محمد العناز: عضوية لجان التحكيم تلزمني بقراءة الكتاب كاملاً

  • 6/4/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يؤمن الشاعر والناقد أحمد العناز بأن القراءة هي الوسيلة الأهم للرقي بوعي الفرد، فبفضلها يتعلم التفكير والتحليل والتجريد، ويوضح مؤلف كتاب وظيفة الوصف في الرواية أن أرقى أشكال المعرفة لا يمكن أن تدرك إلا إذا كان مُعَبَّرًا عنها بواسطة الكتابة، سواء أكانت فلسفية أم إبداعية، قائلا عنها إنها تظل عاجزة لأن مجالات فعلها محدود، بفعل كونها تنقل فكرا ولا تنتجه بالضرورة، على خلاف الكتابة الحق التي هي دائما تشييد لفكر، كما يضيف صاحب آليات إنتاج النص الروائي متحدثا عن تجربته حين أحاول أن أضع مسافة بيني وبين كتبي ودراساتي، وأخضعها لقراءة محايدة مخالفة لتلك التي يكون الهدف منها المراجعة والتقويم قبل النشر أو قبل طبعات جديدة، يبدو لي أن كتاباتي مرت من مراحل موسومة بوعي مخصوص، وأنها موسومة بآثار مراحل تطور وعيي بالأدب وبالدراسة الأدبية ، فإلى الحوار: ما الكتاب الذي أحدث تأثيرا فيك بعد قراءته. وما نوع التأثير؟ لقد قرأت كتبا عديدة واستفدت من الكثير منها، لكنني لم أتأثر إلا ببعضها فقط. بيد أنه لا يمكنني أن أحدد الكتب التي أثرت في تكويني وتوجهاتي، والتي تمظهر أثرها في كتاباتي، إلا بالنظر إلى مراحل تطور تجربتي النقدية. كانت بداية اكتشافي للخطاب النقدي بعَدِّهِ خطابا أدبيا يسعف في التعبير عن الذات والعالم ـ مزامنة للدراسة في سنوات الإجازة. هذه السنوات التي كانت حافلة بالقراءة المتنوعة، والتي كانت استجابة لنهم معرفي عادة ما كان يلازم أغلب الطلبة وهم ينتقلون من طور التعليم التلقيني (التأهيلي) إلى التعليم التوجيهي (الجامعي). في هذه المرحلة التي قرأت فيها عددا من الكتب النقدية التي كان الأساتذة يذكرونها في الحصص الأولى بعَدِّهَا مراجع للمواد التي يدرسونها، إضافة إلى كتب أخرى قرأتها بتوجيه من زملاء ينتمون إلى دفعات سابقة على دفعتي، معروفين بالمواظبة على القراءة والكتابة، تشكل ميولي النقدي. ففي هذه المرحلة انحزت في قراءاتي إلى الأدب والنقد الحديثين، وكان من بين الكتب الحاسمة في الانحياز لهذا الاختيار: جدلية الخفاء والتجلي لكمال أبو ديب، وحركية الإبداع لخالدة سعيد، دراسات في نقد الشعرلإلياس خوري، و قضايا الرواية الحديثة لجون ريكاردو مع هذه الكتب بدأت أنتبه إلى كون التعامل مع النص الأدبي بوصفه نصا لغويا يقول موضوعه الخاص بتعالق مع العالم الشارط لإنتاجه، أغنى بكثير من ربطه المباشر ببنية خارجية ما، أو تحويله إلى انعكاس لها. ومن ثمة بدأت أتخفف تدريجيا من سلطة كتاب ضرورة الفن لأرنست فيشر، الذي عادة ما كان أول كتاب يقرأ من قبل المتأدبين الشباب من جيلي. إلا أن القطيعة مع القناعة بكون العمل الأدبي متعالقا مع الشروط خارج السيميائية لإنتاجه، لم تتحقق رغم انبهاري وتأثري بالدراسات البنيوية. بل ستزداد رسوخا مع المرحلة الثانية والتي تزامنت مع التحاقي بالدراسات العليا، التي أتاحت لي أن أقرأ عددا من الكتب المنتمية لحقول معرفية متعددة، مع التركيز أكثر على الكتب ذات التوجه النظري المتأثر بالفكر الفلسفي. ومن أهم الكتب التي أثرت في تطور تصوراتي عن النص الأدبي ونقده كتب ميخائيل باختين وجورج لوكاش، وبصفة خاصة كتابي: نظرية الرواية للوكاش و الإيستيتيقا ونظرية الرواية لباختين. ورغم أنني لم يسبق لي أن انحزت في دراساتي الأكاديمية أو غيرها إلى منهج أحدهما، فإن تصوري عن الأدب ظل محكوما بخلفيات تحديدهما. إن تشبعي بفكرهما رسخ لدي قناعة ثابتة بكون الأدب نتاجا مخصوصا لتفكر ما في الوضع الاجتماعي والسياسي المحاقب لزمن الكتابة، وذلك بغض النظر عن موقف الكاتب وانحيازه المعرفي