بما أن الأزمة (المأساة) السورية قد تحولت إلى صراع إقليمي وعالمي، فإن موقف الدول الإقليمية والعظمى المنخرطة في هذا الصراع، بشكل مباشر وغير مباشر، يعتبر جزءا لا يتجزأ من هذه الأزمة بالطبع. ومحاولة تحليل الأزمة وفهمها، ومن ثم تصور نهاية لها، لا يمكن أن تتم بمعزل عن سياسات هذه القوى. ويمكن أن نقول بأن الدول الإقليمية والعظمى المعنية قد انقسمت بشأن هذه الأزمة إلى فريقين متنازعين ومتنافرين، على الأرض السورية، رغم وجود شيء من التناغم فيما بينها تجاه بعض جزئيات وأبعاد الأزمة: فريق يقف ضد النظام ومع المعارضة (تركيا، الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، حلف الناتو) والآخر يساند النظام الأسدي، ويقف ضد معارضيه (إيران، روسيا، الصين). وموقف كل فريق نابع من موقفه تجاه الفريق الآخر ــ بصفة أساسية.. باعتبار أن ما يكسبه الفريق الغربي (أمريكا، أوروبا) من نفوذ غالبا ما سيخسره الفريق الشرقي (إيران، روسيا، الصين). الفريق الغربي يسعى لفك ارتباط سورية بإيران وروسيا.. ومن ثم إقامة نظام في دمشق موال للغرب؛ الأمر الذي يدعم النفوذ الغربي بالمنطقة، ويقلص النفوذ المناوئ للغرب، والمتمثل في نفوذ روسيا، إيران، الصين، وغيرهم. وانطلاقا من حرص الغرب على ما يسمى بـ(أمن إسرائيل)، فإن هذا الغرب يريد سورية متهالكة ومسالمة، أو حتى مجزأة، وضعيفة تجاه الغرب وإسرائيل. ولذلك، اعتبر الغرب نزع السلاح الكيميائي من سورية نصرا استراتيجيا مرحليا، أغناه عن شن هجمة عسكرية محدودة ضد مواقع عسكرية سورية تابعة لنظام الأسد. كما رضيت روسيا بهذا «الإنجاز»، بل إنها كانت خلفه، ولأنه أبقى -وإن مؤقتا- على حظوظ تابعها الأسد في السلطة، ومن ثم بقاء النفوذ الروسي بسورية، بل واستتبابه، حتى إشعار آخر، خاصة بعد التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية. وقد اتضح أن أهداف الغرب ما زالت أكبر من تخلي النظام السوري عن سلاحه الكيميائي. ولذلك، يستمر الغرب في الاهتمام بسورية، حتى تتحقق كل أهدافه، وربما بالتنسيق مع الدب الروسي، ما أمكن. تسعى روسيا للاحتفاظ بنفوذها في سورية باعتباره آخر ما تبقى لها بالمنطقة، وتقليص النفوذ الغربي المناوئ لها، عبر هذا التحالف أو (التضامن) مع كل من إيران والصين اللتين لهما نفس التطلعات. وروسيا ترى أن الجانب الأكبر من المعارضة السورية يتمثل في (متشددين إسلاميين)، تميل روسيا -بل ومعظم الغرب- لاعتبارهم «إرهابيين». وتمكن هؤلاء من السلطة في سورية سيعني تمركزهم بالمنطقة، ومد يد مساعدتهم لمن يشبهونهم، كمقاتلي الشيشان الروسية، وغيرهم؛ الأمر الذي سيمثل تهديدا للاتحاد الروسي نفسه. وقد استطاعت روسيا إقناع الغرب بهذه المخاوف، خاصة أن هذا الغرب يشاطر روسيا التوجس من المتشددين الإسلاميين، الذين يقاتلون النظام السوري. وهذا كان من أهم أسباب إحجام الغرب عن تقديم مساعدة عسكرية كبيرة للمعارضة السورية. وموقف الصين يشبه -إلى حد كبير- الموقف الروسي تجاه الأزمة السورية، مع اختلاف في بعض التفاصيل. **** وهكذا، نرى أن مواقف هذه الدول الكبرى نابع -أصلا، وأساسا- من تنافسها البيني، وصراعها على المنطقة، دعما لمصالحها ونفوذها الكوني، وأيضا انطلاقا من خشيتها مما تسميه (التطرف الإسلامي).. وليس حبا لنظام الأسد، ولكن كرها لجانب كبير من المعارضة السورية ضده. أذكر أن محللا سياسيا أمريكيا علق على ما يجرى بسورية بقوله: «دعوا النار تأكل بعضها»؟!.. إن مسألة المبادئ غير واردة هنا.. وإن تذرعت كل الأطراف بها؛ فمقتل حوالى ربع مليون سوري، وجرح ما يقارب المليون شخص، وتشريد أكثر من سبعة ملايين سوري، وتدمير جزء كبير من سورية، لا يثير الاهتمام بالقدر الذي يتوجب معه رد فعل دولي قوي ضد نظام الأسد. فقط حسابات المصالح الانتهازية قريبة وبعيدة الأمد هي -مع الأسف- التي يأخذها الأقوياء في الاعتبار. الفريق الغربي يدعي أنه ضد الاستبداد وقمع الشعب السوري، بينما الفريق الشرقي يدعي أنه «مع الشرعية، وضد إرهاب المعارضة»!!.. ولكن الحقيقة هي ما ذكر آنفا.. لا الغرب يقف مع الشعب السوري وقواه المعتدلة ليوقف استبداد الأسد وطغيانه، ولا الشرق يقف مع شرعية حقيقية، بل هو يدعم نظاما إرهابيا باع نفسه وبلاده لمن يؤيدون بقاءه وباطله.
مشاركة :