الاستمتاع بألحان وأغانٍ للراحل زكي ناصيف، وأخرى من الفولكلور العربي العريق بعد أن حوّلها المايسترو دكتور جمال أبو الحسن إلى مقطوعات سيمفونية، هو واحد من العناصر التي تميّز به ألبومه الجديد «ألوان سيمفونية». فقد حرص د. أبو الحسن في عمله الموسيقي الجديد هذا، هو الذي تابع دروسه في فيينا ولوس أنجليس، أن يجمع فيه جذوره اللبنانية وتقنيّته الغربية معًا، فعبّر من خلالهما عما يخالجه من حبّ لوطنه لبنان وشغف يتملّكه للموسيقى. وكان الموسيقي اللبناني قد أطلق عمله الجديد هذا في بيروت وبالتحديد في إحدى كنائس شارع مونو العريق، برعاية وزير الثقافة في لبنان روني عريجي، وبمرافقة موسيقية عزفتها معه الأوركسترا الفيلهارمونية اللبنانية مباشرة أثناء حفلة توقيعه على ألبومه «ألوان سيمفونية». ويتضمن الألبوم 10 مؤلّفات موسيقية بينها «افتتاحية حقوق الإنسان» التي كتبها خصيصًا لمناسبة الاحتفاء باليوم العالمي لحقوق الإنسان، بالتعاون مع الأمم المتحدة في لبنان. أما مقطوعة «القصيد السيمفوني لبنان 1983» فقد استوحاها من فترة الحرب اللبنانية والمآسي التي تخللتها. كما خصّص مقطوعة «أربع رقصات فولكلورية عربية للأوركسترا السيمفونية»، لجمل لحنية وأغانٍ شعبية معروفة (البنت الشلبيّة وعالروزانا ويا غزيّل وبنات إسكندرية)، إضافة إلى مقطوعة أخرى أهداها إلى روح الراحل زكي ناصيف وتضمنت ثلاثًا من أغنياته (مهما تجرّح ويا فراشي ورقصة الجرار). كما خصّ المرأة بمقطوعة عنوانها «الشحرور» لجبران خليل جبران. وأشار د. جمال أبو الحسن في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه اختار هذه الباقة من الألحان العربية المعروفة، كونها تنتمي إلى المكتبة الموسيقية الفنية العريقة في لبنان والعالم العربي. وأضاف: «إن موسيقانا هي غنيّة بنوطات ومقامات وأبعاد صوتية لا نجدها في أي موسيقى أخرى، وفي استطاعتنا غبّ الكثير منها على مدى آلاف السنين المقبلة، لما فيها من تجدد وتطوّر في هيكلتها الأساسية»، وتابع: «لقد حرصت في تلك المقطوعات المطوّرة من الموسيقى القديمة إلى السيمفونية العريقة مع إجراء بعض التحديثات عليها، الحفاظ على هويّتها الأصلية، رغم أنني أخذتها إلى منحى لحني آخر». وأوضح أنه ومن خلال خبرته الموسيقية التي لامس فيها حضارات وشعوبًا غربية، لاحظ مدى الاهتمام الذي يوليه الغرب لموسيقانا وقال: «إنهم يستمعون إليها بانتباه وبدقة حتى إنهم يصفونها بالموسيقى الجديدة التي لا تشبه غيرها». أخذ د. أبو الحسن أغاني الفولكلور العربي إلى عالم آخر شبيه إلى حدّ كبير بسيمفونيات بتهوفن وتشايكوفسكي وروخمانينوف، فقولبها وطوّعها من جديد لتخاطب بمقاماتها المستوى الكلاسيكي العالمي. وعما إذا كان ينوي تحويل ألحان خليجية وسعودية إلى أوبرالية كلاسيكية أجاب: «إن الموسيقى الخليجية ولا سيما السعودية التراثية منها، هي غنيّة بالإيقاعات وبمقامات لا نجدها في موسيقى أخرى. ولقد كانت لي تجارب في هذا الصدد عندما قدّمت حفلات موسيقية في قطر وأبوظبي وعمان. ولاقت أصداء إيجابية جدًا، فاللون الخليجي بحر واسع من الموسيقى ذات آفاق لا تنتهي». أخبرنا أن الألحان التي كان يرددها البحّارة السعوديين وسكّان الصحارى الخليجية هي من النوع الموسيقي الذي يهتمّ في تحديثه من خلال توزيع موسيقي أوبرالي. تجدر الإشارة إلى أن دكتور جمال أبو الحسن هو مؤلّف موسيقي وعروض مشهدية، قدّم أعماله في حفلات أحياها في أوروبا وأميركا واليابان وعدد من الدول العربية. كما حاز على جوائز عالمية وشهادات تقدير من مهرجانات دولية. أما في لبنان، فهو المؤسس ورئيس فرع مختبر الكومبيوتر الموسيقي في معهد الكونسرفتوار الوطني وأستاذ في مادة التأليف والموسيقى التصويرية والتكنولوجيا، كما يدرّس التذوق الموسيقي والوسائط السمعية البصرية في جامعة البلمند اللبنانية.
مشاركة :