والإيديولوجي. تحت تأثير هذه القناعة لم أنخرط في التيار المهيمن آنذاك، والمتمثل في المقاربات البويطيقية الشكلية، ذات المرجعية الجونيتية بخاصة، وذلك لكون تلك المقاربة تقتضي وعيا مخالفا بالظاهرة الأدبية، وعيا يتغاضى عن المحتويات، ويعتبرها غير ذات أثر في تشكيل البعد الجمالي. وهو الفهم الذي لم أستطع استساغته أبدا، ولعل ذلك ما دفعني في مرحلة ثالثة إلى الانحياز إلى السيميائيات السردية التي بدت لي، رغم كونها تستهدف وصف شكل بناء المعنى، قادرة على إضاءة الدلالات وربط العالم النصي بالعالم الخارجي، إلا أن قراءتي للسيميائيات آنذاك وإن كانت منصبة على رواد مدرسة باريس، وذلك بتوجيه من أستاذي محمد برادة وصديقي عبدالرحيم جيران الذي كان يعد بشكل متزامن رسالته انطلاقا من نفس الخلفية، كما أن تأثيرها كان فاعلا وتمثل في تنبيهي إلى أن ممارسة النقد، بمعناه العام الذي يشكل معه مناطا ضاما لمفاهيم مختلفة من حيث القيمة(النقد بحصر المعنى والدراسة والمقاربة والتحليل..)، تستوجب امتلاك تصور ما حول الأدب، وأن هذا التصور هو الذي يجب أن يوجه الانحياز إلى منهج جاهز أو إلى اقتراح منهج يصاغ بمراعاة القيود الإيبيستيمولوجية الشارطة لاقتراح نموذج نظري، وذلك ما حاولت تحقيقه في كتابي آليات إنتاج النص: نحو مقاربة سيميائية، وفي الكتب المتفرعة عنه. علاوة على اننا لا نستطيع أن نتجاوز معرفة ما دون تشكل معرفة أخرى بديلة، كما أن المعرفة البديلة لا تستطيع أن تتخلص من المعارف السابقة، بل تستعملها وفق تصور مخصوص يلائم استثمارها المتجدد.. لو رجع بك الزمن ما الكتاب الذي تود أنك قرأته في وقت مبكر ولماذا؟ لعل الكتاب الذي تمنيت لو كان أول كتاب أقرأه زمن النضج والقدرة على الاستيعاب هو كتاب شارل ساندرس بورس ( Textes Fondamentaux De Sémiotique)، وذلك لأنه الكتاب الذي وجهني إلى السيميائيات الذريعية التي أتاحت لي أن أتعرف على السيميائيات في بعدها الفلسفي والمنطقي، وأن أتعرف على كيفية إنتاج الذهن للأدلة وتلقيه لها. ويعد هذا الكتاب وبقية كتب بورس وشراحه، بخاصة جيرار دولودال، خلفية معرفية لأهم كتبي ودراساتي الأخيرة، كما أنها منطلق لكتابي الذي سيظهر لاحقا حول (اللغة وفلسفة التمثيل). هل ترى أن القراءة محرك أو دافع للتغيير في وقتنا الحاضر؟ تعد القراءة الوسيلة الأهم للرقي بوعي الفرد، فبفضلها يتعلم التفكير والتحليل والتجريد، علما أن أرقى أشكال المعرفة لا يمكن أن تدرك إلا إذا كان مُعَبَّرًا عنها بواسطة الكتابة، سواء أكانت فلسفية أم إبداعية..، فعلى الرغم من كون الخطابات الأيقونية، والسمعية البصرية، تبدو أكثر هيمنة في فضاءات التواصل العمومية، وتحاول تسويق نفسها بِعَدِّهَا مركزية في إنتاج المعرفة وتغيير الذهنيات، فإنها تظل عاجزة لأن مجالات فعلها محدودة، بفعل كونها تنقل فكرا ولا تنتجه بالضرورة، على خلاف الكتابة الحق التي هي دائما تشييد لفكر، ومن ثمة فإن التعامل مع منتوجها الذي يترجم بالقراءة، ينتج تغييرا عميقا ودائما، ويمنح القدرة على التفكر والكتابة. ما سمات الكتاب الذي يلزمك قراءته كاملا؟ من المؤكد أن لكل قارئ عاداته، فهناك من يقرأ بشكل عمودي ومن يقرأ بشكل أفقي، وهناك من يتم قراءة الكتب على الرغم من شعوره بعدم إفادتها أو سطحيتها أو صعوبة فهمها..، وهناك من يقرأ الفصول التي تهمه، ومن يطوي الكتاب حال انتفاء المتعة أو الفائدة.. وتلعب الغاية دورا حاسما في الاختيار بين تلك الإمكانيات. أما بالنسبة لي فالكتاب الذي أرى أني ملزم فعلا بقراءته كاملا، هو الكتاب الذي يكون ضمن كتب مرشحة لجائزة أكون عضوا في لجنة تحكيمها، أو الكتاب الذي يشدني بفضل إحراجه لمعرفتي إذا كان فكريا، أو الذي يحقق لي المتعة إذا كان إبداعيا.

مشاركة :