«اشتباك»: السير على الحبل المشدود

  • 6/10/2016
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

«اشتباك» هو الفيلم الروائي الثاني في رصيد المخرج المصري محمد دياب (38 سنة)، وذلك بعد فيلمه «678»، الذي أخرجه عام 2010. وقام المخرج بكتابة سيناريو الفيلم بمساعدة شقيقه السيناريست خالد دياب، وهما من كتاب السيناريو البارزين خلال العقد الأخير في تاريخ السينما المصرية. وقد اختار دياب، كما في فيلمه السابق، أن يناقش حدثاً سياسياً اجتماعياً ساخناً يشغل بال المجتمع المصري بمختلف أطيافه وفئاته وأعماره، ناهيك بأن له أيضاً متابعيه على المستوى الخارجي، ما يفسّر اختيار الفيلم ليفتتح تظاهرة «نظرة ما» في الدورة الأخيرة لمهرجان «كان» السينمائي قبل أسابيع.   تركيز على السياسة وقد اختار دياب في فيلمه الأخير أن يكون التركيز بالأساس على السياسة، لا سيما وأنها باتت اليوم الشغل الشاغل للجميع أكثر من أي شيء آخر في المجتمع المصري. لكنه اختار أيضاً أن يتفادى قدر الإمكان الوقوع في أفخاخ المباشرة والترميز والانحياز وطغيان الطرح السياسي على كل ما هو سينمائي، وغيرها من الأمور التي عادة ما تسم الكثير من أفلامنا السياسية في الوطن العربي. كذلك نراه يحاول بجدية، التعبير عن كل شيء وطرح الأفكار الأساسية بقدر كبير من التوازن لا يُحسب عليه من جانب أي طرف من الأطراف، دون محاولة التجاسر على تخطي أي حاجز من الحواجز غير المسموح بها على الأصعدة كافة. وقد أفلح دياب إلى حد كبير في السير فوق العديد من الحبال بمهارة شديدة محسوبة دون أن يختل توازنه أو يتعثر لدرجة السقوط. حاول دياب في فيلمه، الذي تدور أحداثه في صيف عام 2013 عقب أيام من عزل الرئيس السابق محمد مرسي، الاقتراب كثيراً من روح وقلب الشارع المصري على نحو يتماهى وواقعية الحياة اليومية في تلك الفترة. بينما حاول أيضاً خلق الكثير من التوازن عبر بث العديد من المشاهد والخيوط الدرامية القصيرة التي تفاوتت في قوتها على امتداد لحظات الفيلم، وإن جنحت في بعض الأحيان إلى الميلودرامية بعض الشيء والمباشرة والخطابية وسقوط بعض الشخصيات والجمل الحوارية في هوة التكرار والمبالغة وما لا داعي له، ما أثقل الكثير من المشاهد الفيلم بما هو زائد، لكنها آفة الكثير من المخرجين الذين يرون ضرورة أن تتحدث جميع الشخصيات، على كثرتها، وبصرف النظر عن أهميتها ودورها وما تقوله، طالما وجدت على الشاشة حتى وإن كانت هامشية الوجود. حاول دياب عبر السيناريو والشخصيات التي رسمها، أن يُبَسِّط طبيعة وحقيقة الوضع الفعلي في مصر منذ سقوط مرسي وامتداد هذا حتى الوقت الراهن، لكن بالرغم من هذا فالأمور للعالمين ببواطنها أكبر وأكثر تعقيداً بكثير من هذا، أكثر تعقيداً من مجرد انقسام بين طرفين أو ثلاثة أو حتى أكثر، ومن مجرد تضاد أو تضارب أو حتى انقسام واشتباك جدالي حول وجهات نظر متباينة ومتغايرة ترى كل منها أنها هي وحدها على حق دون الجميع. فالمجتمع المصري ليس فقط القاهرة ومن يعيشون بها، وليس فقط الإخوان والعسكر والموالين لهما واللاعبين على الطرفين. فثمة العديد من الأطراف المتباينة في المشهد المصري على امتداده منذ اندلاع الثورة وحتى الآن، وذلك