كشفت جريمة مقتل الطفل عبيدة عن الكثير من التساؤلات المجتمعية، التي تبحث في أسباب حدوث مثل هذه الجرائم، والاجراءات الكفيلة بتجنب حدوثها مستقبلا، خاصة أن الدولة لم تدخر جهداً في وضع البرامج التوعوية التي تستهدف الأسر والمدارس والأطفال. وحمّل 85 في المئة من المستطلعة آراؤهم في استبيان أجرته البيان على موقعها الالكتروني، الأسرة مسؤولية توعية أبنائهم بمخاطر الغرباء كونها الحاضنة الأولى التي يبنى عليها الكثير من الأهداف المستقبلية، كما أكدت النتائج مسؤولية جهات أخرى مثل المدرسة والمؤسسات المجتمعية المعنية بالإضافة لدور الإعلام، فيما كانت هناك اتهامات لفعالية بعض الأدوار الأخرى والتي يجب تقويتها مستقبلا لضمان الحصول على نتائج إيجابية لحماية أطفال مجتمعنا، وأطلقت الدولة التحذيرات تلو الأخرى من مخاطر وجود غرباء في محيط تواجد الأطفال، فضلا عن إخراج قانون الطفل وديمة الذي اهتم بكل ما يتعلق بهذه الشريحة المجتمعية، وأوجد البيئة المناسبة لحمايتهم حتى يصبحوا أفراداً نافعين في مجتمعهم. تساؤلات عديدة وأوضحت مريم البلوشي اختصاصية نفسية في مركز دبي لرعاية وتأهيل ذوي الإعاقة بدبي أن هناك أموراً تؤرق الوالدين في تربيتهم لأولادهم، مثل كيفية التوفيق بين دفع طفلهم إلى الانخراط في محيطهم الاجتماعي وكسر حاجز الخوف تجاه الآخرين وبين مخاوفهم من وقوعه في مخاطر من قبل الغرباء، والطريقة المثلى لتشجيع الأطفال على الانخراط في المجتمع وتكوين صداقات حتى يكونوا منفتحين اجتماعياً ويتعلمون الجرأة في التعامل مع أشخاص آخرين، لافتة أن هناك خوفاً يلازم الآباء من وقوع أطفالهم في شراك أشخاص غرباء قد يتسببون لهم في أضرار مادية أو معنوية، مؤكدة أنه ليست هناك قاعدة ذهبية في هذا الصدد، ولكن قد تكون هناك بعض الطرق والسبل التي قد تقلل من خوف الآباء على أطفالهم، حين يبدأ الأبوان في توعية الطفل عن الأضرار التي قد تنجم عن التحدث إلى أشخاص غرباء، كما أنه لابد أن يضع الأهل في الحسبان أن قدرة الطفل على التحدث عن الغرباء هي مهارة مهمة ولابد من عدم إفزاعه من ذلك، رغم قلق الأهل من عمليات الاختطاف أو إمكانية التعرض لإيذاء جسدي أو معنوي. غياب الثقافة وشرحت سيكولوجية استدراج الطفل للإيقاع به في أعمال لا أخلاقية، والتحرش به والاعتداء عليه، مبينة أن جوهر الأمر الذي بات أكثر خطورة يكمن في أن الآباء والأمهات أنفسهم لا يزالون غير مدركين لحقيقة الأذى التي يتعرض له أطفالهم، فيغيب عنه كثيرون منهم، و أنّ ما يصادف الأبناء في سن الطفولة ينطوي في جوانب عديدة منه على الإساءة أو الاستغلال النفسي أو الجسدي، حتى دون تعمد أو قصد، وهذا من شأنه أن يسبب للطفل مشاكل عديدة تُهدم أركان شخصيته في المستقبل، فمنهم من يفرط في حسن النية في كل من يحيط بأطفالهم من الأقارب أو السائقين والخدم، ولا يدركون أن ما