فن «المواليا».. احتفاء شعبي بالرسول الكريم

  • 6/8/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

سيرة الرسول ، عليه الصلاة والسلام، بما تحمله من فضائل وقيم إنسانية ستظل مادة غنية للتناول والبحث والدراسة والتحليل، فإذا كان العظماء والقادة قد حرصوا على تسجيل سيرهم حتى يتلمس الناس منها مواطن الاقتداء والاستفادة، فإن سيرة محمد - صلى الله عليه وسلم - أولى بالبحث والتدقيق والدرس، وقد استطاع الكتّاب والمفكرون والشعراء العرب أن يجدوا في شخصية النبي ورسالته الخالدة ما يتفق مع أفكارهم ومعتقداتهم، ومن هؤلاء حسان بن ثابت وكعب بن زهير وأحمد شوقي والعقاد وعبد الرحمن الشرقاوي والحكيم وحسين مؤنس وغيرهم. يوضح كتاب سيرة الرسول بالموال الشعبي لعبد الفتاح شلبي أن الجماعة الشعبية لم تكن بمنأى عن الاحتفاء بسيرة النبي، وعظمته، فقد ارتبطت أغاني المديح بميلاد النبي، بوصفه الضياء المنير والهادي النذير، حيث تتجلى هذه الصفات خلال حلقات الذكر، التي تحظى باحترام الجماعة الشعبية، وتأخذ هذه الأغنيات في أنماطها إيقاعات موسيقية تختلف عن معظم الأغاني الشعبية، نظراً لارتباطها بالسياق والحركة والأداء، وإذا كان الاحتفاء الشعبي بميلاد النبي قد أخذ جانباً مهماً من هذا المديح في وصف معجزاته وأفعاله، فإنها لم تغفل أيضاً الاحتفاء بموته. وقد استطاع الشاعر عبد الفتاح شلبي في هذا الكتاب أن يرسم لوحة فنية بديعة بتيمات شعبية مميزة، وأن يخوض هذه التجربة بجرأة كبيرة، وهو يتناول شخصية من أعظم الشخصيات في التاريخ، مستفيداً بما يملكه من موروث شعبي، ووعي كامل بالأحداث والمواقف والغزوات التي خاضها النبي، كما حمل أشعاره ببعضاً من آيات القرآن الكريم التي أضاءت سطوره الشعرية في بساطة للغة، وبأحد الفنون القولية في الأدب الشعبي، فاختار الموال السباعي النعماني الذي يعد من أقدم ألوان الغناء. ذكر صفي الدين الحلي أن هذا الفن المواليا نشأ في أهل واسط (جنوبي العراق)، وقد تسلمه منهم البغداديون فلطفوه ونقحوه، إلى أن عرف بهم دون مخترعيه، ونسب إليهم دون مبتدعيه، ومن هنا تسميته حتى اليوم في لبنان بالبغدادي. يعلل الحلي تسميته المواليا بقوله: وإنما سمي بهذا الاسم لأن الواسطيين لما اخترعوه، وكان سهل التناول لقصره، تعلمه عبيدهم المتسلمون عمارة بساتينهم، فكانوا يغنون به في رؤوس النخيل، وعلى سقي المياه، ويقولون في آخر كل بيت مع الترنم يا مواليا، في إشارة إلى سادتهم، ثم انتقلت المواليا الرباعية إلى مصر والأندلس عن طريق التجارة، وهجرة بعض مغني هذا اللون، فأشاعوه هناك، فأعجب به المصريون، واستحسنوه، ثم أضافوا إليه شطراً خامساً، لحاجة الغناء إليه. هذا الكتاب، الذي قدم له حامد أنور، والذي طبع لأول مرة بدار الشعب عام 1974 يعد سيمفونية شعبية وملحمية إبداعية من طراز فريد، وضع فيها عبد الفتاح شلبي خبراته ومعارفه بحس ووعي سنوات عمره السبعين، ليؤكد أصالة الفن الشعبي في التعبير والتواصل مع ثقافة أبناء هذا الشعب، بلغة يفهمها وفن يعشقه، وسيرة من أفضل السير في التاريخ، هي سيرة الرسول، صلى الله عليه وسلم.

مشاركة :