بالرغم من حرص كاتبي السيناريو على حشد نماذج ترمز الى «جميع» أطياف أو فئات المجتمع المصري تقريباً بمختلف أعمارهم وتركيباتهم الاجتماعية في تلك العربة على نحو بدا ميّالاً للافتعال بعض الشيء. الأمر نفسه ينسحب على وجهة النظر التي طرحها المخرج بالفيلم – ليس بالضروري أن يكون مؤمناً بها أو مؤيداً لها ومدافعاً عنها –. فليست محاولة الاستماع للآخر أو التعامل معه بإنسانية والتسامي فوق الخلافات في لحظات الخطر، أو محاولة التعايش في مواجهة الخطر الداهم أو الطوفان الذي سيجرف الجميع، هي الحلول الوحيدة المطروحة أو المتاحة. إذ عند التحدث عن المجتمعات يصعب للغاية التنبؤ بحركاتها أو رصد ردود أفعالها أو توجيهها وفرض الحلول الفوقية عليها. فالمجتمعات طبقات غاية في التركيب والتعقيد، ومشكلات المجتمع المصري على وجه التحديد لا حصر لها، وهي ليست سياسية فقط أو حزبية أو انتمائية، ولا حتى دينية أو اجتماعية أو طائفية. إنها مزيج ضخم من كل هذا وما هو أكثر، ناهيك بالكامن تحت السطح حتى هذه اللحظة.   البناء الشكلي في نهاية الأمر نقول هذا لأن الفيلم يبدو أقرب الى أن يكون رسالة سياسية، وليست فنية أو بصرية دون شك، وإن جنحت بعض الشيء إلى التستر في ثياب التجديد البصري والإخراجي وتحدي السائد والاستعانة بقدرة المخرج وبراعة المصور ومهارة المونتير للخروج بأفضل نتيجة فنية ممكنة، لأن هذا كله في النهاية يطغى عليه دون شك صوت السياسة الزاعق، ووجهات النظر المتداخلة والمتشابكة فيطيح به، ويظل هو الباقي في الذاكرة بعد انتهاء الفيلم. أسلوبياً يسير الفيلم على النمط الكلاسيكي المعتاد. فغالبية الأحداث تدور داخل المكان نفسه، باستثناء لقطات عابرة للتظاهرات وقمعها والقناصة والجنود وغيرها القليل. وعلى امتداد يوم واحد منذ الصباح وحتى المساء. والحدث هو ذاته يقدم طوال الفيلم من دون انزياح ولو طفيف عن موضوعه الرئيسي الممتد على استقامته منذ بداية الفيلم وحتى نهايته، والذي يأخذ في التصاعد الدرامي تدريجياً سواء داخل العربة المتحركة أو خارجها حتى التقاء الخطين معاً في النهاية حيث يصل الفيلم إلى ذروته بالمصير الحتمي الذي كان من الطبيعي أن يلقاه جميع من بالعربة رغم تعاونهم المتأخر مع اقتراب الخاتمة على يد الفاتكين بهم من الخارج سواء كانوا من هذا الفريق أو ذاك. على نحو فني وتقني مدروس حاول المخرج وفريقه نقل الإحساس بالمكان الضيّق داخل العربة، رغم صعوبة التصوير فيه والتحكم في المجاميع. وإن بدا الأمر في لحظات كثيرة من الفيلم غير ملموس، كأن الكاميرا تصور في مكان حر أو داخل حجرة مفتوحة يسهل التحرك فيها وعزل بقية الشخصيات أو التركيز على بعضها دون غيرها، وتلك من الهنات الفنية التي هي نتاج لهذا الخيار الفني الذي حبذه المخرج. إلى جانب هذا، ثمة العديد من الهنات الطفيفة الملحوظة بالطبع، والتي كان من الممكن تجاوزها في ما يتعلق بأداء الشخصيات أو وجودها من الأساس، كذلك الكثير من المشاهد غير المقنعة، ومنها بروز الحر والعطش المفاجئين، وعدم ابتلال الملابس رغم الحر القائظ، والحاجة للتبول، وكلها لم نر أي أثر لها طوال الفيلم باستثناء مشاهد قليلة ركزت عليها وانتهى الأمر.

مشاركة :