78 % من السويسريين يرفضون مبادرة تأمين راتب شهري لكل مواطن

  • 6/6/2016
  • 00:00
  • 14
  • 0
  • 0
news-picture

رفض المصوتون السويسريون على نطاق واسع "78 في المائة" مبادرة شعبية تدعو إلى منح كل سويسري أو مقيم في سويسرا دخلا أساسيا ثابتا غير مشروط من الولادة حتى الممات، عَملَ أم لم يعمل، وكانت نسبة الرفض الأعلى بين خمس مبادرات اقتصادية تم التصويت عليها أمس. ولا تهدف المبادرة إلى وضع حد أدنى للأجور، بل تضع معايير أعلى لدخول الناس، عاملين وغير عاملين، وذلك بإلزام الحكومة منح 2500 فرنك سويسري "2631 دولارا" شهرياً لكل مواطن وكل مقيم في البلاد بصورة مشروعة، سواء كان يعمل أم لا، فقيراً أم غنيًا، بصحة جيدة أو مريضًا، يعيش وحده أو مع أسرته. وأن يتلقى الأطفال والشباب ممن دون سن 18 سنة 625 فرنكًا "657 دولارًا" في الشهر، وأن يتم نقش المبلغ وترتيبات التمويل في رخام الدستور، كي تبقيا قائمتين دون إلغاء. وهكذا ذهب مع الريح حلم إنساني راود أذهان الفلاسفة، والمفكرين، والمصلحين الاجتماعيين، والاقتصاديين، منذ عهد أفلاطون حتى يومنا هذا، ليبقى الحلم في لب الأفكار الخيالية "الطوباوية" التي لم تتحقق أبدا على نحو دائم منذ آلاف السنين. وقدمت هذه المبادرة، التي لا لون سياسيا لها على الإطلاق، مجموعة خليطة من المفكرين، والمثقفين، والفنانين، وأساتذة الجامعات، والناشطين، الذين يرون أن تقديم دخل أساسي غير مشروط يمنح الناس فرصة للعيش بكرامة أكثر، والمشاركة في الحياة العامة بنشاط. وبعد أن تم دفن هذه الفكرة الحالمة في سويسرا اليوم، ستسعى فنلندا إلى تجربة مثلها بنموذج خاص بها يمنح دخلاً أساسياً للأفراد، ابتداءً من العام المقبل. وجاءت أعلى نسب الرفض في المقاطعات السويسرية الناطقة بالألمانية، وأدناها في المقاطعات الناطقة بالفرنسية والإيطالية، لكن المعدل المتوسط للرفض بلغ 78 في المائة، وهي من النسب العالية التي يندر تحقيقها في مثل هذه التصويتات. المعارضون للمبادرة يقولون إن دخلاً سنوياً خالياً من الضرائب بمقدار 75 ألف فرنك سويسري "77.129 دولار أمريكي" لكل أسرة مكونة من أبوين وطفلين، ستغري كثيرين على التخلي عن العمل والعيش في كسل. وكان أحد الشعارات المناهضة للمبادرة "ليس للتقاعس من مكان في سويسرا، الأجور مقابل العمل". ويعتقد هؤلاء أيضاً أن للمبادرة تأثيرات سلبية محتملة في الإنتاجية، حيث تقلِّص من همة الناس للبحث عن عمل، وتغير طبائع الناس بمرور السنين نتيجة لعدم تكون شخصياتهم من الخوض في غمار العمل، وتبدد قيم المجتمع. ويتساءل هؤلاء، ماذا لو أنفق الناس الرواتب الإضافية الجديدة على أحذية الرياضة والمخدرات بدلا من الغذاء والتعليم؟ وماذا لو توجه الناس إلى إنفاق "الغنيمة" في البلدان الأجنبية حيث للفرنك قوة شرائية عالية، وبهذا لن يقدموا أي فائدة تذكر للاقتصاد السويسري. فيما يرى المعترضون على المبادرة أنه ليس من شأنها سوى تعقيد نظام اجتماعي ناجح يستند توازنه إلى آليات دقيقة جدا، مشيرين إلى أن التأمينات الاجتماعية الحالية تغطي باستهداف دقيق المخاطر مثل الحوادث، أو البطالة، أو العجز بدرجاته، بل حتى دفع تعويض لصاحب العمل المستقل "ليس لديه رب عمل" في حالة توقفه عن العمل لمدة يوم واحد نتيجة نزلة برد مثلا، ويضيف هؤلاء أنه "ليس هناك من منطق لتغيير نظام يعمل ولا يحتاج إلى إصلاح". ويذكر هؤلاء أيضاً أن المبادرة ستكلف كثيرا جدا، لأن 2500 فرنك للشخص الواحد في الشهر من شأنه أن يولِّد تكاليف تزيد على 200 مليار فرنك "210 مليارات دولار"، منها 153 مليار فرنك "161 مليون دولار" أو ما يعادل ربع الناتج المحلي الإجمالي لسويسرا في عام 2012 ينبغي تمويلها من ضرائب إضافية. فيما يرى أصحاب المبادرة أن 70 مليار فرنك ستستمد من مدفوعات الدولة الاجتماعية التي تنفقها حاليا على العاطلين، والمعوقين، والمتقاعدين ممن لم يصلوا إلى الحد الأدنى للراتب التقاعدي، أما الـ 130 مليارا المتبقية فيمكن تغطيتها من الدخول الآتية من النشاطات المربحة، ومن خلال فرض ضرائب على التعاملات المالية كشراء وبيع الأسهم، أو على رأس المال، كما يمكن أيضا إعادة هيكلة نفقات الدولة. لكن مشكلة هذه الخطة الاقتصادية، كما هو الحال في عديد من القضايا الاقتصادية، تكمن في أنه لا توجد هناك سابقة تاريخية شبيهة لها بمثل هذا النطاق الواسع، وهذه المشكلة هي الأساس في تردد أغلب الاقتصاديين في دعمها. وسألت "الاقتصادية" سيدة عجوزا كانت قد صوتت ضد المبادرة عن سبب رفضها، فقالت "إن توزيع الأموال هكذا بالمجان، دون قيد أو شرط، ومن دون مقابل، سيدفع الناس في أجزاء أخرى من العالم إلى ازدراء سويسرا، خاصة أولئك الذين ليس لديهم ما يكفي من الطعام، أنصار هذه المبادرة على قناعة بأن التقدم في التقنية يجعل الاقتصاد أقل ارتباطاً في العمل البشري. وأن ما يُسمى بـ "الثورة الصناعية الرابعة" سيجعل من الذكاء الاصطناعي أعلى من البشري، وأن الثورة الرقمية الجارية حاليا تغير تدريجياً الطريقة التي نعيشها، والعمل، وحتى تواصل الناس مع بعضهم البعض". وجنباً إلى جنب سائر الاقتصاديين، قال الاقتصادي، كريستيان مولر، المؤسس المشارك للمبادرة، "إنه إذا ما اعتقد شخص أن علينا جميعا العمل بدوام كامل في المستقبل، فهو مخطئ، إنه الخيال "الطوباوية" بحد ذاته". وأضاف لـ "الاقتصادية"، "إننا نتحرك نحو اقتصاد دون تكلفة. خذ على سبيل المثال صناعة الموسيقى. لا أحد في الوقت الراهن يكسب المال من بيع الموسيقى المسجلة. لم يعد أحدٌ بعد الآن يكسب من الموسيقى منذ أن أصبحت رقمية. تكاليف إنتاج الموسيقى انخفضت، ما جعلها شبه مجانية، وهذا أمر جيد… الأمر نفسه سيحدث في الصناعات الأخرى. ولا سيما عندما تصبح الطاقات البديلة رخيصة، أو بأسعار معقولة، أو حتى مجانية، مثلما هو حال الموسيقى والأفلام". وأوضح مولر، أن فكرة أن لكل فرد الحق في العمل، وأن سوق العمل تنقسم إلى أرباب العمل وعمال، إنما هي أفكار عميقة الجذور في الاقتصاد والتاريخ الاقتصادي أيضاً. ومع ذلك، فإن هذه الرؤية "هذا السيناريو" تتغير بسرعة، ولدينا فرصة هائلة بل هو التزام أيضاً للتكيف مع هذا الوضع الجديد".

مشاركة :