بعد خمس سنوات من الاعتقاد بفرار كبار قادة «القاعدة» عبر هذه المدينة الساحلية، لا يزال القلق يساور المسؤولين في كراتشي من أن التنظيم الإرهابي يعيد تجميع قواه ويحصل على دعم جديد في المدينة وفي أفغانستان المجاورة. وهم يساورهم قلق خاص بشأن التجنيد المحتمل لعناصر جديدة من أجل الإعداد لهجوم إرهابي كبير. وإعادة تنظيم الصفوف تأتي من قبل ذراع التنظيم المعروف باسم تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية، والتي أشرف على إنشائها زعيم التنظيم أيمن الظواهري في عام 2014 حتى يبطئ من تقدم المسلحين التابعين لتنظيم داعش المنافس في المنطقة. وفي بادئ الأمر، يكافح ذراع «القاعدة في شبه القارة الهندية» لاستمالة الأتباع الجدد في باكستان، ولقد كانت الهدف الرئيسي لاستراتيجية الطائرات من دون طيار الأميركية في القطاع الشمالي الغربي من البلاد في حزام القبائل. ولكن ذراع القاعدة يحاول الآن أن يجد لنفسه موطئ قدم في داخل باكستان، وتعزيز قوته بالمجندين الجدد والتحالفات الناشئة مع الجماعات المتشددة الأخرى هناك. يقول سيف الله محسود، المدير التنفيذي لمركز فاتا البحثي، الذي يراقب أعمال الجماعات المتطرفة «إنهم يحاولون العودة ولكن بشكل جديد. ولكنه تنظيم مختلف لتنظيم القاعدة بصورته المحلية». بعد سقوط حكومة «طالبان» في أفغانستان عام 2001، انتقل كثير من قادة القاعدة إلى القطاع الشمالي الغربي من باكستان أو لعلهم حاولوا التخفي والتماهي وسط الجماهير في كراتشي، وهي المدينة الكبيرة التي تضم أكثر من 20 مليون مواطن. وهناك عدد لا بأس به من أولئك القادة الأساسيين تعرضوا للاغتيال أو الاعتقال، أو تمكن بعضهم من الفرار إلى منطقة الشرق الأوسط، كما يقول المسؤولون هناك. لكن تشكيل تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية يسمح للتنظيم من جديد بالاستفادة الثروات في كراتشي وشبكة المدارس الدينية المنتشرة هناك، بحثًا عن المتطرفين المحتملين وأصحاب الخبرات الفنية المتنوعة - وإشعال الاشتباكات العنيفة مع قوات الأمن الباكستانية. يقول أحد مسؤولي مكافحة الإرهاب في كراتشي، مفضلاً عدم ذكر هويته لأنه غير مصرح له بالحديث إلى وسائل الإعلام: «لن يتحرك كبار قادة القاعدة، من المنظرين والمخططين، إلى الأمام في اللحظة الراهنة. ولكنهم يصدرون الأوامر والتوجيهات التي يعمل الفتيان المحليون على تنفيذها في حين تتزايد أعدادهم بصورة كبيرة». وفي حين يحافظ المسؤولون الباكستانيون على ثقتهم في أن تنظيم القاعدة لن يتمكن من تكرار مأساة الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) مرة أخرى، إلا أن هناك مخاوف من أن التنظيم، وكما قال أحد المسؤولين هناك، يخطط لشيء كبير. وأضاف المسؤول الأمني بالقول إنه من غير الواضح، رغم ذلك، ما إذا كان الهجوم المحتمل موجهًا إلى باكستان، أو دولة أخرى في منطقة جنوب شرقي آسيا، أو ربما الغرب. وتعكس هذه المخاوف تقديرات القادة العسكريين الأميركيين في أفغانستان، حيث إن هناك إشارات كذلك على أن عناصر من «القاعدة» تحاول إعادة تنظيم صفوفها. ولقد تم الكشف عن معسكر لتدريب الإرهابيين بمساحة 30 ميلاً مربعًا في إقليم قندهار الأفغاني في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وتمكنت القوات الخاصة الأميركية والأفغانية خلال الشهر الماضي من تحرير أحد الرعايا الباكستانيين المحتجز كرهينة في المعسكر التابع لتنظيم