعة آبي بأن تكون اليابان شريكاً فاعلاً ضمن التحالف الغربي على الساحة الدولية، بما في ذلك المساهمة بقوات مسلحة خارج حدودها، بكل ما يحمله ذلك من تبعات الانغماس في صراعات دولية وإقليمية، وبكل ما يتطلبه من تعديلات في الدستور الياباني الذي يحظر مثل تلك المساهمة. إلا أن آبي فاجأ الجميع بإعلان استقالته من رئاسة الحكومة من دون سابق إنذار أو تشاور، حتى مع قيادات حزبه، في أحد أيام أيلول (سبتمبر) 2007. ثم نجح آبي في العودة إلى قلب المشهد السياسي الياباني والدولي عندما قاد حزبه للفوز بغالبية غير مسبوقة في السنوات الأخيرة، في انتخابات مجلس النواب الياباني في كانون الأول (ديسمبر) 2012. وساعد ذلك آبي على تمرير تعديلات دستورية تسمح لليابان بالمساهمة بقوات في عمليات عسكرية خارج الحدود، بما يرسخ الدور الياباني في سياق التحالف الغربي ويعمق العلاقة الاستراتيجية الأميركية - اليابانية. وبناءً على ذلك، فليس من المتصور أن تكون زيارة الرئيس الأميركي الأولى هيروشيما خلال فترة حكم آبي محض مصادفة، بل جاءت لتمثل رسالة بأن العلاقة الأميركية - اليابانية هي في أوج توهجها في عهد آبي، علماً أن بعض الدوائر الأميركية تتخوف من توجهات يمينية موجودة في الحزب الليبرالي الديموقراطي الحاكم تعتبرها ذات نزعة عسكرية قد تتطور مستقبلاً في اتجاه نزعات قد تقترب مما كان سائداً قبل الحرب العالمية الثانية. الدلالة الأخيرة تتصل بطبيعة هيروشيما، التي يطلق عليها اليابانيون «مدينة الحرب والسلام»، فعلى امتداد عقود سابقة على الحرب العالمية الثانية كانت المدينة وضواحيها مركزاً مهماً للصناعات العسكرية اليابانية من جهة ولمراكز تعبئة وتجنيد وتدريب العناصر التي يتم ضمها للجيش الياباني من جهة أخرى. بينما تحولت المدينة منذ إلقاء القنبلة النووية عليها إلى مركز للكثير من المنظمات غير الحكومية الداعية إلى السلام ونزع السلاح، كما صارت نقطة انطلاق للكثير من المبادرات الداعية إلى السلم الدولي وإخلاء العالم من السلاح النووي. واستضافت المدينة الكثير من المؤتمرات الضخمة، والتي تنعقد في شكل دوري ومنتظم، بهدف الدعوة إلى التخلص من الصراعات الدولية والإقليمية وسيادة روح السلام ونزع السلاح، بخاصة النووي، في العالم بأسره. ومن ثم، فإن زيارة أوباما المدينة وكلمته فيها، وإن لم تتضمن التزامات محددة أو أي اعتذار، تمثل إضافة لها ثقلها الذي يضفي المزيد من القيمة والأهمية على هذه المدينة التاريخية ودورها. وفي الختام، تأتي زيارة أوباما ضمن زيارات خارجية قام بها على مدار الشهور الماضية، بهدف تسجيلها باسمه من جانب التاريخ الذي سينسب إليه فضل السبق فيها، ومنها زيارته العاصمة الكوبية هافانا، ثم زيارته العاصمة الفيتنامية هانوي، من دون تجاهل أحداث أخرى كبرى، سيختبر المستقبل القريب مدى صمودها، مثل الاتفاق النووي مع إيران، وغير ذلك من عناوين كبرى في السياسة الخارجية الأميركية في عهد أوباما.     * كاتب مصري

مشاركة :