بين حسن النية والسذاجة، ما هي إلاّ شعرة، ويغفلون عن المسؤولية الشرعية التي يوجزها الحديث الشريف: كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالقريب الحنون والجار الطيب والصديق المخلص قد يكون بينهم وحوش بشرية متجردة من الإحساس والإنسانية، وينبغي أن نحذر أطفالنا منهم، فالحنان الزائد قد يكون قناعاً يخفي مآرب تستغل من قبل أصحاب النفوس المريضة. أعراض التحرش وتضيف البلوشي: إن التحرش يبدأ بالاستدراج من خلال التودد والملاطفة واستخدام الهدايا والرشوة، ثم الاختلاء بالطفل في مكان بعيدا عن عيون الناس ومداعبته حتى يصل إلى مرحلة يمكن استغلاله فيها جنسياً، وبينت أن التحرش تتبعه أعراض على الطفل كقضم الأظافر والتقيؤ والحمل في بعض الحالات ومن أبرز الدلائل التي قدمتها الدراسة محاكاة الأفعال الجنسية وخاصة الفموية منها، وزيادة معرفة الطفل بالجنس ورسم إيحاءات جنسية عند الرسم أو الكتابة والتصرف بطريقة جنسية مع الأطفال الآخرين أو البالغين، فيما استعرضت الدراسة حالات واقعية من سجلات الأطباء النفسيين والشرطة والنيابة العامة، منها تعرض فتاة في ليلة زفافها لحالة هستيرية بسبب تعرضها للتحرش عندما كانت طفلة، فضلا عن ماذا يفعل الطفل إذا أعطاه غريب قطعة حلوى؟، هنا يمكن للأهل تدريب الطفل على أن يرفض ذلك بطريقة مهذبة. وبالنسبة لخطورة تعرض الطفل لإيذاء جسدي عبر لمس الغرباء له مثلا، فيجب أن يتدرب الطفل على الصراخ بصوت عال للفت الانتباه إلى أن هذا الغريب ليس من المقربين منه. معدلات قليلة من جهته أوضح المستشار محمد رستم المحامي العام رئيس نيابة الأسرة والأحداث في دبي أن جرائم الاعتداء على الاطفال بكل أنواعها، تعد محدودة مقارنة بجرائم أخرى تحدث في المجتمع بمعدلات أعلى، لافتا أن أي جريمة لها صلة بالأطفال، تأخذ ردود أفعال كبيرة مجتمعياً، لعدة اعتبارات، منها أن المجني عليه طفل، لا يملك من أمره شيئا ولا يستطيع المقاومة أو الدفاع عن نفسه عند حدوث الخطر، بالإضافة إلى التعاطف الكبير من قبل أفراد المجتمع لهذه النوعية من القضايا، بحيث يكون المطلب الأساسي، إنزال أقصى العقوبة بحق الجاني، كي يشعر أفراد المجتمع وخاصة العائلات، بتحقيق مبدأ العدالة الناجزة المقرونة بالردع، كونها رسالة لمن تسول له نفسه إحداث ضرر ما بأحد الأطفال. برامج التوعية وذكر أن هناك أموراً كثيرة يجب الانتباه جيدا لها، كونها أساسيات في توعية الأطفال بمخاطر الغرباء، خاصة أن كثيرا من الحوادث التي تحدث بين وقت وآخر تجاههم لها علاقة بشخص ناضج يكون هو مرتكب الجريمة، قد يكون في بعض الأحيان قريبا بشكل أو بآخر من عائلة الطفل المجني عليه، لافتاً أن التوعية المستمرة بما قد يواجهه الأطفال من تعديات عليهم بشتى أنواعها، تعتبر أساسا في تكوين فكرة لدى الطفل بأن هناك في بعض الأحيان خطرا قد يواجهه، وبناء عليه