ما أن أصدر الأمين العام للأمم المتحدة «بان كي مون» تقريره السنويّ الخاصّ بحقوق الأطفال في مناطق الصراع المسلَّح (CAAC)، حتَّى انكشف عن الأمانة ستار حياديَّتها، وظهرت حقيقة انحيازاتها عارية. احتوى التقرير على قائمة من الدول والجماعات المسلَّحة التي يزداد فيها انتهاك حقوق الطفل حول العالم، وقد تمَّ إدراج دول التحالف الذي تقوده المملكة العربيَّة السعوديَّة لمساعدة الحكومة الشرعيَّة في اليمن لاستعادة سيطرتها على البلاد ضد الانقلاب الحوثي الغاشم. بدأ التحالف حملاته الجويَّة في 2015 بالتنسيق مع دول الأمم المتحدة الرئيسة مثل أمريكا وبريطانيا، بعد أن هاجم الحوثيون العاصمة اليمنيَّة ومناطق أخرى من البلاد، لذلك فاشتباك التحالف معهم هو بمثابة حرب لها طرفان يتبادلان الضربات، وليس هجومًا ينفرد به التحالف، ويستأثر وحده بكل النتائج المؤسفة لأيّ ساحة قتال. يتحمَّل العدو الحوثي المسؤوليَّة الأكبر للدمار الذي تخلِّفه ضرباته العشوائيَّة وتفجيره للمدارس، والمستشفيات، والمصالح الأخرى، خاصة وأن قوات التحالف تستخدم أسلحة ذكيَّة متطوِّرة لا ترسل قنابلها إلاَّ على مواقع الانقلابيين، ومخازن أسلحتهم بدقَّة فائقة احتياطًا من إصابة أهداف بشريَّة أو مواقع خدمات حيويَّة، على العكس تمامًا من سياسات الحوثي في الاختباء خلف الدروع البشريَّة، وفي تجنيد الأطفال لخوض المعارك، ممَّا جعل الأمم المتحدة نفسها تضع الحوثيين على هذه القائمة السنويَّة على مدى الخمس سنوات الماضية كجُناة دائمين: «persistent perpetrators». لذا فقد جاء التقرير مفاجئًا، وغير مبرر، وقد تبدَّى الانحياز به جليًّا في عدم اعتماده على مصادر موثوقة، بل إن جلَّ المزاعم التي تضمَّنها التقرير لم يتم التحرّي عنها بحرفيَّة دقيقة، واكتفي بإسنادها إلى أشخاص مجهولين منحازين إلى حزب الانقلاب فقط، دون مطابقتها مع، أو مقارنتها بتقارير الحكومة الشرعيَّة باليمن، أو بتقارير قوات التحالف. كذلك فإن التقرير لم يكن فقط مرتجلاً، وإنما كان متسرعًا إلى درجة أنَّه لم يتم اطلاع التحالف على ما جاء به قبل نشره. وكان لابدَّ للمملكة من التحرّك لردِّ هذا الإجحاف، وبعد التعبير الرسميّ عن الاستنكار والاعتراض، تصدَّى سفير المملكة في الأمم المتحدة «عبدالله المعلمي» لهذه المهمّة الجوهريَّة، ودفع التُّهمة الجائرة. بعد لقائه مع «بان كي مون» صرّح «المعلمي» بأنَّ المبالغات الضخمة التي تضمَّنها التقرير ما كان من الممكن قبولها، وأنَّه نجح بالأدلَّة والحجج من إقناع الهيئة الدوليَّة برفع اسم التحالف من قائمة انتهاكات حقوق الأطفال في اليمن. لا شكَّ أنَّ المواجهة كانت قويَّة، فالمطالب لم تنثنِ، والموقف لم يتزحزح حتَّى تمَّ تحقيق المراد. وكانت جماعات حقوق الإنسان قد احترقت بنيران الغيظ من هذا التراجع الذي يثبت في حدِّ ذاته براءة التحالف من هذا الاتِّهام الباطل، فمنظمات مثل آمنستي إنترناشونال، وأوكسفام قد روَّجوا أن الإزالة مؤقتة، والقرار في طور المراجعة، لذلك كرَّر «المعلَّمي» وردَّد بقوة: «إن الرفع نهائي، وغير مشروط، ولا قابل للتراجع». إنَّ وضع التحالف على قائمة الانتهاكات لحقوق الأطفال ليس تُهمة بسيطة ممكن التعامل معها في حدِّ ذاتها؛ لأنَّها في الواقع جزءٌ من صورة أكبر يحاول أعداء المملكة إلصاقها بها، صورة مشوَّهة يعملون جاهدين على ترويجها، وتأكيدها بأدلة واهية، لذلك كان لا مفرَّ من دحض التُّهمة وردِّها.
مشاركة :