جرت العادة أن تُطلب عروض الأعمال المسرحية خارجياً، بعد نجاحها داخلياً، لكن عرض «الحلاج وحيداً» سار في الاتجاه المعاكس، ولم يتمكن متابعو المسرح المحلي من مشاهدة العمل، الذي يمثل عودة مخرجه وبطله الفنان عمر غباش ممثلاً على الخشبة بعد نحو 19 عاماً، إلا بعد عرضين خارجيين، هما: مهرجان الكويت للمونودراما، ومهرجان جامعة فاس المسرحي بالمملكة المغربية، ليصل أخيراً، إلى خشبة مسرح مؤسسة العويس الثقافية في دبي. إلى «أفنيون الفرنسي» كشف عمر غباش، عن دعوته من مهرجان أفنيون المسرحي بفرنسا، لعرض «الحلاج وحيداً»، خلال يوليو المقبل. وأشار إلى أن مشكلات مالية عدة ترهق إعادة عرض المسرحية بالإمارات في ظل غياب الاحتضان المؤسسي لذلك، لافتاً إلى أن العاملين بالمسرحية يتحملون عبئاً كبيراً في سبيل إتمام العرض. من البطل؟ أعرب الفنان عمر غباش، عن سعادته حينما أكّد له أحد الحضور من المهتمين بالمسرح، أثناء تصريحه لـ«الإمارات اليوم»، أنه لم يتمكن من معرفته على خشبة المسرح، سواء في ما يتعلق بالشكل أو الصوت، وظن أنه فقط مخرج العمل، وأن الأداء لممثل آخر، سعى إلى معرفة اسمه، من خلال سؤاله الملح عن اسم بطل العمل. واعتبر غباش، الذي تقمص بالفعل شخصية مرسومة ذهنية للحلاج،أن «هذا الأمر يعد شهادة نجاح، ليس فقط في ما يتعلق بقدرته على الاقناع بالشخصية، بل تنسحب لجهود فني الماكياج، الذي وصف إمكاناته بـ(الرفيعة)». ووصف عدد حضور العرض بالجيد، مضيفاً: «توصف مثل هذه العروض بالنخبوية، وأعتقد أن عدد الحضور يراوح بين 60 و70 شخصاً، وهو تقريباً عدد حضور عرضه الأول بالكويت». وجدد عرض «الحلاج وحيداً» حكاية «المسرح» وعروضه، التي لاتزال محدودة وقليلة عدداً على خشبة «العويس»، وربما تكون نادرة في ما يتعلق بمسرح المونودراما تحديداً، كل شيء كان مهيئاً لسهرة مسرحية متميزة، بما في ذلك الحضور الذي تناسب عدده مع نخبوية عروض «المونودراما»، واتكاء العمل بالأساس على نص مسرحي شعري، ألفه الشاعر المصري الراحل صلاح عبدالصبور، قبل أن يحوّله غباش إلى نص مونودرامي، مستبعداً جميع شخصياته، مبقياً فقط على شخصية وحيدة هي «الحلاج»، ما يعني أن تحويراً وتغييراً كبيرين تم إدخالهما على النص، من أجل عدم الإخلال بالمضمون بعد اختزاله. وشهد العمل، الذي أنتجه غباش على نفقته الخاصة، عبر مركز ديرة الثقافي، الذي يترأس مجلس إدارته، أيضاً تجربة أولى للفنان الشاب إبراهيم استادي في مجال الإخراج، حيث أسند غباش إلى استادي مهام المخرج المساعد، أما هندسة الصوت فكانت لمحمد جمال، وكانا موفقين لدرجة كبيرة ، ومستفيداً من دون شك من خبرة غباش المسرحية الهائلة، فيما كان الديكور ببساطته عنصراً مساعداً في التركيز على البُعد النفسي للشخصية، التي ذهبت إلى مصيرها المرتبط بأحبال ظلت متدلية من أعلى المسرح طوال العرض. وعلى الرغم من ارتباط العمل بمرحلة اجتماعية وسياسية مختلفة، في الستينات، حرّضت مؤلفه على استدعاء شخصية (الحلاج) من القرن الثالث الهجري، وتقديمها في سياق نفسي، أحيطت به انكسارات نكسة يونيو، إلا أن غباش سعى إلى نفض الكثير من الملابسات المرتبطة بسياق الزمان، وأيضاً المكان، ليجعلنا نعيش حالة مجردة من الصراع الداخلي للشخصية، عبر الغوص في كثير من دقائقها النفسية. ونهل غباش بعين مسرحية خبيرة من ثراء الدائرة الصوفية للحلاج، لدرجة أنه تجاوز النص المسرحي، الذي لم يكن معداً للعرض المونودرامي، ليستفيض من اشعار الحلاج، ناسجاً حالة من التآلف بين الداخلي والخارجي في صراع الشخصية، الذي جاء على أكثر من مستوى نفسي، تلاحم معه الحضور ثانياً، قبل أن يتلاحم معه الممثل الوحيد على الخشبة أولاً. وأعرب غباش في تصريحه لـ«الإمارات اليوم»، عن سعادته للعرض الأول لـ«الحلاج عائداً» في الإمارات، مشيراً إلى أن «العويس الثقافية» ذللت له الكثير من العقبات بترحيبها بعرضه. وأشار غباش إلى أنه تردد كثيراً في العودة ممثلاً على خشبة المسرح، مضيفاً: «لم أكن اثق بذاكرتي لحفظ كل هذا النص، خصوصاً أنها التجربة المسرحية الأولى لي في مجال المونودراما، لذلك عملت لنحو شهرين بسرية تامة، في الإعداد للعمل، قبل أن أقوم بعرضه على بعض الزملاء الذين استفدت كثيراً من آرائهم». وقال غباش أيضاً: «إنه سعيد بالآراء الفنية حول قدرته على الإمساك بتلابيب الشخصية»، مشيراً إلى أنه سعى إلى تبسيط شخصية (الحلاج)، والابتعاد عن الجوانب الشائكة، المغرقة في الفلسفية والجدلية».
مشاركة :