أول بشائر الخير المتوقعة على مسار تحسن الحالة الصحية لدى كثير من المواطنين والمقيمين على هذه الأرض الطيبة، هو بدء ارتفاع الوعي المعهود عند الناس في مثل هذا الشهر الكريم بأهمية ممارسة الرياضة بكل أنواعها تقريبًا، وبالأخص رياضة المشي والركض. ولا يخفى أن لذلك أيضا انعكاسه الإيجابي على ميزان مصروفات وزارة الصحة، والتخفيف من ضغوطات المراجعين على مراكزها الصحية على المدى المتوسط والطويل. بالنسبة إلي فإني عدت، والعود أحمد، إلى مباشرة رياضة المشي التي انقطعت عن ممارستها لفترة قاربت العامين وخسرت، بسبب ذلك، صحيًا، إذ راكمت من حيث أدري من 5 إلى 7 كيلوغرامات إضافية إلى وزني! الأمر الذي قد يدعو الطبيب إلى أن يرفع لي جرعة الدواء. فكم سأحتاج من الوقت يا ترى، لأتخلص منها؟ ليس هذا ما يقلقني حقيقة، وإنما الذي يقلقني هو كيفية المحافظة على مواصلة رياضتي، بحيث لا تكون موسمية، تأتي مع شهر رمضان وتذهب مع ذهابه. ولأن الحديث عن رياضة المشي يستوجب مني ذكر المكان الذي أشارك فيه بعض المواطنين ممارسة هذه الرياضة، فإني أخبركم بأن الحديث هنا يدور عن متنزه محمية دوحة عراد. هذا المتنزه الحضاري الذي افتتح في عام 2010 بالتزامن مع اعتماد الأمم المتحدة تلك السنة سنة دولية للتنوع البيئي. أي قبل أكثر من ستة عشر عامًا. وتجدر الإشارة إلى أن هذا المتنزه والمحمية يعد نموذجًا فريدًا وهو متعدد الأغراض ينبغي المحافظة عليه من قبل رواده قبل أن تكون هذه الحماية من مجموعات حراسة تعين من جهة ما حكومية أو خاصة. ثم أليس من الشذوذ أن تقيم حراسة على مشاريع أقيمت أصلاً من أجل المصلحة العامة؟ نؤكد هنا على أن هذا المتنزه والمحمية ينبغي أن يحاطا بكثير من الرعاية المجتمعية، ذلك أن هناك كلامًا كثيرًا يقال ومفاده أن هذا المتنزه الجميل والمحمية التي تنم عن وعي بيئي تحتاجه الدول الجزرية التي تشهد زيادات سكانية وتوسعات عمرانية قد تحول إلى مكب للأوساخ بسبب السلوك غير المتحضر واللائق لبعض الجاليات الأجنبية والعربية. وهذا يشكل مصدر قلق لرواد هذا الصرح الحضاري. مثل هذا الكلام وغيره مما بدأ يشق طريقه إلى أفواه البعض ممن ركبتهم فجأة نزعة شوفينية غريبة عن أهل البحرين لعلها بعض من تداعيات ما شهدته البحرين الجميلة المتسامحة المضيافة من مهاترات سياسوية عمادها مزايدات رخيصة على قيم الانتماء ومعانيه، أثار حفيظتي وجعلني أتدبره ليكون موضوع حديثي إليكم في يوم الجمعة الأولى من الشهر الكريم. بداية عليّ أن أوضح بأن هذا المتنزه هو المكان المحبب لأهالي محافظة المحرق لممارسة الرياضة أو قضاء أوقات المساء فيه فرادى وعائلات، ويستمتعون بأوقات يستنشقون فيها هواءً نقيًا، ويلونون أبصارهم بانعكاسات الإضاءات المختلفة على صفحة بحر الدوحة الآتية من الجوار المحيط، ويلقون بعضًا من محمولات تعبهم الجسدي والفكري في بحر الدوحة. أنا ومجموعة من الأصدقاء، وهم مثلي ممن انقطعوا عن الرياضة، ظلت أعيننا شاخصة على أن نجعل هذا المتنزه وجهتنا بدءًا من الليلة الأولى من شهر رمضان هذا العام أو مساءاته، وقد يكون في صباحاته في أيام الإجازات. قبل أيام قليلة من دخول شهر رمضان الكريم استمعت إلى كلام لا يكون سببًا في عرقلة مشروعنا اللياقي والصحي فحسب وإنما يؤصل إلى حالة مقيتة أحسب أن مجتمعنا المنفتح على الحضارات والثقافات وعادات الشعوب وحركتها قد تجاوزها. ملخص هذا الكلام هو أن المقيمين العرب والجاليات الآسيوية هي المسؤولة عن تكدس الأوساخ في المتنزه. فهل مثل هذا القول له نصيب من المقبولية بين أفراد المجتمع البحريني؟ كل الشواهد والدلائل التاريخية والأريكولوجية تشير إلى أن البحريني لا يرمي زواره والمقيمين بين ظهرانيه بمثل هذا الكلام المحقر والجارح للمشاعر الإنسانية، والحاط من كرامة الغير. الظواهر غير الحضارية ليست خاصة بشعب دون آخر، وإنما هي حالات شاذة موجودة في كل المجتمعات البشرية. وليس عجبًا إن تلصص بعضنا منا يومًا ورأى أن من يمارسون العبث بالبيئة في هذا المتنزه أو في غيره من المتنزهات هم من بعض البحرينيين الذين يفتقرون لمقومات المواطنة الحقة، أو هم من بعض المقيمين العرب أو الآسيويين، أو حتى الأوروبيين، وإن ندر ذلك، وهم من أعيت التربية أن تتأصل في سلوكهم. مشاهدتي للمتنزه في أول يوم رمضان لم تتفق مع ما سمعته، بل كان المتنزه في غاية الجمال، وفي منتهى الروعة. ولكنني أحببت أن أكتب ما كتبته للرد على من يرمي بكلامه جزافًا، ويصيب بجهالته كرامات الناس، ويسهم في إشاعة الانطباع بأننا شعب عنصري. باختصار، فإن مثل هذا الكلام يسيء للبحرين قبل أن يسيء إلى من يرميهم بالتهم. لا ينبغي أن نشيع بين زوارنا والمقيمين بيننا حالة الكراهية هذه. نحن شعب ميزتنا التسامح والكرم ووفادة الضيف، ونحب الشعوب الأخرى. وهذه خصلة من خصال الأسبقين من الآباء والأجداد ينبغي الحفاظ عليها، ليستمر الصيت البحريني يعانق الآفاق.
مشاركة :