يجب عليه اتخاذ بعض ردود الفعل الإيجابية لتجنب الوقوع في مشكلة ما، ولذلك فإن البرامج التوعوية والارشادات الموجهة التي تقوم عليها كافة مؤسسات الدولة تعتبر إحدى الوسائل التي تُكون وعياً إيجابياً لدى الطفل يجب عليه الانتباه إليها وتذكرها بشكل دائم حيال مواجهته لأي خطر كان. مسؤولية الأسرة وأفاد أن كما للمجتمع ومؤسساته دوراً في التوعية فإن القاعدة الأساسية في درء أي خطر قد يقبل عليه الأطفال، هو الأسرة بما لها من صلاحيات ودور حاسم في تشكيل وعي طفلهم وذلك بتكرار التنبيهات والتحذيرات له بكافة المواقف والاحتمالات التي قد يتعرض إليها، سواء من شخص غريب أو حتى من الأقرباء، منبها على أهمية هذا الدور الذي لا يضاهيه دور آخر، وعليه فإن المسؤولية تقع على عاتق الأسرة بشكل كبير، وإن كانت هناك توعية مجتمعية سواء من مؤسسات الدولة، أو من المدرسة، فإنها تأتي في مراتب لاحقة، لتوضح بشكل متخصص وعلمي كيفية تعامل الأطفال مع الحالات الخطرة، و الطرق الأكثر أمانا التي يتوجب عليهم اتباعها عند الشك باقتراب أي تهديد. ردود فعل وقلل رستم من ردود الفعل المجتمعية التي قد تأخذ حيزاً كبيراً وذلك عند حدوث جريمة ما ضد الأطفال، مؤكدا أن الإمارات ما زالت تحتل مراتب متأخرة جدا في نوعية مثل هذه الجرائم، وأنها في حال حدوثها لا تتعدى كونها حالات فردية لا ترقى لمستوى الجريمة المنظمة التي لم تسجل حدوثها حتى الآن، مثل وجود عصابات خطف أو قتل أو ما شابه من تهديد، ولذلك فإنه يجب التعامل بموضوعية مع كل حالة وجريمة حاصلة، حتى لا نتسبب في قلق مجتمعي لا مبرر له، والذي قد تنتج عنه نتائج سلبية. أمان موجود وأشار إلى أنه لا يوجد مجتمع مهما بلغت درجة الأمان المتحققة فيه، بلا جرائم، حيث إن الرهان الحقيقي الذي يجب أن يكون هو العمل على تقليل هذه الجرائم عبر كافة السبل التي تراها وتتخذها الدولة لتوعية أفراده، مشيرا أن الإمارات لا تدخر جهدا وبشكل مستمر ودائم في توعية كافة شرائح المجتمع بأي أخطار وخاصة فيما يتعلق بفلذات أكبادنا الذين نتأثر ونحزن في حالة حدوث أذى لهم. أصابع الاتهام وقالت شيخة المطوع أخصائية اجتماعية، إنه علينا أن نوجه أصابع الاتهام إلى أنفسنا، كآباء وأمهات قبل أن نوجهها إلى أي طرف آخر، لأن الأسرة النواة الأولى في المجتمع وعلى كل أب وأم أن يراجع نفسه، ويسألها: إلى أي حد يبدي اهتمامه بطفله، وألا يبادر إلى لوم الطفل عند أول مشكلة له في البيت أو المدرسة، فكثيراً ما يتحدث الأب عن ابنه بطريقة مهينة أو سيئة، أو يستعمل العقاب الجسدي المبرح، أو يطلب من المدرسين أو المسؤولين عن رعايته أن يستعملوا العنف الجسدي في العقاب مع الطفل لو أساء التصرف، كذلك يبدو غير مكترث لمشاعر واحتياجات ابنه ومطالبه، أو الجهل باحتياجاته العاطفية، ومن ثم يفشل في بناء جسور الثقة والحوار الإيجابي بينهما. حذر