«ويستمنستر آبي» تفتح أبوابها لأول مرة منذ 700 عام من أجل عيون «غوتشي»

  • 6/4/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

المكان، الموسيقى الألوان، التطريزات، التصاميم، وطبعًا حقائب اليد والأحذية، كل شيء كان سرياليًا ومتكاملاً في الوقت ذاته. كل شيء فيه تم بحبكة مثيرة تشد الأنفاس وتجعل عشاق الموضة يستعيدون الزمن الجميل، عندما كانوا يخرجون من عروض الراحل إيف سان لوران أو العبقري جون غاليانو، خلال عهده في «ديور»، وهم يحلمون ويتجادلون. أليساندرو ميشال، مصمم دار «غوتشي» حقق هذا وأكثر يوم الخميس الماضي. فقد برهن على أنه يتصور الأشياء بحجم كبير، ولا يؤمن بأن القليل الكثير. كما أكد أنه يمكن أن يبيع لنا أي شيء يقدمه مهما بلغت سرياليته، بل العكس كلما بالغ في جمع المتناقضات مع بعضها، وأسهب في التطريزات والإكسسوارات، يجعلنا نتعجب كيف لم نفكر في الأمر من قبل، وكيف لم نتصور تناغم هذه التناقضات مع بعضها؟! هذه القدرة العجيبة تُذكرنا بالراحل إيف سان لوران، مثلا، عندما قدم تشكيلته الأفريقية الشهيرة، جامعا فيها ألوانا مثل البرتقالي والفوشيا بأسلوب غير مسبوق. قبل أن تحط «غوتشي» الرحال في لندن، لعرض «كروز 2017» انصب كل الاهتمام والجدل على كنيسة «ويستمنستر آبي»، مكان العرض، الذي شهد تتويج الملكة إليزابيث الأولى في عام 1559، كما شهد زواج كثير من أفراد العائلة الملكة والطبقات الأرستقراطية إلى الآن، مثل زواج الراحلة ديانا والأمير تشارلز، فضلا عن تعميدات كثيرة لا تحصى. مما أثار الجدل بأنه لم يسبق للكنيسة أن فتحت أبوابها وأروقتها لعرض أزياء على مدى تاريخها، لكن من الواضح أن «غوتشي» لها قوة إقناع لا تُرد، علما بأن مجموعة «كرينغ» المالكة لـ«غوتشي» سبق لها أن دخلت الكنيسة في عام 2011، عبر فستان الزفاف الذي صممته سارة برتون لكايت ميدلتون. فدار «ألكسندر ماكوين» تنضوي هي الأخرى، تحت جناح المجموعة. لكن أن تُفكر دار أزياء في إقامة عرض فيها، فإن الأمر كان مستبعدا وبعيدا لجرأته، إلى أن حققت الدار الإيطالية ضربتها. يعترف أليساندرو ميشال، بأنه لم يكن يتوقع أن يقبل القائمون على الكنيسة طلبهم في البداية، معلقًا بأنه كان سيطير من السعادة عندما جاءهم الرد بالإيجاب. وباعترافه، فإن «إنجلترا وحدها من بين كل دول العالم يمكن أن تقبل بإقامة عرض ضخم في كنيسة مهمة بهذا الحجم.. في البداية، كان أقصى ما فكرت فيه هو قصر إنجليزي فخم يعكس جمالية الأزياء، لهذا عندما جاءني الرد بالقبول لم أصدق أنني سأعرض في ويستمنسر آبي». هذا القبول لا شك سيرسخ في ذهنه ما كان يؤمن به أساسًا، بأن الأحلام يجب أن تكون كبيرة تتحدى الواقع، وهو ما جسده أيضًا في تشكيلته. فقد جاءت مغزولة بالأحلام وخيوط الذهب، وتجمع كل ما لم يكن يخطر على البال من تناقضات روضها وجعلها تتناغم مع بعضها البعض بشكل عجيب. تشكيلة تعطيك الإحساس بأنه في غمرة حماسه، ومثل طاهٍ ماهر، ظل يضيف المزيد من البهارات، مرة من خلال فيونكة تتوسط العنق ومرة من خلال قمصان بكشاكش، وكلما راق له مظهرها، أضاف تفاصيل أخرى إلى أن توصل إلى الجرعة المناسبة. لم يُنكر أنه كان بالفعل مسكونًا بالجنون لكنه «جنون يجعلك تحلم بالموضة أو تتوهمها» حسب قوله. من يرى تصاميمه، وكيف غير وجه «غوتشي» في أقل من عام واحد، يعرف أن جنونه فنون. حقيقة أكدتها، يوم الخميس الماضي، نحو 96 إطلالة، تتباين بين الكنزات الصوفية المطرزة بسخاء، وفساتين الدانتيل الطويلة السوداء، أو المعاطف ذات الألوان الفاتحة والتطريزات المتضاربة، التي تجسدها رسمات كائنات حية من كل نوع، وحقائب يد لا شك أنها ستظهر على أكتاف أو معاصم الكثيرات من أنيقات العالم، وتحقق للدار المزيد من الأرباح، وهذا هو بيت القصيد. وقد تكون المغنية المخضرمة أني لينوكس، التي أحيت الحفل الذي أقامته