القاعدة في إقليم بكتيا. يقول العميد تشارلز اتش كليفلاند، الناطق الرسمي باسم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في أفغانستان: «إنهم يسعون للاستقرار مع حركة «طالبان» حتى يتسنى لهم تأمين مستوى معين من الأمان. وفي نهاية المطاف، ما نعتقد أن يحصل عليه تنظيم القاعدة من هذه العلاقة المتجددة هو، إذا ما استطاعت حركة طالبان توفير بعض المساحات غير الخاضعة لهم هناك، فإن ذلك سوف يتيح للقاعدة مساحة من الحركة تمكنها من شن عملياتها الإرهابية العالمية. وفي باكستان، يقول المسؤولون إن «القاعدة» تحاول إعادة التكيف من خلال التحالفات الجديدة مع الجماعات المتطرفة هناك، بما في ذلك حركة «طالبان» الباكستانية ذات الأغلبية السنية، وجماعة عسكر جنجوي، وهي من الجماعات الطائفية التي تركز هجماتها على المسلمين الشيعة. وتأتي جهود التنسيق المشار إليها في الوقت الذي يصعد الجيش الباكستاني من عملياته ضد مختلف الجماعات المتطرفة، مما يدفعهم إلى البحث عن الدعم لدى «القاعدة» من أجل «الاستمرار»، كما يقول أحد مسؤولي إنفاذ القانون الباكستانيين والذي تحدث، مفضلاً عدم الكشف عن هويته. ولكن المسؤولين يقولون إن التهديد القائم من تنظيم القاعدة يمتد إلى ما هو أبعد من مجرد التحالف مع الجماعات السنية المتطرفة التي تعيد صياغة آيديولوجياتها. بدلا من ذلك، كما يقولون، إن التنظيم الإرهابي يحاول العثور على مجندين جدد من بعض أحياء كراتشي المحتملة. وعلى الرغم من أن قبائل البشتون والمقاتلين الأجانب كانوا قد شكلوا فيما مضى العمود الفقري للقاعدة في المنطقة القبلية الأفغانية الباكستانية، فإن بعضًا من قبائل البنغال وغيرهم من المهاجرين الآخرين الناطقين باللغة الأردية - وهم المسلمون الذين هاجروا إلى باكستان من الهند في أعقاب الانفصال بين الدولتين في عام 1947 - يميلون إلى العمل لصالح التنظيم الإرهابي، كما يقول المسؤولون. وقال المسؤول الباكستاني المشار إليه: «إنهم لا يميلون إلى ذلك النوع من الاقتتال الداخلي، أو القتال مع الطوائف الأخرى أو ضد الشيعة، ولكنهم سوف يقاتلون من أجل إنفاذ الشريعة على الجميع»، وسوف تجذبهم دعاوى «القاعدة» للقتال ضد الغرب كالمعتاد. ولدى مسؤولي مكافحة الإرهاب في كراتشي قائمة تضم عدة مئات من أعضاء القاعدة النشطين، مما يجعلهم يفترضون أن هناك الآلاف من غيرهم يجوبون شوارع المدينة. وفي كراتشي، قسّم تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية نفسه إلى ثلاثة قطاعات عملياتية - قطاع التجنيد، وقطاع التمويل، وقطاع التكتيكات - ويتكون كل قطاع من خلايا تشتمل كل واحدة منها على أربعة إلى ستة أشخاص. تعمل خلايا التجنيد في المدارس الدينية والحكومية، وتهدف إلى الوعظ العام حول الإسلام قبل استهداف بعض الطلاب من أجل التجنيد المحتمل، كما يقول المسؤولون. ويقول سعد خان، وهو أحد ضباط الاستخبارات الباكستانية المتقاعدين «لا يمكن لأحد أن يعرف أنهم من أعضاء تنظيم القاعدة». وتلتمس الخلايا التمويل عبر التبرعات من الشركات المحلية، وفي كثير من الأحيان تكون تحت غطاء دعم الجمعيات الخيرية الإسلامية، كما يقول المسؤولون. وليس لدى المسؤولون أية تقديرات عن حجم الأموال التي يحصل عليها التنظيم من الأثرياء في مدينة كراتشي، ولكنهم يقولون إن المتطرفين يلقى القبض على بعضهم في بعض الأحيان وهم يحملون مبالغ نقدية تقدر ببضعة مئات من الدولارات.
مشاركة :