وحيطة من جانبه أكد عبيد المزروعي ولي أمر، مسؤولية الأسرة في تحصين أطفالها، بالتوعية المطلوبة، وفتح قنوات الحوار والتواصل، وعدم التفريط، أو الثقة المطلقة في كل ما يتصل بالصغار من أقارب أو خدم أو غيرهم، وليس معنى ذلك أن يشكك الآباء والأمهات في كل الناس، لكن الحذر والحيطة مطلوبان في كل الأحوال. ومن ثم على الوالدين أن يراقبا جيداً تصرف الطفل، وملاحظة أي تغير ولو بسيط للغاية في سلوكياته واهتماماته، وأن يحاولا إيجاد حالة من الوعي الذاتي لديه بما يعرف بحرمة الجسد، وأن ينتبه لمحاولات الإغراء أو الاستدراج أو عدم الانزلاق نحو مغريات عديدة، وأن يدرك أنهما فقط المعنيان بتوفيرها له، وألا يتعود أن ينساق لمغريات الآخرين مهما كان صاحبها، وأن يعتاد منذ الصغر أن يقول لا في وقت معين، ولا ينصاع بسهولة حتى لرغبات وإرادة الأطفال الصغار في مثل سنه، وأن يحاولا أن يخلقا في ذاته شخصية مستقلة ولها إرادة منذ الصغر، وأن يشجعاه على الإفصاح عن أي شيء يبدو غريباً أو مريباً أو مجهولاً، في حياته مع أصدقائه، أو تلك التي يتصادف وجودها على الإنترنت، وبناء جسور الثقة المتبادلة بينهما وبينه، بما يحمي شخصيته، ويساعده على تكوين رأي مستنير في أي موقف يقابله. برامج التوعية ضعيفة وتفتقر لنتائج مباشرة أوضحت موزة الشومي عضو المجلس الأعلى للأمومة والطفولة والمحاضرة التوعوية، أن البرامج الموجهة من الجهات المعنية والحكومية للأطفال بهدف توعيتهم بأخطار الغرباء، لا تزال ضعيفة وتفتقر للنتائج المباشرة التي يجب أن تكون عليها من إدراك تام للأطفال بأي أخطار يواجهونها، ومعرفتهم بكل الأمور التي يجب أن يلجأوا إليها لمواجهة ذلك، فضلا عن كيفية التصرف في حالات كثيرة والتي ينبغي أن تكون حاضرة في ذهن أطفالنا. اختبار عملي واعتبرت أن الفائدة المرجوة من هذه التوعية لم تتحقق حتى الآن، والدليل على ذلك أنه ما زال بعض الأطفال يقعون في فخ الإغراء مثلا للذهاب مع أحد الأشخاص، مثلما أوضحه أحد البرامج التلفزيونية عند إجرائها اختبارا للأطفال في أحد المراكز التجارية والذي كانت نتائجه سلبية حيث ذهب الأطفال بمعية هؤلاء الأشخاص الذين تقمصوا دور المحبين لهم لإقناعهم بالذهاب معهم بعيدا عن أهاليهم. 5 أكدت شيخة المطوع اختصاصية اجتماعية؛ أهمية تربية الطفل منذ نعومة أظفاره أي خلال السنوات الخمس الأولى من حياته، على ثقافة الوقوف مع الغرباء والانخراط في المجتمع، وأن يميز بين ما هو طبيعي وما هو غير طبيعي، من خلال تربيته الدينية والاجتماعية والسلوكية، كما يتعلّم كيف يأكل، وكيف يحيي الكبير، أو كيف ينظف نفسه، وكيف يرتدي ملابسه وحذاءه، وكيف يتوضأ أو يصلي، وهكذا، إنها مهارة لازمة وضرورية أن يتعلَّم الطفل المباح والممنوع والمحرم، وكذلك التفريق بين حركات اللمس غير المرغوب فيها وتلك التي يرونها محبّبة إليهم.
مشاركة :