المجتمع الإماراتي من أكثر المجتمعات تمسكاً بعاداته وتقاليده، وحرصاً على الحفاظ على تراثه وهويته الوطنية. يبدو هذا واضحاً جلياً فيما يخص العادات المرتبطة بشهر رمضان؛ مراسم استقباله ووداعه، وأجوائه الروحية والاجتماعية. فنحن إذا أردنا الحديث عن رمضان في التراث الشعبي الإماراتي، لن نجد باسترجاع الماضي اختلافاً كبيراً عن الحاضر؛ فهي نفسها الاستعدادات بالمأكولات والمشروبات المتوارثة، وهي ذاتها المجالس العامرة طوال أيام الشهر، ومظاهر فرح الصغار والتكافل الاجتماعي وصلة الأرحام، تعيدنا جميعها للعيش في أجواء الماضي، بدفئه وتسامحه وأصالته. العادات الرمضانية في الإمارات، لم يطرأ عليها تغيير تقريباً منذ أجيال، فكما كان الأمر سابقاً تبدأ الاستعدادات قبل أيام من الشهر بتحضير مستلزماته، وتجهيز المجالس لاجتماع العائلة والجيران، ثم شراء وتجهيز مير رمضان، وهي عادة إماراتية أصيلة، تقدم فيها الهدايا للأهالي والأصدقاء، صلة للرحم خلال الشهر الفضيل. وفي إطار صلة الرحم أيضاً، لا تزال عادة التزاور، بين الأهل والجيران، من أجمل وأهم العادات الباقية حتى اليوم. إلى ذلك لن نرى اختلافاً كبيراً في مراسم استقبال رمضان بين اليوم والأمس، فلا يزال الأطفال الإماراتيون يستقبلون الشهر الكريم بارتداء الزي الوطني، ولا تزال الأمهات يستقبلنه بالمأكولات والمشروبات الشعبية المتوارثة، والتي وإن شهد بعضها بعض التغييرات إلا أن الأنواع نفسها حاضرة كل عام على المائدة الإماراتية في رمضان. وبالإشارة إلى الأطباق الإماراتية في رمضان، تقول هدى الزرعوني، موظفة: تتميز المائدة الإماراتية بأكلتين شعبيتين، تقدمان طوال الشهر الفضيل، وهما الثريد واللقيمات، اللذان يرتبطان بشكل وثيق بهذا الشهر في الموروث الإماراتي، إذ كانت العائلة الممتدة من أبناء وأحفاد وأقارب، تجتمع على المائدة الرمضانية التي يقتصر فيها الإفطار على التمر والماء وقليل من الطعام، وبعد صلاة العشاء تكون الوجبة الرئيسية، وبعدها القهوة والحلويات. وتؤكد تشابه مائدة رمضان قديماً وحديثاً، فهذه المائدة لم تكن تخلو من الهريس والثريد والعصيدة، والمجبوس. وبالنسبة إلى الحلويات كانت هناك اللقيمات، والبلاليط، والمحلى، والغميلي، والرقاق، والساقو، والهرروت، والخنفروش، وهي نفس الأطباق التي تشهدها الموائد حالياً. وتشير الزرعوني إلى تقليد متوارث منذ سنوات طويلة، وهو أن أجواء رمضان تبدأ من منتصف شعبان، وتسمى هذه الليلة حقّ الليلة، حيث يوزع أهل الفريج (الحي) الحلويات والمكسرات. سعيد بن يعروف، خبير في التراث، يقول: لم تكن هناك مكيفات، وكان الجلوس أمام العريش في أيام وليالي هذا الشهر، عندما يجتمع عدد كبير من الأصدقاء بعد صلاة التراويح، إذ كانت زيارة الربع عقبها واجبة كل يوم، وتنتشر في تلك الزيارات أحاديث السمر، كما كان رجال الرّبع يتبادلون أبيات الشعر النبطي والفصحى. وكان تبادل طعام الإفطار فيما بينهم قبل أذان المغرب من الأمور اليومية الواجبة، حيث ينتشر الأطفال في السكيك حاملين الأطباق ينقلونها من دار لأخرى، فيما يقيم أعيان البلاد موائد كبيرة للإفطار. ويضيف بن يعروف: هناك الكثير من العادات الرمضانية التي اندثرت، وتم الاستغناء عنها، منها المسحراتي، الذي استبدل حالياً بالمنبهات، إذ كان الطبال يدور في الفريج يوقظ النيام وينشد أناشيد المالد ويرتل الأدعية. لكن معظم الناس اليوم لا يحتاجون إلى المسحراتي، فهم يمضون أوقاتهم في السهر حتى السحور، لأن الخيارات أمامهم كثيرة والمغريات كبيرة بوجود الفضائيات التي تعرض المسلسلات المتواصلة، والأسواق المفتوحة طوال الليل تقدم العروض. ويذكر جمال عمر، الخبير في التاريخ الإماراتي، أن لكل مجتمع إسلامي عادات وتقاليد في الشهر المبارك، الكثير منها لا يزال مستمراً، لاسيما ما يخص أطباق الطعام؛ فمن أهم الأطعمة التي كانت تقدم قديماً ولا تزال حاضرة على الموائد الإماراتية: الهريس، والثريد، واللقيمات، والجريش، والعرسية، والتمر، والجامي، والمجبوس، هذا دليل على حرص الشعب الإماراتي على الاحتفاظ بهويته الوطنية، وتراثه الذي ارتبط به حتى صار عنواناً له. وعن أهم الأنشطة الرمضانية التي كان يقوم بها الصغار، ولا يزال بعضها مشهوداً، يقول عمر: كان الأطفال وما زالوا، يوزعون الأكلات على الجيران، وعلى المساجد المجاورة لمنازلهم، وذلك لإطعام الصائم، إضافة إلى إقامة مسابقات بين الصغار في المساجد والألعاب الرياضية طوال الشهر، لتشجيعهم على الصيام وحفظ القرآن وتلاوته في الشهر الكريم. وكان تبادل الأطباق من أهم مظاهر التكافل المجتمعي المنتشرة قديماً، ويوازيه اليوم موائد إفطار الصائم. تشير شمة عبيد، ربة منزل، إلى استعدادات النساء لاستقبال شهر رمضان، تقول: عندما يهل الشهر المبارك كانت النساء يجتمعن كل يوم في بيت إحدى الجارات، لطحن الحب وإعداد الهريس، وهن يرددن أشعاراً خاصة تعرف بدق الهريس، ولإعداد الخبيص والبلاليط، وخبز الرقاق واللقيمات. وتعدد عبيد أهم العادات المجتمعية في رمضان قديماً، قائلة: كانت النساء يخرجن لأداء صلاة التراويح في المساجد، مع تعويد الأهل أطفالهم الصيام. وكانت المجالس تظل منعقدة حتى طلوع الفجر، حيث تكثر الحكايات وتسرد السوالف والذكريات، وحيث يتبادل الحضور الأحاديث الثنائية، ويقدم لهم الشاي والقهوة والهريس طوال الشهر الكريم. وقبل موعد السحور كان المسحراتي يتجول في الطرق، ويدق طبلته مردداً بصوت مسموع: اصحَ يا نايم.. واذكر الدائم.
مشاركة :