الدار مساء اليوم نفسه، الخميس، أفضل من عبرت عما يجري حاليا في الدار الإيطالية وفي عالم الموضة عمومًا، عندما حورت كلمات أغنيتها الشهيرة «سويت دريمز» أو «أحلام لذيذة»، وهي تنظر بنظرة تُغني عن ألف كلمة إلى أليساندور ميشال: «بعضهم يريدون التقرب منك، بعضهم يريدون استغلالك، وبعضهم يريدون قطعة منك». تلاعبها بكلمة «قطعة» كان في محله، وأكثر من مناسبة. فكل من كان في العرض، رجلا أو امرأة، حلم في لحظة من اللحظات بقطعة من التصاميم التي كانت العارضات والعارضون يتهادون بها على نغمات موسيقى أوبرالية كنائسية. كانت كل قطعة إما تصرخ بالألوان المتوهجة، أو تزأر بنقشات طيور وفراشات تحلق على الظهر أو الأكتاف، أو تتلوى على شكل أفاعٍ وثعابين في أماكن استراتيجية. القاسم المشترك بينها كلها أنها مطرزة بحرفية تحاكي «الهوت كوتير»، وأحيانًا بأسلوب التنجيد الذي يظهر في بعض اللوحات الفنية القديمة. فبعيدًا عن إبهار اللحظة الذي تثيره الموسيقى والمكان والإخراج، لم تحمل الكثير من التصاميم جديدا بالمعنى الثوري، وكان أغلبها كلاسيكيًا في تفصيله بينما كان جديدها يكمن في التفاصيل، بدءًا من طريقة التنسيق إلى التطريزات السخية التي لم تجعلها معاصرة وغنية فحسب بل مشهية إلى حد يفقدك عقلك. الدليل على هذا أن حربًا كادت تنشب بين بعض الحضور للحصول على وسادة إضافية من الوسادات المطرزة، التي وضعتها الدار فوق الكراسي لجعلها مريحة أكثر. نسي الحضور الأنيق، تحت تأثير سكرة اللحظة وسحر الأجواء، كل البروتوكولات والمظاهر التي يفرضها مظهرهم المنمق، وكشفوا عن مخالبهم من أجل قطعة تحمل اسم الدار، يأخذونها معهم ليستنشقوا منها عبق الأساطير وحكايات التاريخ، التي نسجها المصمم بمهارة، بخيوط من ذهب. وربما هذا الجنون التجاري، الذي يسميه البعض بـ«الرغبة»، هو القوة التي يلعب عليها أليساندرو ميشال، وتُفسر نجاحه الصاروخي. فأسلوبه يصب في خانة «المبالغة» أو «الماكسيماليزم»، وبالتالي يمكن أن يصيب بالملل والتخمة بسهولة، بعد موسم أو موسمين فقط، لكن العكس حاصل. فرغم أنه لم يغير أسلوبه لحد الآن، وكل ما يقوم به أنه يحقنه بجرعات إبهار أقوى، فإن النتيجة دائمًا في صالحه. قد يعود السبب إلى أنه يتعامل مع الموضة وكأنها عمل سينمائي يجب أن يتضمن حبكة مثيرة تخلق جدلاً فكريًا، وفي الوقت ذاته تعبر عن الزمن الحاضر. فمثلاً لم يكتفِ في هذه التشكيلة بالإيحاءات القوطية التي يفرضها المكان، بل أخذ الكثير من ثقافة الشارع البريطاني أيضا، مثل أسلوب البانك، الذي تحتفل بريطانيا بعامه الـ40 حاليًا، والذي كان حاضرًا بالقوة نفسها التي حضرت بها الفخامة. فخامة تستحضر أناقة الأميرات والملكات، اللواتي كانت «ويستمنستر آبي» شاهدة إما على ولادتهن وتعميدهن وإما على زواجهن، بل وحتى أسلوب الملكة إليزابيث الثانية بإيشاربها وأشكال حقائبها كان حاضرًا. مثل «البانكس» في السبعينات، أثبت ميشال أنه متمرد على قواعد الموضة التقليدية، وبأنه يحب أن يحرك التابوهات مع فرق مهم وهو احترامه الواضح للقديم. فقد أكد مرارًا أنه لا يحب أن يتبع الموضة الموسمية، التي يفرضها الجانب التجاري، ويفضل عليها تصميم قطع نحبها وتربطنا بها علاقة عاطفية، وبالتالي تبقى معنا لفترات طويلة، نطعمها في كل موسم بقطع جديدة من باب التجديد فقط. تخرج من العرض وكل جوارحك متحفزة وكأنك أخذت حقنة مقوية. فما يُحسب لـ«غوتشي» أنها لم تختر كنيسة تختزل تاريخ ما لا يقل عن 700 سنة، لكي تتضارب بها مع باقي بيوت الأزياء، التي تتنافس بشراسة على اختيار وجهات مهمة وأماكن مثيرة لإثارة الانتباه إليها واستقطاب زبائن جدد، بقدر ما استعملتها خلفية تعكس جمالية تصاميم تجمع القوطي بفن الباروك وبالفخامة البريطانية. عناصر اجتمعت لتخدر حواسك وتُذوب أي مقاومة لأسلوب «الماكسيماليزم».

مشاركة :