المقصود بالثقافة في العنوان هو منظومة العادات والتقاليد والسلوكيات وليست الثقافة بمعناها من نتاج وحراك أدبي وفني. أما موضوع المقالة فيأخذ ما صدر عن مجلس الوزراء الموقر يوم الاثنين الفائت من حزمة جديدة من القرارات التي تتعلق بالرؤية الإستراتيجية 2030 مدخلاً. فالقرارات تدل على إصرار القيادة على المضي قدماً في خطة التحديث الاستراتيجية الطموحة. ومعظمها يتعلق بالمدى القريب للإستراتيجية أي سنة 2020 والتي تتمركز حول انتهاء الاعتماد على النفط كمصدر للدخل القومي وإحلال بدائل صناعية وتجارية وسياحية محله، مما يعني دخول الدولة إلى حيز العصر الصناعي، والاندراج في العولمة بشكل أكبر من كونها مصدرا للطاقة فقط. مما يتطلب معه العمل على البعد الثقافي للمجتمع. إن تلازم الاستغناء عن الاعتماد على النفط، في دخل الدولة وحتمية الانفتاح الثقافي ينطلق من حقيقة «أن الدول التي ليس لها موارد طبيعية؛ ريعية، مضطرة للانفتاح على العالم والأفكار الجديدة لأنها وسيلتها الوحيدة لكي تعيش وتزدهر». فإذا تم تحييد دور النفط في معادلة الدخل القومي لدينا؛ بمعنى انتهاء عصر الريع، أصبح لزاماً تبني الانفتاح على العالم كبديل لمواصلة الحياة، لقد أدت حالة الريع النفطي الطويلة إلى الإحساس العام بعدم الحاجة إلى العالم إلا في الحد الأدنى. النهضة المرجوة من وراء الاستراتيجية الجديدة تستلزم أيضاً هجر ثقافة الشك والخوف تجاه الخارج، تعني التخلي عن ثقافة (أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب) الموروثة من زمن الاحتراب على المرعى، وإحلال ثقافة (أنا واخوي وابن عمي والغريب نتعاون من أجل ألا يخسر أحد منا) محلها. لقد عززت بعض أدبياتنا لدى المواطن شعور الارتياب تجاه الآخر فكلمات؛ الحسد، محسودين، عين الحسود، تتردد كثيراً تحت وقع موسيقى المهرجانات مما عمق في وعينا الإحساس بالحذر من الآخر. وإذا كانت المرحلة بحاجة إلى عمالة مدربة بخبرات حقيقية ومعاصرة فيجب أن نضع ثقة أكثر بالقادمين. ربما من الخطأ اقتصار تردي الحالة الاقتصادية لأي دولة على وضعها الاجتماعي الثقافي لكن إغفال أهمية هذا البعد من الأسباب أكثر خطأ. يقول الاقتصادي الأمريكي ديفيد لين في كتابه (فقر ورفاهية الشعوب): «مع أن مناخ الدولة، ومواردها الطبيعية، ووضعها الجغرافي، يلعبون دورا مهما في تفسير لماذا تنجح بعض الدول في دخول المرحلة الصناعية ولماذا لا تنجح أخرى، إلا أن مفتاح الأمر هو في مبدأ ما سماها مواهب الثقافة الاجتماعية الإيجابية لدى الشعوب أي قيم مثل؛ حب العمل، والتوفير، والأمانة، والصبر، والمثابرة. وهذه قيم من الضروري زرعها في ثقافة المجتمع. الجيد في الأمر أن العادات والتقاليد (الثقافة) ليست مورثات جينية، كما يقول توماس فريدمان، بل نتاج سياقات الجغرافيا، والتعليم، والقيادة، والتجارب التاريخية للشعوب، وقابلة للتغيير مع التحكم في هذه المعطيات. إن لم تُأخذ الثقافة في الحسبان، فستكون كالفيل الذي لا يريد أحد ممن في غرفة الاجتماعات أن يراه رغم كبر حجمه!
مشاركة :