قبل أن نلتفت بالكامل إلى ما يحصل على ساحات الشاشات الصغيرة في البلاد العربية خلال شهر رمضان، ونتابع نجومه ومسلسلاته ودعاياته عن أشهى الأطباق وأنواع العصير والشوكولا التي تحلو معها الأوقات، كما كل ما يرتبط بإثارة شهية الصائم وغيظ هؤلاء الذين يحاولون المحافظة على الرشاقة... لنلتفت إلى ما يجري على شاشة صينية مثلاً. ثمة دعاية صينية بثها تلفزيون صيني تمت مشاركتها من قبل عشرات الآلاف من الأشخاص على وسائل التواصل الاجتماعي، وأثارت مقالات ساخطة في الإعلام الفرنسي وتعليقات منددة. رجل أسود يتحول بعد الاستعانة بمسحوق مبيّض للغسيل إلى رجل... ليس أبيض وإنما أصفر أي آسيوي الشكل. هذا إذا اعتمدنا التصنيفات العرقية التي درست لنا في المدارس حيث العرق هو أبيض أو أسود أو أصفر. فقد قامت مجموعة اقتصادية تروّج لمبيض غسيل، بإنجاز هذه الدعاية التي نرى فيها عاملاً أسود يقترب من فتاة صينية في مطبخها مغازلاً فتستدرجه لتلقيه في النهاية داخل غسالتها ومعه مسحوق الغسيل. بعد صرخات مخنوقة ودورات في الغسالة تفتح له ليخرج مبتسماً وقد تحوّل بفعل قوة المسحوق وفعاليته إلى شاب صيني! وهكذا بات أكثر جاذبية للمستهلكة! هذه الدعاية الصينية مستوحاة، وفق موقع «سليت» الفرنسي، من دعاية إيطالية من التسعينات لكنها استخدمت في الصين على نحو معاكس. إذ تظهر فيها عائلة تضع رجلها «الأبيض» في الغسالة مفضلة عليه وسيماً أسود اللون مع شعار «الملون هو الأفضل»! التعليقات التي استنكرت والتي نددت لم تؤثر في الشركة المنتجة للدعاية، وصرح الناطق باسمها رداً على يومية صينية وعلى وكالة الصحافة التي نقلت الخبر أن كل هذا الجدل نابع من «الحساسية الزائدة» للإعلام الفرنسي والإعلام الأجنبي عموماً(!) مبينة أنها لم تَردْ فعل شيء أكثر من الترويج لمنتجاتها. كما لم يفهم بعض الصينيين «أين العنصرية في هذا؟!». العنصرية، ثمرة الجهل والأفكار المسبقة، معروفة في الصين تجاه سود البشرة ولا يعبأ الصينيون بالخطاب الرسمي الذي يحارب هذه النظرة فهي ما زالت منتشرة، وقد كانت هذه الدعاية مناسبة للإعلام الفرنسي لاستعراض بعض ظواهرها. ففي الملصقات الدعائية للأفلام مثلاً قام الصينيون بتصغير وجه أحد أبطال فيلم «حرب النجوم» في الصورة مقارنة ببقية الأبطال لأنه أسمر البشرة! في فرنسا لا يمكن لدعاية كهذه أن تمر على الشاشات فهناك لجنة للنظر في الدعايات وتنظيمها بهدف المحافظة على «دعاية صحية تفيد المستهلك والجمهور والمسؤولين». وحتى حين يعبر ما لا يجب أن يعبر، فهناك المجلس الأعلى للسمعي البصري الفرنسي الذي يقوم بدور شرطي التلفزيون ويمنع كل تجاوز تمييزي قائم على العرق والجنس والدين.
مشاركة :