معلوم أن الرؤى والخطط والتطلعات أمر له عالمه الخاص، الذي يميل كثيرا إلى التنظير والعمل الفكري أكثر من غيره من بقية الجهد البشري، بينما تعد ترجمة تلك الأفكار والمشاريع المرصودة على سطح الأوراق، وتحويلها من مجرد نظريات مصوغة فكريا إلى مشاريع حقيقية ترى على أرض الواقع، أؤكد أنه في ميزان حضارات الشعوب والبلدان يمثل الوزن الأكبر من حيث الجهد والعمل، ومنطقة المجال الحقيقي للامتحان الفعلي، فإما أن تنجح الأطراف المسؤولة وذات العلاقة في تحقيق الأهداف النهائية لتلك الرؤى، أو أن تفشل. الخطوة الكبيرة الأخيرة التي قامت بها الدولة، على مستوى بناء منظومة متكاملة لأجل تحقيق “رؤية المملكة العربية السعودية 2030”، هي بالتمام والكمال الممثل العملي لمشروع “ترجمة” تلك الرؤى على أرض الواقع، كمشاريع حقيقية تحقق النفع والفائدة والنمو المستدام المأمول منها. وهي الممثل الحقيقي للمشروع الوطني العملاق، الذي ينتظر ترجمته فعليا على أرض الواقع أكثر من 32 مليون مواطن ومقيم بحلول 2030، وهو أيضا الفريق العملاق المكون من كل اللجان العليا والأجهزة العامة ومنسوبيها وشركائها الاستراتيجيين من مختلف القطاعات، الذين سيحملون على عاتقهم المضي قدما بمفاصل “رؤية المملكة العربية السعودية 2030” ساعة بساعة، ويوما بيوم، وشهرا بشهر، وعاما بعام، إلى أن تشرق شمس أول يوم من عام 2030، وخلال تلك الرحلة الحضارية، سيجاهد كل مواطن ومواطنة وحتى مقيم شريك في هذا المشروع التنموي العملاق، في أداء المهام والمسؤوليات الملقاة على عاتقه، تحت أضواء من الرقابة والمتابعة والمراجعة والمساءلة، ضمن منظومة عمل متكاملة، استعدت بالإفصاح والشفافية والمعلوماتية أمام أفراد المجتمع من مواطنين ومقيمين، ولأجل هذا أطلق على تلك الترتيبات والإجراءات كافة المرتبطة بها مصطلح “حوكمة”، في تأكيد صريح وواضح ومحدد على ارتفاع درجة الجدية والمسؤولية والشفافية تجاه جهود ترجمة هذه “الرؤية” المستقبلية إلى منجز حقيقي، وأن جانب التقصير أو الإهمال أو التهاون في إطار تلك الجهود، أمر لا يمكن القبول به طوال المرحلة الزمنية المفترضة لتنفيذ هذا الحلم و”الرؤية” الطموحة. لقد عمل إطار حوكمة تحقيق “رؤية المملكة العربية السعودية 2030”، الذي تم الإعلان عنه على إيضاح الآلية التكاملية لعمل الدولة وأجهزتها العامة وشركائها، المتركزة تحديدا على ترجمة وتحويل البرامج التفصيلية المقررة في الوقت الراهن، أو المخطط إقرارها مستقبلا، التي تشكل مجتمعة “رؤية 2030”، موضحة إياها بشكل تفصيلي ومختصر، وضمنتها الإجراءات التنفيذية لكل مرحلة منها، وحددت درجة ارتباطها ومسؤولياتها حسب كل لجنة وجهاز عام، إضافة إلى تسلسلية أداء المهام والأعمال، وأن كل تلك الإجراءات والمهام ستقترن بأعلى درجات المتابعة والمراجعة والمراقبة والشفافية، فلن تكون معامل تحقيق “الرؤية 2030” وبرامجها كافة داخل صناديق عمل مظلمة، بل على العكس من ذلك؛ ستكون تحت ضوء رقابي وتدقيق داخلي من قبل اللجان والمكاتب التابعة لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وفي الوقت ذاته سيكون عملها وجهدها مثبتا ومعلنا من قبل الفريق الإعلامي المبين في النموذج المعلن في إطار حوكمة تحقيق “رؤية المملكة العربية السعودية 2030”، ليتم تقديمه إلى الرأي العام وبقية أفراد المجتمع بصورة منتظمة ومستمرة، وأنه لا توجد أسرار أو غموض فيما يتعلق بتحقيق هذا المشروع الوطني التنموي العملاق، فالجميع هنا من مواطنين ومقيمين على هذه الأرض الخيرة دون استثناء لأحد شريك حقيقي، ونجاحه مسؤولية الجميع، والأهم من ذلك أن ثماره وعوائده المرتقبة أيضا حق للجميع دون استثناء. إنه الحراك التنموي الممنهج والتكاملي، الذي طالما افتقرت إليه خطط وبرامج التنمية السابقة، والنمطية العملية النشطة التي تتطلب العمل وفقا لها، بناء على حجم التحديات التنموية التي تواجه تطلعاتنا وطموحاتنا جميعا، سواء في المرحلة الراهنة المليئة بكثير من التحديات التنموية البالغة التعقيد، أو المتوقع نشؤها في المستقبل. لم يعد بالإمكان مطلقا، المضي قدما تجاه تلك التحديات التنموية على نسق رتيب أو بطيء من الخطط والبرامج المكررة أو المستنسخة المجربة طوال نحو نصف قرن مضى، شهدنا خلالها كيف تضاءل المتحقق من أهدافها خطة بعد خطة، حتى وصلنا جميعا إلى المرحلة الراهنة، التي لم يعد ممكنا التكيف معها، وأصبح لزاما علينا أن نختار طريقا آخر لعبور الزمن الراهن، والاستعداد بصورة أفضل وأقوى للزمن المقبل. الجميع هنا مسؤول، وتقع على عاتقه حسب موقع كل منا مهمة ومسؤولية إنجاح تحقيق “رؤية المملكة العربية السعودية 2030”، فمكاسب تحققها سينعم بها الجميع، بمشيئة الله تعالى، وكذلك فشلها، لا قدر الله، نسأل الله جميعا أن تكلل الجهود والتطلعات الخيرة لبلادنا وأهلها بالتوفيق والسداد والتحقق. والله ولي التوفيق. نقلا عن الاقتصادية
مشاركة :