أدب الطفل حقل متميز من حقول الكتابة، فهو أحد جذور الثقافة الغربية، يمتع الكبار والصغار على حد سواء، وقد شغل به أصحاب المواهب العملاقة على مدى مئات السنين، وهو يشمل الكلمات والصور ويدمجها معا، كما يتداخل مع وسائل تعبير أخرى كالفيديو والحكي الشفاهي، وغير ذلك من الأشكال الفنية، وهو يؤدي الغرض المنوط به كأدب بالنسبة إلى الكبار والصغار على حد سواء، فهو يستغرق القارئ ويتملكه وتتمتع متطلباته بالمباشرة والشمول والقوة. وتعتبر شخصيات مثل سندريلا، والدب بو ،والساحر أوز، والمشاهير الخمسة، والأرنب بيتر، جزءا من وجدان معظم الشعوب، وهي لا تربطنا بالطفولة والحكي فحسب، بل تربطنا كذلك بالأساطير والنماذج الأصلية، ولكتب الأطفال درجة عالية من الأهمية على الصعد التعليمية والاجتماعية والتجارية، ومع ذلك نجد أن الحديث عنها، حتى مجرد تحديد أبعادها - مهمة أكثر تعقيدا مما نظن. هذا الكتاب لبيتر هنت وعنوانه: مقدمة في أدب الطفل يمدنا بخريطة لما كتب من أجله، وما الذي يقرأه الأطفال أولا، لكنه كذلك يناقش موضوع أدب الطفل، من ناحية مفهوم هذا الأدب، وكيفية استخدامه، والمداخل التي يمكننا من خلالها أن نتناوله، وكيف تطورت دراسته، وتلك الصفحة التي تحتوي أسماء المؤلفين والناشرين ودور الطباعة ربما تنوه أيضا بأن ذلك الكتاب يركز على بريطانيا وأمريكا الشمالية، ويذكر غيرهما من البلاد التي أثرت في أدب الطفل البريطاني وكتبه، هذا ضرب من المعايير بالنسبة إلى هذا الكتاب، الذي ترجمته إلى العربية إيزابيل كمال، وليس لقيمة أو أهمية الثقافات الأخرى. للوهلة الأولى يبدو أدب الطفل فكرة بسيطة: كتب للأطفال، كتب يقرؤها الأطفال، لكن ما بين النظرية والتطبيق هوة شاسعة أكثر تعقيدا، فمجرد كشف ما بداخل هذا التعريف: ما معنى تكتب للطفل؟. مؤكد أننا لا نعتبر نية المؤلف دليلاً يعول عليه، ناهيك عن نية الناشر، أو حتى قطع كتابه وشكله، على سبيل المثال سلسلة الكتب المصورة التي لاقت نجاحا كبيرا عن موضوعات عائلة الأفيال. يوضح المؤلف أن الأفكار التي تحيط بأدب الطفل ثرية ومعقدة مثل كتبه، لكن هناك تصورا أو مفهوما أفلاطونيا أساسيا لكتاب الأطفال، تدور حوله الأفكار أو تتقاطع معه؟، قد تمنحنا النظرة التاريخية بعض المفاتيح، بعض الملامح المتكررة في معظم النماذج، التي رأيناها تشمل صورا قوية للطبيعة والحنين إلى الماضي، أي الشعور بالمكان أو الإقليم، والتمركز حول الذات والاختبار والمبادرة والعلاقات الخارجية والداخلية والاحترام المتبادل بين الكبار والأطفال، والحميمية والدفء والأمان والطعام، وربما الأكثر أهمية هو العلاقة بين الحقيقة والفانتازيا، أي من هذه الأمور، أو أي مجموعة منها هي جوهر الموضوع. على صعد عديدة يقع استخدام الفانتازيا في قلب علاقة الكبار والأطفال في الأدب، ومع ذلك من الغريب أن الفانتازيا تجسد إلهامات راديكالية للنفس البشرية، وهكذا يتضح أنها تلائم الأطفال، فالحقيقة والواقعية التي تعرض أحداثا محتملة أو فعلية، لكائنات معروفة في ظروف معروفة يتم تناولها والتعامل معها بحذر شديد، أن الفانتازيا المعاصرة بشكل عام هي الأكثر ثراء وتنوعا في كل الأجناس الأدبية.
مشاركة :